رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 20 أغسطس، 2023 0 تعليق

منهج النبي  صلى الله عليه وسلم مع المخالف

قدَّم لنا رسولنا – صلى الله عليه وسلم - المنهاج الأسمى والأرقى والأتقى والأنسب في التعامل مع أصناف البشر جميعهم، فعلمنا التعامل مع المخطئين والشاردين والمجاهرين والمبتدعين من المسلمين، ثم قدَّم لنا كذلك منهج التعامل مع الخبثاء الماكرين من المنافقين، ومع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومع من يخالفوننا في العقيدة والدين عموما.

      أما من أخطأ من المسلمين، فقد جاءت وقائع السيرة النبوية من أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقدِّم لنا منهجية التعامل معهم؛ فرأينا ماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأعرابي الذي تبول في المسجد، ومع معاوية بن الحكم السلمي الذي شمَّت عاطسًا في الصلاة، ومع الشاب الذي طلب الإذن في الزنا، فهولاء علَّمهم - صلى الله عليه وسلم - برفق لأنهم كانوا من الجهلاء.  

موقفه - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة

     ورأينا كيف غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أطال معاذ الصلاة على الناس حتى كاد أن يفتنهم، وكذلك لما جاء ثلاثة رهط، فسألوا عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكأنهم تقالوها، ثم عزم أحدهم على عدم الزواج، وثانيهم على عدم النوم بالليل، وثالثهم على عدم الصيام أبدًا، ثم رأينا كيف تجاوز النبي - صلى الله عليه وسلم - عن زلة حاطب بن أبي بلتعة لما أراد إخبار المشركين بقدوم المسلمين لفتح مكة، بسبب أن قد شهد بدرًا، ثم عايشنا كيف تعامل - صلى الله عليه وسلم - مع الأنصار بعد توزيع غنائم حنين، لما كثرت فيهم القالة حتى قال بعضهم: « يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم  -؛ يعطي قريشًا ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم»{رواه البخاري}، وعند أحمد أنهم قالوا: «لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه»، وكيف جمعهم وحدهم، وخصهم بحديث قلبي ودود، حتى بكوا وخضعوا، فدعا لهم ولأولادهم وأحفادهم.  

موقفنا من أهل البدع

     أما أهل البدع، ممن لم تُخرجه بدعته من الدين، فقد علَّمنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نتجنب بدعته، ونتمسك بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وللتعامل معهم أصول، منها: بغض بدعهم، ومنها: عدم الاستماع لكلامهم ولا التعرض لشبهاتهم، ومنها: هجرهم وعدم بدئهم بالسلام، ومنها: الإنكار عليهم.

تعامله - صلى الله عليه وسلم -

          ورأينا ما فعل - صلى الله عليه وسلم - مع ذي الخويصرة، الذي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اعدل! فرد عليه قائلًا: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟»{متفق عليه}، ومع رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، الذي قال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}، فأراد عمر أن يقتله، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاكرًا الحكمة: «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه» (متفق عليه)؛ لأنه في الظاهر منهم.  

القواعد العامة في التعامل مع غير المسلمين

ثم علَّمنا ديننا القواعد العامة في التعامل مع غير المسلمين عمومًا، وهي كالتالي:
  • العدل معهم: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: 8).
  • دعوتهم إلى الإسلام: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»(متفق عليه).
  • التبرؤ من عقيدتهم وعدم موالاتهم: اقتداءً بالخليل إبراهيم وقومه: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(الممتحنة: 4).
  • مخالفتهم وعدم التشبه بهم: فقد حذَّرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قائلًا: «من تشبه بقوم فهو منهم»(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
  • الإحسان إلى المحتاج منهم: فلما استفتت أسماء بنت أبي بكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ أجابها: «نعم، صليها»(متفق عليه).
 

غير المسلمين ليسوا سواء

ثم بيَّن لنا الإسلام أن غير المسلمين ليسوا سواء؛ بل هم أصناف شتى، ولكل صنف منهم معاملته الخاصة به، فوق ما ذُكر:
  • أولاً: المحاربون
وإننا -وإن أُمرنا بالغلظة عليهم: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}(التوبة: 73)- فإنه يحرم علينا التمثيل بجثثهم: فعن بريدة قال: كان رسول الله -[- إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا»(رواه مسلم). كما يحرم علينا الغدر بهم وخيانة عهودهم، {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}(التوبة: 4)، ولنا أن نسالمهم إن سالمونا، وفي صلح الحديبية الذي سالم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة النموذج والقدوة والأسوة في هذا الأمر.
  • ثانيًا: أهل الكتاب
فهذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - يجاورهم في المدينة، ويبرم معهم المعاهدات، ولا ينقض لهم عهدًا، ويبيع منهم ويشتري، ويقترض منهم، ويرهن عندهم درعه، ويقبل أن يحكم بينهم بكتاب الله إذا اختلفوا.
  • ثالثًا: المعاهدون والمستأمنون
ويتلخص التعامل معهم فيما يلي: حمايتهم ورد العدوان عليهم؛ فقد قال رسولنا - صلى الله عيله وسلم -: «ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده»(رواه النسائي، وصححه الألباني)، ومراعاة حرمة أموالهم ودمائهم طوال مدة عهدهم: وتلك قاعدة عامة في الإسلام تقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة: 1).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك