رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 29 أغسطس، 2023 0 تعليق

مشكلة الألفاظ المسيئة عند الأطفال الأسباب وسبل العلاج

تعد مشكلة تلفظ الأطفال بشتائم وألفاظ نابية من أهم المشكلات التي تعاني منها العديد من الأسر، وهنالك العديد من الأسباب التي تدفع الطفل إلى تعلم السباب والشتم والتعود عليه، لعل أهمها سماعه لوالديه والمقربين منه، وهم يرددون ذلك، فتعلق في ذهنه بسرعة حتى قبل أن يتعلم لغة التخاطب، مع العلم أن الطفل يتعلم الشتم أسرع بأربعة مرات مقارنة بالكلمات الاعتيادية.

  فالأسر تعد المؤثر الأول في حياة الطفل؛ فمنها يتعلم اللغة ويتشرب القيم الثقافية والاجتماعية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه»، وعندما يكبر الطفل يستطيع التواصل اللغوي مع دائرة أوسع من الأسرة؛ فيبدأ باكتساب عادات سلوكيه جديدة، قد تكون دخيلة على الأسرة، ويبدأ بتقليد الألفاظ النابية والكلمات التي يرددها الآخرون تلقائيا، حتى دون وعي بمعانيها، وتعد الألفاظ النابية أحد مكتسبات الطفل من بيئته المحيطة، لكنها من الأمور السلبية المؤرقة للأسرة، التي تستهجن بدورها هذه الألفاظ.
  • أولاً: نهي الإسلام عن الألفاظ النابية
يقول الله -تعالى-: {لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا} (النساء: 148)، يقول السعدي -رحمه الله-: يخبر -تعالى- أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك، ويمقته، ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن: كالشتم، والقذف، والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله، ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول: كالذكر، والكلام الطيب الليِّن.

سباب المسلم فسوق وقتاله كفر

       عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، أي شتمه والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤذيه، قال إبراهيم الحربي: السباب أشد من السب، وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه، وعن عبد الله بن عمرو، -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه»، فبين أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه، فقد يقع منه التسبب، فإذا كان التسبب في لعن الوالدين من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد.

ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان

       وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، يقول المباركفوري -رحمه الله-: قوله: «ليس المؤمن» أي: الكامل، «بالطعان» أي: عيَّابًا الناس، «ولا اللعان» ولعل اختيار صيغة المبالغة فيها؛ لأن الكامل قل أن يخلو عن المنقصة بالكلية، «ولا الفاحش» أي: فاعل الفحش أو قائله، وفي النهاية: أي: من له الفحش في كلامه وفعاله، قيل: أي: الشاتم، والظاهر أن المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره، «ولا البذيء» قال القاري: هو الذي لا حياء له.
  • ثانيًا: أسباب الألفاظ النابية عند الأطفال
هنالك أسباب عديدة تجعل الطفل يشتم؛ منها عندما يسمع من هو أكبر منه يشتم فيحاول أن يقلده، لا سيما أنه يعد من هو أكبر منه قدوة له غالبًا، يقلد ببراءة إذا كان بعمر صغير، أي أنه لا يدرك أن هذه الألفاظ النابية ستثير غضب الأهل، فهو يكون مجرد ببغاء يقلد كل ما يسمعه ببراءة، ولا شك أن هناك مصادر يستقي منها الطفل مفرداته وأهمها:

الأهل في البيت

وهذا يعد المصدر الأساس؛ ولا سيما في السنين الأولى من عمر الطفل؛ حيث يردد الكثير من المفردات دون وعي منه عن معاني هذه الكلمات، حين يسمع والديه يتلفظان بكلمات يرددها تلقائيًا.

المحيط الاجتماعي

          وقد يستقي مفرداته من الأقارب والأصدقاء والعائلة والجيران، حين يخالطهم الطفل فيتعلم منهم بعض الألفاظ، فعند بداية انتقالهم لمرحلة اللعب مع الأطفال الآخرين يتولد لديهم إحساس بالصراع والنزاع؛ فيتسبب ذلك في توليد الرغبة لاستخدام كلمات عدائية مع الأطفال، تظهر عدم رضاهم ومنازعتهم على الأشياء؛ فيستخدمون غالبًا الكلمات التي يسمعونها من والديهم عند الغضب، أو الكلمات التي تستخدم في الأماكن غير الجيدة كالحمام، وتكون وقتها أفضل الكلمات التي تعبر عن عدم رضاهم.

الحضانة ثم المدرسة

إن لهذه الأماكن تأثيرا مباشرا على لغة الطفل؛ لأنه يختلط بالأطفال فيها ويتعامل معهم ويتعلم منهم.

وسائل الإعلام

        من الأسباب الخطيرة للتلفظ بألفاظ نابية انكباب الأطفال على متابعة البرامج التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تزخر بالألفاظ السيئة، حتى تلك البرامج المخصصة للأطفال، مع أنهم عادةً لا يعكفون عليها فقط وإنما يتعدون ذلك إلى برامج مخصصة للكبار في ظل غياب مراقبة الأهل، وهنا يكمن خطر استقاء الطفل لهذه الألفاظ غير المقبولة، وربما أيضًا القيم الغريبة عن ديننا ومجتمعنا.
  • ثالثًا: علاج هذه الظاهرة
ولمعالجة هذه الظاهرة وصد الأطفال عن التلفظ بالسباب والشتائم وغيرها من المفردات غير المقبولة، يجب -أولاً- تحديد المصدر الذي يستقي منه الطفل هذه اللغة المرفوضة، ولربما استغرق هذا الأمر بعض الوقت، ولا بأس بذلك طالما أن المراقبة ستؤدي إلى تحديد دقيق للمصدر؛ فإن حصل وتم تحديده، فعلى الأهل اتّخاذ الخطوات المناسِبة لمعالجة الموضوع، ومن أهمها ما يلي: (1) شرح الألفاظ السيئة يجب شرح الألفاظ السيئة للطفل إن كان لا يعرف معانيها، وإخباره أن هذه الكلمات لا يجب أن يتلفظ بها؛ لأنها غير مقبولة، وتؤذي الآخرين الذين سيبتعدون عنه نتيجة هذه الألفاظ، وإن تعذّر على الأهل شرح الألفاظ لرداءتها فيكفي أن يوضِحوا للأطفال أنها سيئة ولا يصح التلفظ بها.. (2) التحذير من التلفظ بهذه الألفاظ تحذير مَن يستطيع الأهل الوصول إليهم (كالخدم والسائقين) ألا يتلفّظوا بهذه الألفاظ أمام الأطفال. (3) تجنب المعاقبة الجسدية عدم معاقبة الطفل جسديًا إن أصرّ على قولها؛ لأنه بذلك سيصرّ أكثر عليها وإنما التفتيش عن سبب هذا الإصرار وفتح قناة اتصال مع الطفل ليتم التفاهم بينه وبين الأهل. (4) عدم إهانة الطفل عدم التعرّض لشخص الطفل بالإهانة، وتأكيد أن الخطأ هو في القول وليس في الشخص، حتى لا يفقد قبوله لذاته وتقديره لها، وتجنب الرسائل السلبية في عملية تصحيح مسارهم. (5) إبراز النموذج القدوة إعطاء الأهل لطفلهم نموذجاً عن القدوة الصالحة وعدم تلفظهم نهائياً بهذه الألفاظ؛ فيُعتَبَر الوالِدان المبرمِج الأساس لسلوك الطفل. (6) الحزم والجدية عند التلفظ بالألفاظ المسيئة يجب على الوالدين عدم تشجيع الطفل والضحك أمامه حين يتكلم بألفاظ غير مقبولة مهما كان عمره، وضرورة اتباع وسائل متعددة للإصلاح، منها: التربية بالقصص الهادفة لترسيخ القِيَم والسلوكيات الصحيحة عندهم، وتشجيع العادات والسلوكيات الحسنة وعدم التركيز فقط على العادات السيئة. (7) الثناء على ترك تلك الألفاظ بعد التأكد من قطع علاقة الطفل بالمصادر التي يستقي منها هذه الألفاظ إن أمكن، يجب الثناء على التحسن الذي يُظهِره الطفل إن خفَّف من استعمال الألفاظ النابية لتحفيزه على بذل جهد أكبر للتحسن.

علاج الأطفال الكبار

إن كان الطفل كبيراً ولديه القدرة على استيعاب ما يدور حوله - ابتداء من الخمس سنوات - فيمكن للأهل عمل الآتي: - التوضيح له أن المسلم خلوق، وأن هذه الألفاظ تؤدي إلى غضب الله -جل وعلا. - عقد جلسات معه لتحديد المقبول والمرفوض اجتماعيا، ولا سيما في مجال الألفاظ، ومناقشة سبل التخلص من عادة الكلام غير الجيد. - تخييره بين أنواع العقاب التي عليكم تطبيقها في حال لم ينتهِ عن هذه العادة. - تعريفه على أطفال معروفين بالصلاح والخُلُق وتقريبه منهم ليساعده ذلك على تعديل سلوكه. - التواصل مع إدارة المدرسة لتتكامل الجهود في محاولة الإصلاح. - التأكد من أن الطفل لا يعاني من مرض (التوريت) و(متلازمة توريت هي اضطراب يشتمل على حركات تكرارية أو أصوات غير مرغوب بها حركات لا إرادية لا يمكن السيطرة عليها بسهولة)؛ حيث لا يستطيع المريض التحكم بما يتلفظ به من كلمات نابية. - إخباره أن من قوانين البيت عدم التلفظ بهذه الكلمات وأنه ملزَم بهذه القوانين ولا تسامُح في خرقها. - مساعدته على التعبير عن غضبه بطريقة أفضل ومن دون كلمات نابية إن كان يستعملها حين الغضب. - قطع كل علاقة له برفقاء السوء؛ فقد يكون تلفظه بهذه الكلمات محاولة منه للاندماج معهم وقبولهم به ضمن الفريق. - نتلو على مسامعهم الآيات والأحاديث التي تحثّ على حسن الخلُق، مثل: {وقولوا للناس حسناً}، «سباب المسلم فسوق»، «وهل يُكَبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»، «ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» وغيرها. - بيان فضائل حسن الخلق في الإسلام وأنه ما من شيء في الميزان أثقل من خلق حسن. - الإكثار من الدعاء لهم «اللهمّ كما حسَّنت خَلقَهم فأحسِن خُلُقهم».

الوقاية خيرٌ من العلاج

        الإسلام أرشدنا إلى ضرورة التربية منذ الصِغَر، حين يكون الطفل كالعجينة تشكل بسهولة، ويتميّز بالفطرية وسرعة الاستجابة للأهل، والتربية الأخلاقية والأدب من أهم الأمور التي يجب أن يُعنى الأهل بغرسها في أطفالهم؛ فينشؤون على ما تعوّدوا عليه، ومن ثم تكون سلوكياتهم نتيجة طبيعية لما تربَّوا عليه من آداب وقِيَم، وفي أولى سنوات الطفل قد لا يستطيع إدراك المفاهيم المجرّدة، كالدين والحلال والحرام، ولكن الأهل يوضحون له ما المقبول وما الخطأ عن طريق تربيته، وحين يشتد عوده ويبدأ أفُقه بالاتّساع، حينها يكون على الأهل ربطه بدين الله -جلّ وعلا-، وزرع بذور مراقبته له طوال الوقت فينشأ على مبدأ (الله ناظري.. الله شاهدي.. الله مطّلِعٌ عليّ). وفي الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: «يا غلام، إنّي أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك..» إلى آخر الحديث. فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توجّه بهذه الكلمات لغلام وليس لرجل، فهذه لفتة نبوية مباركة إلى ضرورة تولّي الصغار بالعناية والتربية وربطهم دين الله -جل وعلا-؛ فالفضائل الأخلاقية ثمرة طبيعية للإيمان بالله -جل وعلا- وما أُرسِل الحبيب -عليه الصلاة والسلام- إلا ليتمِّم مكارم الأخلاق، فحين يتربّى الطفل على حب الله -جل وعلا- وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى شرع الله القويم، يصبح توجيهه أسهل على الوالدين؛ لأنه سيكفيهما أن يقولا له: «إنّ الله -جلّ في علاه- لا يرضى عن هذا الخُلُقَ» لينتهي عنه ولا يعود، حتى وإن غاب الوالدان؛ لأنهما زرعا الوازع الديني في طفلهما، وبالتربية الدينية الصحيحة يُقبِل بنفسه على الخير ويتلقّف كل الأوامر الدينية والنواهي بشغف وانصياع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك