رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 2 أكتوبر، 2023 0 تعليق

مسؤولية القضاء على الجوع

  • منزلة إطعام الطعام في أعمال البر أنه من أعظم الأعمال وأفضلها لذلك جعل الله تعالى الجنة لمن يطعمون الطعام
  • بعض الدول الغربية تتباهى بإنفاق خمسة مليارات يورو سنويا على إطعام الكلاب وعلاجها ولباسها بينما يموت من حولهم البشر جوعاً
  • في كل ست ثوانٍ يموت طفل في العالم بسبب الجوع وإن هناك ستة ملايين طفل يموتون سنويا بسبب نقص الأدوية من أمراض معروفة العلاج وموفورة الأدوية
 

لقد عني الإسلام بإطعام الطعام والحض عليه والترهيب من الامتناع عنه، فنزلت فيه آيات قرآنية كثيرة، وأحاديث نبوية عديدة، فمن ذلك أن الله -سبحانه- جعل إطعام الطعام سبباً في النجاة من أهوال يوم القيامة؛ فقال -سبحانه-: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} (البلد:14-16)، وقد ذكر -سبحانه- شأن الأبرار في سورة (الإنسان)، كيف أن إطعام الطعام في الدنيا كان سبباً رئيساً من أسباب نجاة هؤلاء الأبرار من شرور يوم القيامة، وإكرامهم بعدد من أوجه الإكرام، قال -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} (الإنسان: 8-12)، وفى السنة أيضا في الحديث المتفق عليه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة» وروى الترمذي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ».

 

إطعام الطعام من أفضل الأعمال

        لقد جعل الله -تعالى- الجنة لمن يطعمون الطعام، وجزاهم بالسرور والنضارة والجنة والحرير وأنواع النعيم في الجنة؛ لأن منزلة إطعام الطعام في أعمال البر أنه من أعظم الأعمال وأفضلها، فجاء في صحيح الجامع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا». وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يطعمون الطعام هم خير الناس؛ فجاء في المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ».

أنواع الإطعام شرعاً

        إن المقصود بالطعام الموعود عليه بالأجر والنعيم في الجنة، كل ما أحل الله مما يؤكل أو يشرب، فيدخل فيه سقي الماء، فالماء يسمى طعاما أيضاً قال -تعالى-: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (البقرة:249). فسمى شرب الماء طعاماً، ويدخل فيه كذلك إطعام الجائعين الذين جاءت أوصافهم في القرآن الكريم، ومنهم البائس الفقير، قال -تعالى-: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج: 28)، أي من بلغ به الفقر والحاجة مبلغ البؤس وهو الضيق الشديد، وكذلك القانع والمعتر، قال تعالي: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحج: 36)، أي الفقير الذي يسأل والفقير الذي لا يسأل، وكذلك المسكين واليتيم والأسير، المذكورون في سورة الإنسان، فأما المسكين فهو الفقير المتعفف، الذي لا يُلتفت إليه، واليتيم من مات أبوه، إذا كان محتاجاً ولا أحد ينفق عليه، والأسير هو المسجون، ومن إطعام الطعام المأجور عليه أيضاً ما يقدم للجيران من معونة عند الحاجة أو هدية بغير حاجة، ففي صحيح مسلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه -: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ»، وعند الطبراني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ».

إطعام الصائمين

       ويدخل فيه كذلك إطعام الصائمين في رمضان وفي غيره، وكذلك ما يقدم للضيف من كرامة، فهو من الإيمان، واللقمة في في امرأتك لك فيها أجر. بل وفي إطعام الطيور والحيوانات أيضاً أجر، ففي المسند عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -: أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أنزع في حوضي، حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فِي كُلِّ ذات كَبِدٍ أَجْرا»، لكن عناية الإسلام بإطعام الطيور والحيوانات، ليست على الطريقة الضالة التي ينسى فيها الإنسان إنسانيته، ويتغاضى عن مسؤوليته تجاه إخوانه في الإنسانية لصالح الكلاب.

الجوع سُبَّة في جبين الحضارة

      تقول الإحصاءات العالمية الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، إنه في كل ست ثوانٍ يموت طفل في العالم بسبب الجوع، وإن هناك ستة ملايين طفل يموتون سنوياً بسبب نقص الأدوية من أمراض معروفة العلاج وموفورة الأدوية، وإن مليونين من البشر يموتون حول العالم سنوياً بسبب شرب المياه الملوثة، وإن حصول ذلك لهو سُبَّةٌ في جبين البشرية الضالة، والحضارة الغربية المزيفة، التي تفضل إلقاء القمح في المحيط على إعطائه للمحتاجين، وهي مع ذلك لا تستحي التشدق بحقوق الإنسان ليل نهار، بل وتتباهى بإنفاق خمسة مليارات يورو سنويا في دولة واحدة من دول الغرب على إطعام الكلاب وعلاجها ولباسها، بينما يموت من حولهم البشر جوعاً!.

المسلمون مسؤولون

       إن واجب المسلمين أن يُعرِّفُوا الآخرين بدينهم، وأن يرشدوهم إلى تعاليمه الإنسانية الراقية، قولا وعملا من خلال مزيد من أعمال الخير التي تُعني بالقضاء على الجوع والأمراض؛ فإن خيرية هذه الأمة قد رُبطت في القرآن والسنة بأمور أربعة كلها تدور على بذل الخير للآخرين، وهذه الأربعة هي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعلم القرآن وتعليمه، ونفع الناس، وإطعام الطعام. ولو تأملت لوجدت في إطعام الجائعين، وتوفير الماء النظيف لهم، والدواء لمن يحتاجون إليه من المرضى، قد اجتمعت فيه تلك الفضائل الأربعة مجتمعة؛ إذ فيه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتعريف بالقرآن، ونفع للناس لا ريب، فهو ليس طعاماً وحسب، ولكنه قيامٌ بواجب إنساني إسلامي دعوي رتب الإسلام عليه خيرية المنتسبين إليه، ففي صحيح الجامع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيركم من أطعم الطعام»، وإن مسؤولية المسلمين في القضاء على الجوع فيما بينهم وفيما حولهم وفيما يمكنهم الوصول إليه من مناطق في العالم مسؤولية عظيمة، جسيمة، في الجهد المبذول والثواب الموعود، والنتائج المرجوة؛ لذلك فهي تحتاج إلى عناية أكبر، وإن الجزاء من جنس العمل ففي صحيح مسلم: «أن الله -جل وعلا- يقول لعبده يوم القيامة: استطعمتك ولم تطعمني، فيقول وكيف أطعمك يا رب وأنت رب العالمين؟ فيقول استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي» فياله من أمر عظيم، جليل! لو أدركه المسلمون من دينهم وأدركه الآخرون في الإسلام، دعوة وبذلاً، لما بقي في الإنسانية كافر، ولا جائع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك