
مستقبل «تجمع الفاتح» بين التمثيل العفوي للشعب البحريني وممارسة العمل السياسي
يعيش «تجمع الفاتح» في مملكة البحرين مرحلة مخاض عسير في الآونة الأخيرة قبيل حلول الذكرى الثانية على تكوينه في فبراير المقبل، ونشأ بوصفه بوتقة ضمت أضيافاً سياسية عدة ومشارب وتوجهات بحرينية عدة بين مدنية وإسلامية وجهات وشخصيات وتجار مستقلين، كانوا قد تجمعوا في ظل ائتلاف واحد أنقذ مملكة البحرين من الفتنة الطائفية والعنف الأهلي الذي كاد يعصف بالمجتمع عقب أزمة فبراير 2011، وكان قد تم تشكيله بناء على تداعي عدد من الجمعيات الإسلامية والشخصيات الوطنية التي اجتمعت في 17/2/2011 على خلفية اعتصام أقطاب المعارضة في دوار مجلس التعاون ومحاولاتها الحديث باسم الشعب البحريني وارتفاع مطالبها حتى وصلت إلى إسقاط النظام وإعلان إقامة دولة إسلامية متطرفة على غرار دولة الولي الفقيه في إيران.
وحينها تم تشكيل لجنة مؤقتة لتجمع الفاتح لإدارة الأزمة، وتكونت في البداية من 10 شخصيات ليرتفع العدد في الاجتماع الثاني إلى 19 شخصية برئاسة د. عبداللطيف آل محمود وعضوية شخصيات تنتمي لجمعيات سياسية عدة وأخرى مستقلة وتجار ونشطاء في المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان.
وكانت اللبنة الأولى للتجمع هي طلب الجمعيات الأربع: (المنبر والإصلاح والتربية والأصالة) الاجتماع مع الشيخين: د. عبداللطيف آل محمود بوصفه شخصية مستقلة ومحايدة، وعبدالرحمن عبد السلام عضو مجلس الشورى ورئيس الجمعية الإسلامية في أوائل شهر فبراير 2011 للتشاور حول تحديد رؤية مشتركة من الإعلان الصادر من الجمعيات السياسية (التي عرفت فيما بعد بجمعيات التأزيم السياسي والطائفي)، والقيام بتجمع واعتصام يوم 14 فبراير في دوار مجلس التعاون الخليجي وما يمكن اتخاذه من مواقف، ولم يعرض أحد في هذا الاجتماع فكرة التجمع ولا فكرة اقتراح رئيس له، وكان من بين ما اتخذ يوم 17 فبراير 2011 اقتراح أول بترشيح عشرة من مشايخ أهل السنة والجماعة للقيام بوساطة مع مشايخ المذهب الجعفري إذا اقتضى الأمر لمنع الفتنة الطائفية، واقتراح ثان بترشيح خمسة وثلاثين شخصية من مختلف الاختصاصات للقيام بالوساطة وتهدئة الأوضاع إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
ونبتت البذرة الأولى للتجمع بطريقة عفوية عندما اقترح بعضهم إقامة صلاة جامعة أمام ساحة مركز وجامع الفاتح الإسلامي بالمنامة؛ حيث خرج إليها أكثر من 350 ألف مواطن من جميع الأعمار والفئات والشرائح والتوجهات والمذاهب والأديان للتعبير عن رأيهم الرافض لما يحدث في دوار مجلس التعاون ومحاولات الانقلاب على الشرعية ونظام الحكم في مملكة البحرين ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها ولاسيما تلك المرتبطة بالأجندة الإيرانية.
وكان التشكيل الأول للجنة العليا يوم 19 فبراير 2011 من اثني عشر (12) عضوا على أن يزاد الأعضاء إلى 15 عضوا، مثلت الجمعية الإسلامية وجمعية المنبر (إخوان) بعضو واحد لكل منهما ومثلت جمعية الأصالة (سلف) بعضوين، ثم اقترح بعض الأعضاء في اللجنة من غير أعضاء الجمعيات الإسلامية زيادة التمثيل لهذه الجمعيات بعضو آخر لكل منها فزيد لكل منها عضو آخر، وبذلك أصبحت للجمعية الإسلامية وجمعية الشورى ثلاثة أعضاء ولجمعية التربية وجمعية الأصالة ثلاثة أعضاء ولجمعية الإصلاح وجمعية المنبر عضوان.
وفي أصل تكوينه لم يستهدف التجمع أحداً وإنما هو خروج تلقائي عفوي من الأغلبية الصامتة التي ضمت جميع الأطياف والشرائح والمذاهب والأديان لمواجهة مؤامرة تستهدف البلد في وحدتها وأمنها واستقرارها، وهو ما بينته الفترة ما بين فبراير ويونيو 2011 التي شهدت حراكا شعبيا ضخما للتجمع الذي عقد العديد من اللقاءات الجماهيرية المباشرة في جميع أنحاء البحرين ولاقت قبولا شعبيا كبيرا بدليل حرص عشرات بل مئات الآلاف على الحضور والتفاعل مع هذه اللقاءات. ولكن مع بداية توجه التجمع للتحول نحو جمعية سياسية بدأت الخلافات تعج بالتجمع نظراً لرفض شعبي ليس هيناً لهذا التوجه الذي كان لا بد منه.
أزمة تحول التجمع لجمعية سياسية:
تأسس التجمع تحت مسمى، (جمعية تجمع الوحدة الوطنية) ورتب التجمع أوضاعه بموجب قانون الجمعيات السياسية الصادر عام 2005، وصدر بتأسيسها قرار وزير العدل والشؤون الإسلامية رقم 26 المؤرخ في 28 يونيو 2011 ليتحول هذا الحشد الشعبي إلى كيان رسمي منظم، حيث تم انتخاب د. عبداللطيف آل محمود رئيساً للتجمع، كما شكلت أول أمانة عامة للتجمع ولكن لم تضم الأمانة العامة أياً ممن ينتمون للجمعيات السياسية لإشكالية قانونية وهي حظر قانون الجمعيات السياسية انتماء أو مشاركة البحريني في عضوية أكثر من جمعية سياسية.
وفي الواقع شهد تحول التجمع إلى جمعية سياسية جدلا صاخبا بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه حيث عارضه من ينتمون لجمعيات سياسية من منطلق أن ذلك يحرمهم من الاستمرار في التجمع لعدم إمكانية الانتماء لأكثر من جمعية سياسية من الناحية القانونية، إضافة إلى أن تحوله لجمعية يفقده شعبيته ويحوله لتنظيم منافس لآخرين في الشارع السياسي السني تحديدا (الموالاة)، وأن خروج من ينتمون لجمعيات من التجمع سيفقده جزءاً كبيراً من شعبيته وهو ما حدث بالفعل عقب خروج المنتمين لجمعيات المنبر والأصالة وجمعيات أخرى.
فيما حاجج المدافعون عن تحول التجمع لجمعية عن ذلك التوجه بأنه يجب أن يستمر في عمله ولكن في إطار قانوني كما أنه من المستحيل للتجمع ممارسة العمل السياسي دون إطار قانوني، ولو تحول إلى جمعية أهلية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية على سبيل المثال فإنه ممنوع عليه كذلك ممارسة السياسة، ومن ثم كان الاتجاه الغالب هو تحوله لجمعية سياسية على أن يكون تابعا لوزارة العدل طبقا لقانون تنظيم الجمعيات السياسية التي تعمل عمل الأحزاب السياسية في دول أخرى.
تنازع الانتماءات وتصارع التصريحات:
كذلك هنالك نماذج أخرى من الخلافات التي دبت في أركان التجمع وكانت ناتجة عن اتساعه الكبير وتضمنه بين أركانه مشارب عدة، ومن ثم بدأ الخلاف يشتد ولاسيما في المواقف من القضايا العامة وظهر الخلط في حالة التصريحات السياسية الصادرة عن بعض الشخصيات الأعضاء في اللجنة العليا للتجمع، وهم في الأصل قيادات في جمعيات سياسية بينها اختلافات شتى، وبدأ التضارب بين ما إذا كانت هذه التصريحات تعبر عن الآراء الشخصية لهذه القيادات أم عن موقف لجمعياتها السياسية المرخصة أو أنه موقف رسمي بصفتها عضوا في تجمع الوحدة الوطنية قبل أن يصبح جمعية سياسية، أم إن هذا التوجه أو التصريح بالتوجه يعبر عن وجهة نظر الجمعية السياسية التي ينتمي إليها هذا الشخص خصوصا القيادات في الجمعيات السياسية ومن تبوأوا مناصب داخل تجمع الفاتح، فعلى سبيل المثال لا الحصر برز خلاف منذ الأيام الأولى للتجمع حول اقتراح اجتماع أطلق عليه: «تأليف القلوب» الذي كان في الأصل يعود للجمعية الإسلامية، وظهر تصريح من الشيخ عادل المعاودة ينسب هذا الاقتراح بأنه جاء من جمعية الأصالة التي ينتمي إليها المعاودة، وهو ما جعل الجمعية الإسلامية تنفي ما جاء على لسان الشيخ المعاودة وتنسب هذا المقترح لها ومن ثم شب خلاف بين الجمعيتين.
خلاف بين قيادة التجمع وجمعيتي المنبر والأصالة:
كما دب خلاف آخر من هذا النوع بين د. عبداللطيف آل محمود رئيس التجمع وبين قيادة جمعيتي الأصالة والمنبر حول منهجية إدارة التجمع، فالجمعيتان أرادتا أن تكون الجمعيات الإسلامية السياسية التي بدأت التحرك لمواجهة أحداث الأزمة في فبراير 2011 هي المسيطرة والموجهة للتجمع بالتنسيق بينها انطلاقا من أن الكوادر الشبابية من الجمعيتين قد كانت لهم اليد الطولى في تنظيم التجمع، وفي المقابل كان يرى الشيخ د. عبداللطيف آل محمود رئيس التجمع أن هذا الأخير كان تجمعا وطنيا شارك فيه جميع أطياف المجتمع، والجماهير التي حضرته أكبر بكثير جداً مما كان يمكن أن تحشده الجمعيات السياسية الإسلامية مجتمعة، بل كان التجمع هو الدرع الأولى لحماية البحرين وأهلها جميعا، ومثل التجمع المفاجأة الكبرى لجميع الأطراف الداخلية والخارجية بما فيها الجمعيات الإسلامية وأعضاء اللجنة العليا للتجمع والدولة في البحرين وجمعيات التأزيم والدول المساندة وجميع المراقبين للأحداث التي جرت في البلاد العربية من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، إنها كانت (مفاجأة ربانية) لمكر الماكرين وتآمر المتآمرين ولا يجوز أن تجير هذه المفاجأة لحساب الجمعيات السياسية الإسلامية وحدها لتكون هي المسيطرة على توجيه دفة التجمع باسم التنسيق، بل لا بد أن تحترم الجماهير من جميع الأطياف التي شاركت في تلك التجمعات في إدارة مسيرة هذا الكيان، وأن التجمع يجب أن يكون مؤسسة ديمقراطية تحتكم إلى صناديق الانتخابات، ولا بد من خلق ثقافة الديمقراطية بين أبناء الفاتح لمواجهة المستقبل، ولاسيما أن أهل الفاتح ليسوا على فكر واحد كما في الجمعيتين ولذلك لا بد من منهجية مختلفة لقيادة هذا التجمع ولا يكون ذلك إلا بالاحتكام إلى صناديق الانتخابات، وكانت هذه الأفكار مقدمة لتحول التجمع لجمعية سياسية ومن ثم انسحاب قيادات الجمعيات الأخرى منه ما أثر في شعبيته في نهاية المطاف.
مستقبل التجمع ومحاولات تقربه من الجماهير:
ولما بدأت الأزمات السابقة تؤثر على شعبية التجمع راح يقترب شيئاً فشيئاً من المطالب الجماهيرية الرافضة للحوار مع المعارضة في ظل استمرار العنف، ومن ثم أعلن تجمع الوحدة الوطنية مؤخراً رفضه للانخراط في الحوار الوطني أو الجلوس مع أقطاب المعارضة خاصة مع انتشار العنف الممارس من المعارضة المتطرفة في الشارع وكذلك صدور الأحكام القضائية بتخفيف الأحكام عن أولئك الذين دهسوا رجال الشرطة من الإعدام لأربعة إلى الإعدام لاثنين والمؤبد للاثنين الآخرين إلى أن يكون الحكم أخيرا بالمؤبد لاثنين والسجن خمسة عشر عاما لاثنين، وهي جريمة قتل للنفس بغير حق عمدا مع الإصرار على إزهاق الروح بالذهاب والإياب عليه بالسيارة وهو ما زال حيا حتى توفاه الله تعالى ومات شهيداً للواجب في دفاعه عن وطنه وعن مواطنيه.
كما عبر التجمع عن قلقه من أن يكون ذلك مقدمة للإفراج عن رؤوس الفتنة الذين حكم عليهم القضاء، وأعلن التجمع عن رفضه للآتي: رفض تسييس القضاء والتدخل فيه، رفض الازدواجية في تطبيق القانون، رفض الانتقاص من حق أهل الفاتح في إحلال الأمن والأمان لهم ولجميع المواطنين والمقيمين، رفض استغلال توصيات بسيوني لمكافأة من أجرم في حق الوطن والمواطنين والمقيمين، رفض الرضوخ للضغوط الأجنبية من أي دولة كانت، رفض أن تكون البحرين مستباحة من القوى الخارجية أو قوى التأزيم الداخلية، وقرر التجمع: «لا حوار حتى تنتهي مظاهر العنف وتتوقف الأعمال الإرهابية ويطمئن المواطنون والمقيمون على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم».
لاتوجد تعليقات