رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 29 يناير، 2024 0 تعليق

مكانة التوحيد في حياة المسلم – البدر: توحيد الله هو الغاية التي خُلق الخلقُ لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها

  • توحيد الله جل وعلا أساس صلاح الأعمال وقبولها فالله جل وعلا لا يقبل عمل عامل ولا عبادة عابد إلا إذا أقام ذلك على توحيد الله وإخلاص الدين له جل وعلا
 

في محاضرة له بعنوان: (مكانة التوحيد في حياة المسلم) أكد الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر أن أعظم مطلب، وأجل مقصد، هو توحيد الله -تعالى-؛ حيث هو الغاية التي خُلق الخلقُ لأجلها وأُوجدوا لتحقيقها، كما قال ربنا -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، ولأجل هذه الغاية أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب، كما قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل:36)، كما قال -جل وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25)، وقال -جل وعلا-: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف:45)، وقال -جل وعلا-: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} (الأحقاف:21)، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ معلومة.

      وتوحيد الله -جل وعلا- أساس صلاح الأعمال وقبولها، فالله -جل وعلا- لا يقبل عمل عامل ولا طاعة مطيع ولا عبادة عابد إلا إذا أقام ذلك على توحيد الله وإخلاص الدين له -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة:5)، وقال -جل وعلا-: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر:3).

حياة المسلم الحقيقية

      والتوحيد هو حياة المسلم الحقيقية التي امتاز بها عن غيره، وكل إنسان بلا توحيد هو في الحقيقة إنسان بلا حياة، وحياته في الحقيقة حياة بهيمية، ولا يمكن للإنسان أن يحيا الحياة الحقيقة إلا إذا وحَّد الله -جل وعلا-؛ ولهذا قال الله في القرآن: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} (الأنعام:122)، أي أحييناه بالتوحيد والإيمان والإقبال على طاعة الله -سبحانه-؛ فالتوحيد هو حياة العبد الحقيقية، وقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال:24)؛ فالحياة الحقيقة هي حياة التوحيد والإخلاص والذل والخضوع لله -تبارك وتعالى-، وأما الحياة التي لا توحيد فيها فهي حياةٌ بهيمية، وقد قال الله -سبحانه وتعالى عن الكفار والمشركين-: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان:44)، وإذا عُدم الإنسان من التوحيد فهو في الحقيقة عُدِم من الحياة، لا حياة له ولا طعم لحياته، لا حياة له وإن مشى على الأرض وإن تحرك على ظهرها وإن أكل وشرب ولعِب ولهى.

أعظم شيء نزل به الوحي

      إنَّ ميزة حياة المسلم التي هي الحياة الحقيقية توحيد الله -جل وعلا- وإخلاص الدين له؛ ولهذا نجد أن الله -سبحانه وتعالى- سمَّى الوحي في مواضع كثيرة من القرآن روحًا؛ لأن به حياة القلوب، قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (الشورى:52)، وقال -تعالى-: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} (النحل:1-2)؛ فسمى -جل وعلا- الوحيَ روحاً؛ لأن حياة القلوب لا تكون إلا به، وأعظم شيء نزل به الوحي توحيد الله وإخلاص الدين له، بل هو زبدة الكتب والرسالات، وخلاصة دعوة الأنبياء والمرسلين.

فضل التوحيد وأثره

للتوحيد فضائل عديدة وآثار حميدة في حياة المسلم والمجتمع، ومن تلك الفوائد والآثار ما يلي:
  • أولا: التوحيد هو الأساس الذي يصحِّح الأعمال
إنَّ التوحيد هو الأساس الذي يصحِّح الأعمال ويزكيها وتكون به مقبولة عند الله -سبحانه وتعالى- مرضية عنده، ولا تصح الأعمال دون التوحيد، وعمل من دون توحيد كصلاةٍ بلا طهارة، كما أن الصلاة لا تُقبل بغير طهارة، فالأعمال لا تُقبل بغير التوحيد، والأعمال دون التوحيد باطلة والطاعات دونه حابطة ولا قبول لها عند الله -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا قال -جل وعلا-: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:5)، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65)، وقال -جل وعلا-: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} ( التوبة:54)، فالتوحيد هو الذي يصحح الأعمال، وبه تنال القبول وتكون مشكورة عند الله كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} ( الإسراء:19).
  • ثانيًا: التوحيدَ أساسٌ للحياة الطيبة
التوحيدَ أساسٌ للحياة الطيبة الخالية من المكدرات، السالمة من المنغِّصات، المليئة بالبركات والخيرات؛ التي كلها سعادة وطمأنينة وراحة وأنس، قال الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ( النحل:97)، وقال جل وعلا: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ( الإنفطار:13) أي في الدنيا والآخرة والبرزخ، وقال جل وعلا: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} ( طه:1-2)، وقال جل وعلا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} ( طه:123) أي يسعد. فالتوحيد هو أساس الحياة السعيدة وأساس الطمأنينة للقلب {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ( الرعد: 28) ؛ فالتوحيد طمأنينةٌ للقلوب، راحةٌ للنفوس، سعادةُ للأرواح، لذةٌ للإنسان، أنسٌ وراحة، فهذه ثمرة جليلة وعظيمة من ثمار التوحيد، وأثرٌ مباركٌ من آثاره العظام.
  • ثالثاً: التوحيد مفزع  المؤمن في مصائبه
إن التوحيد مفزع المؤمن في ملماته وفي مصائبه وفي كل أحواله يفزع إلى توحيد الله والإيمان به -سبحانه وتعالى-، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، وتأمل فزع المسلم للتوحيد في أدعية الكرب الواردة في السنة كلها توحيد!! وتأمل ذلك في جميع أدعية الكرب الواردة في السنة: ثبت في الصحيح «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -[- كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»، وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -[-: «أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ؟ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فأدعية الكرب كلها توحيد لله؛ ولهذا إذا اغتمَّ الإنسان واهتم وأصاب قلبه القلق والهم وفزع إلى توحيد الله سلا بإذن الله واطمأن قلبه وارتاحت نفسه وهدأ باله وزاحت عنه بإذن الله -تبارك وتعالى- تلك الغموم والهموم. رابعًا: التوحيد يطرد  عن الإنسان الشياطين من فضائل التوحيد أنه يطرد عن الإنسان الشياطين ويسلَم به من شرِّهم ويسلَم به من باطل السحرة والكهنة والمشعوذين وأهل الباطل بأصنافهم؛ ولهذا قال -[-: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» أي السحرة، وآية الكرسي وهي آية التوحيد إذا قرأها المسلم إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظًا ولا يقربه شيطان حتى يصبح، وعندما تطالع أذكار الصباح، أذكار المساء، أذكار النوم، أذكار الدخول، الخروج، الركوب، الطعام، إلى غير ذلك؛ كلها قائمة على توحيد الله والإخلاص له جل وعلا، وصدق التوكل عليه، والاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه، وتمام الالتجاء إليه، وكمال الذل بين يديه؛ فيفوز العبد بتوحيده لله -سبحانه وتعالى- بالسلامة من هذه الشرور، يسلَم من كيد الشياطين، ويسلم من كيد المبطلين، ويكون في حفظ الله -سبحانه وتعالى-، ولا يقربه شيطان، وليس للشيطان عليه سبيل، قال الله -تعالى-: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ( الإسراء:64-65) خامسًا: التوحيد هو الدواء النافع والشافي للصدور التوحيد هو الدواء النافع والبلسم الشافي للصدور، وإبعاد ما قد يكتنفها أو يَدخلها أو يُخالجها من الوساوس، ومن المعلوم أن الوساوس قد تهجم على القلب بدون استئذان وتدخل إليه بدون طلب، وكم من إنسانٍ يُحس في قلبه بوساوسٍ تُرهب قلبه وتتعبه ويريد الخلاص منها، وأساس الخلاص من ذلك كله الفزع إلى توحيد الله جل وعلا، فإنه بإذن الله مفزَعٌ تنزاح به هذه الأمور؛ قال الله -تعالي-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاس} هذا توحيد ما هي ثمرته؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ} اجتمعت في هذه الكلمات أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات ؛ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} مَن صدق مع الله -عز وجل- في استعاذته بالله وحُسن التجائه إلى الله -سبحانه وتعالى- انزاحت عنه وساوس الشيطان، {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}: قال بن عباس رضي الله عنهما هو الشيطان، إذا غفل الإنسان عن ذكر الله وسوس، وإذا ذكر العبدُ ربَّه خنس - أي ابتعد -، وإذا سمع الشيطانُ الأذان ولَّى وله ضراط، والأذان كله توحيد وصدعٌ بالتوحيد، وهو دعوةٌ تامة لتوحيد الله، يُشرع للمسلم بعد سماعه أن يقول: «اللهم رب هذه الدعوة التامة»؛ فالأذان كله توحيد وإخلاص لله -تبارك وتعالى-؛ فتأمل كيف أن هذه الوساوس والشياطين كيف تنزاح عن المسلم بتوحيده وإخلاصه لربه -تبارك وتعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك