رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 31 يوليو، 2010 0 تعليق

مع بدء موسم الإجازات هل تجبر الأزمة المالية وإنفلونزا الخنازير العرب على تغيير مقاصـدهم السياحيـة؟

 

 

لعل الهاجس الأهم لأغلب مواطني  المنطقة العربية يتمثل في تحديد الواجهة التي سيقضون بها موسم الإجازات الذي بدأ منذ أوائل يونيو، حيث يفضل نسبة كبيرة من أبناء المنطقة العربية وفي مقدمتهم مواطنو دول الخليج وأعداد كبيرة من النخبة في أغلب دول المنطقة، قضاء موسم الإجازات في بلدان الاتحاد الأوروبي وبنسب أقل في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويركز هؤلاء على دول أوروبية بعينها لقضاء الإجازات مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وبعض دول ما كان يعرف بدول أوروبا الشرقية سابقًا، محاولين الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة والأجواء المعتدلة والهروب من قيظ فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة التي تتجاوز معدلات عالية في أغلب البلدان لدرجة أن بعضهم يغادر وطنه في أوائل شهر يونيو ولا يعود إليه إلا في منتصف سبتمبر حين تعتدل الأجواء في المنطقة.

وقد قدرت بعض التقارير حجم الإنفاق العربي على قضاء موسم الإجازات في الغرب بما يصل لحوالي 5 مليارات دولار سنويًا ولاسيما أن أغلب رواد هذه البلدان يحجزون غرفًا في فنادق الخمس نجوم ويتميزون بمعدلات إنفاق عالية، فضلاً عن شراء بضائع أو شقق وشاليهات وفيلات أنيقة لا يقضون فيها إلا عدة أسابيع سنويًا؛ مما يمثل إهدارا للأموال والثروات فيما لا يفيد.

ومن المؤسف أنه وفي الوقت الذي يركز العرب على قضاء إجازاتهم في البلدان الأوروبية والغربية فإن مواطني هذه البلدان يقضون أغلب إجازاتهم في دول آسيوية ومنها دول مسلمة مثل إندونيسيا والمالديف وماليزيا فضلا عن تايلاند، وهي دول تمتاز بانخفاض الأسعار وتكاليف الإقامة بها بالمقارنة بنظيرتها الأوروبية.

 

رهان خاسر

وكان بعض الناس يراهن على أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من حرب واسعة على ما يسمى بالإرهاب ستقلل من حجم السياحة العربية في البلدان الغربية بسبب الإجراءات الأمنية وتصاعد نوع من «الفوبيا» ضد الوجود الإسلامي في هذه البلدان سواء المواطنون المقيمون أم السائحون الوافدون،  وتعرض عديد من المقاصد المعروفة للعرب والمسلمين للاستهداف.

غير أن المتتبع لأرقام غرف صناعة السياحة في أغلب بلدان العالم العربي يشعر بوجود صعود مطرد في نسب الزائرين العرب للبلدان الأوروبية والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بنسبة تتراوح بين 5 و12%، وهو ما زاد من التوقعات بتصاعده بعد خروج المحافظين الجدد من السلطة في أمريكا ووصول الحزب الديمقراطي المعروف بسياساته الليبرالية وشغفه بفتح النوافذ مع العالم ولاسيما إذا كان لهذا الانفتاح تداعيات إيجابية على الاقتصاد الأمريكي.

وتتحدث تقارير صادرة عن عشرات من المنظمات المهتمة بصناعة السياحة عن إمكانية تراجع مظاهر البذخ التي كانت تحيط بإنفاق السائحين العرب أو الراغبين في قضاء إجازاتهم في الدول الغربية بسبب الأزمة المالية التي تضرب العالم منذ النصف الثاني من العالم الماضي، وهي أزمة أعادت للأذهان الكساد العظيم الذي عاناه العالم في ثلاثينيات القرن الماضي؛ مما سيترتب عليه جملة من الاستحقاقات أبرزها انتشار نوع من «الفوبيا» من تنامي الأزمة وبالتالي الحد من الإنفاق انتظارًا للأسوأ، وهو ما ينعكس على عائدات القطاع السياحي في أغلب دول العالم.

 

مخاطر شديدة

ومن البديهي أن التوسع العربي خلال العقود الماضية والمتوقع أن يستمر بالوتيرة نفسها على قضاء إجازاتهم في البلدان الغربية يحمل مخاطر شديدة على مواطني المنطقة سواء أكانت دينية أم أخلاقية أم صحية، فالأجواء الإباحية المحيطة بالسائح العربي تشجعه على الجرأة على مخالفة تعاليم الإسلام بارتكاب الموبقات والإقبال على تناول الخمور والمسكرات ولعب القمار بشكل يعود على الزائر العربي بعواقب وخيمة.

ويزيد من المخاطر أن البلدان الغربية قد تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى محضن للعديد من الأوبئة مثل إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وغيرهما؛ مما يجعل انتقال هذه الأوبئة للمنطقة أمرًا ميسورًا جدًا ولاسيما أن داء إنفلونزا الخنازير ينتقل عبر الهواء وبشكل أقل تعقيدًا من إنفلونزا الطيور، وهو ما يدعو السائحين ورجال الأعمال العرب للتريث قبل تحديد وجهة المقاصد التي يرغبون في قضاء إجازاتهم بها.

محضن للأوبئة

ويجب ألا نتغافل عن أن العقود الأخيرة قد شهدت انتقال العديد من الأوبئة وفي مقدمتها مرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز" للمنطقة عبر عديد من المصادر قد يكون في مقدمتها قضاء مئات الآلاف من مواطني المنطقة ولاسيما الشباب والمراهقين في مقاصد سياحية أوروبية تنتشر فيها الدعارة والانحلال انتشاراً واضحاً.

وربما يقول قائل: رب ضارة نافعة؛ فربما تتسبب الأزمة المالية العالمية وانتشار أوبئة مثل إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير في تصاعد الكراهية لمواطني المنطقة في البلدان الأوروبية، وهو أمر عكسته نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي؛ حيث شهدت انتصارًا للأحزاب اليمينية والحاكمة في البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وحتى بريطانيا التي يحكمها حزب العمال فقد أيد الناخبون حزب المحافظين وعديدا من الأحزاب اليمينية المعروفة بكراهيتها الشديدة للأجانب.

 

مقاصد جديدة

ولعل مجمل هذه الظروف يجعل السائحين والزوار العرب للبلدان الغربية يغيرون وجهتهم ويبحثون عن بدائل لقضاء إجازاتهم؛ فهناك بلدان عربية وإسلامية عديدة صالحة لقضاء هذه الإجازات وفي مقدمتها تونس والأردن ومصر والمملكة المغربية ولبنان وماليزيا، وهي بلدان أكثر أمانًا واطمئنانًا وتمسكًا بتعاليم دينها ولو نسبيًا بالمقارنة بالبلدان الأوروبية.

بل إن عديدًا من الدول العربية والإسلامية تستطيع توفير مقاصد ممتازة لقضاء إجازة ممتعة لا تتجاوز تعاليم الإسلام ولا تشجع على الانحلال أو الرذيلة، بل أن هناك ما يشبه الشواطئ الفارغة أو ما يطلق عليها "الشواطئ العائلية" التي تمنع الاختلاط وانكشاف العورات وما إلى ذلك.

بل إن قيام السائحين العرب بقضاء إجازاتهم في العالم الإسلامي قد يحدث طفرة تنموية في البلدان التي يقومون بزياراتها ويسهمون في إنعاش حركة البيع والشراء فيها، بل يوفرون فرص عمل ويواجهون غول البطالة الذي يضرب ما يقرب من 35% من القوى العاملة العربية، ويعالجون التراجع الحاد في نسب السياحة البينية العربية التي لا تتجاوز حوالي 13%.

 

إجازة شرعية

من جانبه يرى الدكتور محمد عبد المنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر أن قضاء إجازة المواطنين المسلمين في بلدان الغرب أمر مخالف للشريعة ولاسيما إذا تواكب مع هذا الأمر تجاوزات شرعية أو الذهاب لشواطئ وفنادق مشبوهة لا تحترم شريعة المسلمين ولا خصوصيتهم الدينية.

وتابع عبد المنعم بالتأكيد على أن انتشار أمراض مثل إنفلونزا الطيور والخنازير وتصاعد العداء للإسلام والمسلمين في البلدان الغربية يجعل التفكير في قضاء الإجازات في بلدان إسلامية أمرًا شديد الأهمية ولاسيما أن البلدان العربية والإسلامية وهي "كثيرة" توفر بيئة مناسبة لقضاء إجازة شرعية، فضلاً عن أن حجم الإنفاق في دولة إسلامية وشراء منتجاتها والإقامة في فنادقها أمر يحمل تداعيات خير على مواطني هذه البلدان، ويوفر إهدارًا لأموال المسلمين في بلدان غربية، ولفت البري إلى أن قضاء الإجازات والاستمتاع بها له شروط أهمها الالتزام والاحتشام والبعد عن مواطن الشبهات وعدم الاعتداء على شرع الله أو قضائها في أماكن مشبوهة.

 

تراجع عالمي

فيما أكد د. علي عمر أستاذ بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان أن الأزمة المالية العالمية وانتشار وباء إنفلونزا الخنازير سيسهم في تراجع أعداد السياحة العربية في البلدان الأوروبية، مؤكدًا أن التقارير الصادرة عن شركات الطيران العالمية مثل (لوفتهانزا) الألمانية و(بيرتش إير واي البانام) الأمريكية تؤكد تراجع معدلات الطيران على خطوطها بنسبة تتراوح بين 5 إلى 15%، وهو ما يشير إلى أن الموسم السياحي الحالي سواء من بلدان عربية لأوروبا أم العكس يشهد تراجعًا.

وأضاف أن الأزمة المالية تخلق فرصة جيدة لتغيير المقاصد السياحية التقليدية للرواد العرب بحيث يقبلون على زيارة مقاصد عربية وإسلامية أقل تكلفة وأكبر أمنًا والتزامًا، بدلاً من إهدار مليارات الدولارات على مناطق قد تتعرض فيها حياة الزائر العربي والمسلم لمخاطر جمة.

وتابع د. عمر: من البديهي الإشارة إلى أن تغيير المقاصد السياحية للمواطنين العرب وقضاء إجازاتهم في بقاع إسلامية سيخلق نوعًا من الرواج الاقتصادية وتحسن في ميزان المدفوعات العربي بما يتجاوز 2.8 مليار دولار في حالة تراجع السياحة العربية للبلدان الأوروبية بنسبة 30% فقط.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك