رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 19 أكتوبر، 2010 0 تعليق

معركة تهويد القدس.. متى النهاية؟!

مدينة القدس المحتلة لم تشهد حملة تهويد مكثفة متسارعة وكثيفة مثل الحملة التي تشهدها في هذه الأيام حملة تجري في إطار عملية تغيير واقع المدينة لتحويلها إلى مدينة ذات طابع يهودي، ترادفت معها إجراءات وممارسات تطهير عرقي شديد العنصرية لعزل القدس عن محيطها العربي وعن بقية أجزاء الضفة الغربية.

وخلال العام الماضي إلى الآن (2008 – 2009) ازدادت وتيرة مصادرة الأراضي وإقامة المغتصبات، وهدم المنازل، والاستيلاء على البيوت، وإحكام دائرة الجدار حول القدس، وجلب اليهود من شتى أنحاء العالم، وإقامة المتاحف والكنس وفتح الأنفاق، وكأنهم في سباق مع الزمن.

وكلما كان هناك مفاوضات أو مؤتمرات للحل المرتقب – زعموا – كما حدث في مؤتمر أنابوليس بتاريخ 27/11/2007 م الذي هدف إلى التوصل لحل شامل في نهاية عام 2008م، توجه قيادة الاحتلال كل مؤسساتها للإسراع في فرض واقع على الأرض بحيث إن الطرف الفلسطيني لا يجد ما يتفاوض عليه في القدس!! ومن تلك المؤسسات بلدية الاحتلال الصهيوني في القدس التي فتحت أبواب المعركة على مصراعيها، بإصدار قرارات هدم للبيوت وإخلاء سكانها الفلسطينيين منها، والتي طالت أحياء مقدسية.

القدس عاصمة الثقافة!!

ولتعطيل فعاليات الاحتفال بالقدس كعاصمة للثقافة العربية للعام 2009 م المتواضعة، والتي أقرها مجلس وزراء الثقافة العرب في اجتماع مسقط عام 2006م ، حولت سلطات الاحتلال القدس إلى ثكنة عسكرية، ونشرت آلاف الجنود وحرس الحدود، واعتقلت عددا من لجان إحياء الفعالية مع مسؤوليهم وداهمت عدداً من المؤسسات في القدس وتمادت لتعتقل امرأتين كانتا توزعان قمصانا تحمل شعار الاحتفالية!!

فعلى الرغم من أن الاحتفال - وللأسف - لا يتعدى الفلكور الفلسطيني والحفلات الموسيقية!! إلا أن المؤسسة العسكرية تعاملت مع ذلك النشاط وكأن حرب على الكيان اليهودي، واستدعى ذلك الأمر إصدار تعليمات من وزير الأمن الداخلي بمنع وقمع أي محاولة لإقامة احتفالات في القدس والناصرة.

ولنا وقفة مع هذه الفعاليات، فلا شك في ضرورة المحافظة على التراث العلمي في القدس وفلسطين والذي يتناقص يوما بعد يوم بسبب العبث اليهودي المبرمج والسرقات المتقنة لذلك التراث الثمين من أولويات الحفظ والتحقيق والاهتمام، فمؤسساتنا العلمية والأكاديمية مدعوة للعمل على كتب التراث الإسلامي وقطع الطريق أمام الأكاديميين اليهود، الذين يجمعون ويسرقون ويحققون وينشرون تاريخنا وتراثنا، ونحن نقف مكتوفي الأيدي!!

القدس منكوبة وتهويدها طال الحجر والبشر!!

فالمطلوب في معركة الدفاع عن المسجد الأقصى بالجهد العلمي الرد على شبهات اليهود وأكاذيبهم وخداع أعوانهم من المستشرقين والفرق الباطنية في التشكيك والتهوين من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين؛ لأن العمل للقدس والمسجد الأقصى وفلسطين لا يكون بأهازيج أو شعر أو نثر يُلقى أو مشهد فني يُعرض، أو لقاءات ورسميات تتبعها بيانات وتنديدات؛ لا تدفع ظلماً ولا ترد «بلدوزراً» داس الواقع والتاريخ!! فالمشروع اليهودي مشروع متماسك متكامل محدد الأهداف... دون مشروع عربي أو إسلامي يواجه ولو بالقليل الاندفاع اليهودي لتهويد القدس وما حولها.

الحوض المقدس.. ومستقبل القدس

ظهر مؤخراً مصطلح يفرض واقعا جديدا على أرض القدس؛ وهو «الحوض المقدس» الذي يحدد من خلاله مصير البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى وما جاوره، ويضم «الحوض» حسب المصادر اليهودية جميع المواقع الدينية اليهودية - التي يدعونها - في القدس التي لا يمكن لـ « إسرائيل «!! - على حد وصفهم - التنازل عنها، وهي: «البلدة القديمة، ووادي قدرون، وجبل الزيتون».

والحوض المقدس هو مخطط صهيوني يعد الأشد خطورة على المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة، بل القدس بآثارها وتاريخها منذ بدء الاحتلال إلى الآن؛ يهدف إلى ضم أكبر مساحة ممكنة من البلدة القديمة وما جاورها بمبررات وغطاء ديني من خلال تسمية مناطق مهمة أماكن مقدسة!! ليضمنوا بذلك سيادة ثابتة لهم فيها!!

ومشروع «الحوض المقدس» أعد بعناية بأيدي كبار الساسة والأمنيين والدينيين الصهاينة لتطبيق فرض الأمر الواقع على الأرض، وإعطاء المكان «قدسية يهودية» بتحويل أبنية وقفية ومواقع مهمة وتاريخية إلى أماكن يهودية مقدسة!! للسيطرة اليهودية على أكبر قدر ممكن من شرقي القدس لأهداف استيطانية و ديموغرافية وسياسية وإستراتيجية ودينية.

ونجح رعاة المشروع من اليهود في رفع عدد الأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين من « 49» مكانا عام 1949م وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً، إلى «326» مكانا حتى العام 2000م، وازداد العدد الآن حسب الدراسة « القدس أولا» ليصل إلى أكثر من 350 موقعا تقريباً!!

« فالحوض المقدس « لا يحوي - كما يدعي بعضهم - مواقع للأديان الثلاث ولكن الواقع أنهم أرادوها يهودية توراتية...!!! ففرضوا أمرا غريبا وواقعا مرا على مبان وقطع أثرية وأحجار متناثرة وقبور تاريخية على أنها يهودية التاريخ!! وأكد ذلك رئيس الحكومة العبرية « أيهود أولمرت « بقوله: « أنه سيُبقي مستقبلا « الحوض المقدس « بوصغه جزءاً من القدس التي لا يمكن لـ «إسرائيل» التنازل عنـها!! وينفذ مشروع «الحوض المقدس» تحت شعار «تطوير السياحة في القدس» بالتعاون بين «سلطة تطوير القدس» و»بلدية القدس».

الوثيقة العبرية.. القدس أولاً:

نُشر في نهاية 2007م كتاب مصور يحمل اسماً عبرياً (كيديم يورشلايم) يعني: «القدس أولا»، تحت شعار: «تطوير السياحة في القدس» بالتعاون بين «سلطة تطوير القدس» و»بلدية القدس» وتحوي صفحاته معالم المخطط القادم بالصور والوثائق والرسومات الهندسية المفصلة لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد إقامة المنشآت الجديدة المزمع تشييدها داخل أسواره، وأسوار البلدة القديمة وما جاورها!!

وجاء في مقدمته: « أنه عصارة دراسات وأفكار ومخططات لمشروع «كيديم يورشلايم»، وذلك لتغيير وضع الحوض التاريخي في القدس – أي البلدة القديمة وما جاورها - بوصغه عملاً وطني يشارك به الشعب اليهودي»!!.

وتحدث الكتاب – بكل جرأة - عن مشروع مفصل لتطوير القدس وتطوير السياحة في القدس!! ولضمان نجاح المشروع يدعو الكتاب لتوحيد جهود «الشعب اليهودي» و»بلدية القدس» و»سلطة تطوير القدس»؛ لتسريع عملية تطوير الحوض التاريخي وذلك بهدف خلق الجذب السياحي لعشرة ملايين زائر بالسنة الواحدة، بتكلفة حوالي 2 مليار شيكل، ويستمر تنفيذ المشروع لمدة ستة أعوام».

وتستهدف تلك المخططات الخطيرة المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس، وأظهرت مؤسسات الاحتلال للإعلام العربي والغربي أن مشاريعها في القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات، ولتأكيد جدية الأمر أرفقوا مع المخططات الهندسية والرسومات التوضيحية الميزانية المطلوبة لكل مشروع على حدة، وإجمالي الميزانيات التي تم جمعها إلى الآن، كرسالة ليهود العالم لتتكاتف الجهود لتنفيذ تلك المشاريع الخطيرة، والتي تحقق لهم هدفهم الكبير وهو: إقامة كنس لليهود في ساحات المسجد الأقصى المبارك!!

وأخطر هذه المخططات المفصلة في ذلك الكتاب: إقامة هيكل مزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى وافتتاح كنس يهودية على أجزاء من المسجد الأقصى، وإزالة طريق المغاربة وإغلاق بابه وإقامة جسر بديل يحمل مواصفات خاصة تمكن الجرافات والشاحنات والسيارات العسكرية من المرور عليه واقتحام المسجد الأقصى، وفتح باب خارجي يوصل إلى المصلى المرواني بهدف تحويله إلى كنيس يهودي، فضلاً عن إقامة كنيس يهودي كبير على حساب أحد أبنية المسجد الأقصى، وهو بناء معروف باسم المدرسة التنكزية، وحفر العديد من الأنفاق أسفل المسجد الأقصى، أخطرها النفق الذي يمتد تحت المصلى المرواني ويتجه إلى داخل المسجد الأقصى، بالإضافة إلى حفر نفق تحت المسجد الأقصى يبدأ من المحيط الغربي للمسجد الأقصى ويتجه إلى داخل المسجد الأقصى بهدف أن يكون طريق اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى، وأيضاً هناك مخطط لاقتطاع جزء من مقبرة الرحمة المدفون فيها عدد من الصحابة ليشيدوا مكانها محطة تليفريك « عربات هوائية» .

والغريب أنه يدعو لتشكيل جهاز يهودي إسلامي نصراني مشترك لتشغيل هذا الحوض وإدارته وتأمين حرية الوصول والعبادة والسياحة!! وإبعاد الاختلافات السياسية والقومية عن حق الإدارة لأقسام الحوض المختلفة!! والعمل على إشراك يهود العالم في هذا المشروع تحت إشراف جهاز حكومي يهودي!! لتأمين حرية الوصول والعبادة لكل أفراد وجماعات الشعب اليهودي»!!

التنسيق وتخطيط الأعمال اللازمة للبحث والتعلم وفهم التاريخ والآثار لجميع أقسام ما أسموه: «الحوض المقدس» وتوفير الأمن والأمان والتنسيق بين كل الجهات المهتمة بالحوض لدراسته وفهمه وفحصه وتبادل المعلومات بين جميع الأطراف!! ولم يكتفوا بما سلبوه، وإنما أرادوا أن يضفوا على إجراءاتهم طابع المشاركة الأكاديمية والعلمية والبحثية!!

وأرادوا بهذا الكتاب أن يهيئوا العالم أجمع إلى أن التغيير قادم لا محالة، والمشروع قد بدأ، وأن بناء الهيكل ما هو إلا جزء من مشروع يشمل البلدة القديمة بأكملها، فـ «الحوض المقدس» بدأ مصطلحاً، ثم ادعاء مقدسات، ثم دراسات لمشاريع، ثم تطبيق على أرض الواقع بالعديد من المنشآت، والإزالة لمبان وطرق تاريخية إسلامية... فاليهود يشعرون في قرارة أنفسهم بعقدة النقص المنبثقة عن قلة أماكنهم المقدسة، بل انعدامها إذا ما قيست بالأماكن المقدسة لدى المسلمين؛ لذلك فهم يتوهمون باطلا تلك الأماكن، ويدعون أنها مقدسة لليهود بين ليلة وضحاها، يبتدعونها، ويدعون أنها مقدسة في كتبهم المحرفة، وخيالاتهم الواسعة!!

ولم تترك حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت للعبث والتغيير وتهويد المسميات؛ فالتزوير والتزييف طال كل ما هو إسلامي، ولم تسلم من ذلك حتى مقابر المسلمين، فإزالة آثار القرى العربية وطمسها واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية مازالت جارية، فبلدية القدس اليهودية تتجنب البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين، ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور.

والهدف إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط!!... فهي - بتزييفهم وتزويرهم - مدينة داود وسليمان والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم!!

ومن السخرية في الكتاب أنهم أرادوا أن يهوّدوا القدس، وأن نشاركهم في مشروعهم، ولتكون لنا مشاركات مالية أرادوا أن يسلبوا مقدساتنا ويعبثوا بمقابرنا ورفات أسلافنا وصحابة رسول الله [، وأن نسلم لهم الأمر ونبارك خططهم وممارساتهم من أجل تطوير القدس والبلدة القديمة!! فهل نعي حجم هذه المخططات وحجم الكارثة التي سيؤول إليها المسجد الأقصى؟!

لذا فإن الحكومات العربية والإسلامية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن إستراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى والقدس بأكملها من العبث اليهودي ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج الدعم، ووسائل الإعلام مطالبة كذلك بالاهتمام الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى وإيجاد الآليات اللازمة لذلك، وإبقاء هذه القضية ضمن القضايا الأساسية في مختلف أنواع التغطيات الحوارية والوثائقية والثقافية لحمل عبء قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء من أخبار وآثار إسلامية؛ ليتحصن المسلم من شبهات وأكاذيب اليهود، وتوظيف القلم للدفاع عن المسجد لأقصى ورد الشبهات والأساطير.

نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويرحم إخواننا في القدس وفلسطين، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك