رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 1 نوفمبر، 2010 0 تعليق

محاضرة لمسؤول إسرائيلي تكشف الإستراتيجية الإسرائيلية لتقسيم- السودان منذ استقلاله.. إسرائيل خططت ألا يصبح السودان قوة مضافة إلى العالم العربي

حين نتحدث عن الدور الصهيوني وإستراتيجيته حيال ما يحدث في منطقتنا العربية والأفريقية أيضاً نتهم بأننا واقعون تحت أسر نظرية المؤامرة, وأننا لم ننضج سياسياً بعد , ولكن حين يكون الكلام والعمق والتحليل والتوضيح من أصحاب المؤامرة أنفسهم فالأمر هنا مختلف.

وفي ظل الترقب الحاصل حالياً لانفصال الجنوب السوداني عن شماله وتداعيات ذلك على الأمن العربي والأفريقي، تذكرت محاضرة مهمة لوزير الأمن الداخلي لدولة المحتل الصهيوني (آفي ديختر)، حصلت (الفرقان) على نسخة منها من السيد مصطفي عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس السوداني.

وكان من أهم ما عرضه علينا (مجموعة من الصحافيين المصريين والعرب)   أنه كشف عن محاضرة لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي لعدد من السادة والإعلاميين معترفاً بالوجود الإسرائيلي في السودان منذ ثلاثين عاماً سواء في الجنوب أم في دارفور, كذلك الاستراتيجية الإسرائيلية في إضعاف السودان وتفكيكه.

وفيما يلي نلقي الضوء على أهم ما ورد بهذه المحاضرة.

في إسرائيل تدور تساؤلات من قبل إعلاميين وسياسيين وأعضاء في (الكنيست) متعجبين من الاهتمام الإسرائيلي بالسودان وتدخله في شؤونه الداخلية رغم البعد الجغرافي عن إسرائيل, ورغم أن ارتباطه بقضية فلسطين أصبحت هامشية حتى نهاية الثمانينيات.

وهنا يجيب (ريختر) محدداً ذلك في عدد من المحاور هي:

 استطلاع إسرائيل للمستقبل وتقييم أبعاده التي تتجاوز الوقت الحاضر، فقد أدركت إسرائيل أن السودان بموارده ومساحته الشاسعة كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية , لكن أزماته الداخلية والحرب الأهلية في جيوبه على مدى ثلاثة عقود ثم الصراع الحالي في دارفور, وما يحدث في العاصمة الخرطوم أيضاً, كل ذلك تحول إلى أزمات مزمنة فوتت الفرصة على السودان ليصبح قوة إقليمية مؤثرة تؤثر في البينة الأفريقية والعربية.

ولذلك فكانت هناك تقديرات إسرائيلية مع بداية استقلال السودان منتصف الخمسينيات بألا يسمح لهذا البلد – رغم بعده عنا – أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي، لأن موارده إن استثمرت في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب, ولذلك كان على إسرائيل أن تتجه إلى الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمة, بل إنتاج أزمات جديدة يكون حاصلها معضلات يصعب معالجتها فيما بعد .

والسودان يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر, وهذا المعطى تجسد بعد حرب 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا, وللعلم فإن السودان أرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر 1968 – 1970.

ونعود إلى إجابة ريختر عن الاهتمام الإسرائيلي بالسودان في المحددات الثلاثة السالفة لتقول: كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعج بالتعددية الإثنية والطائفية؛ لأن هذا من المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي ضرورة من ضرورات دعم وتعظيمه الأمن القومي الإسرائيلي .

ويؤكد على ذلك ما عبرت عنه جولدا مائير, عندما كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ومسؤولة عن ملف أفريقيا عام 1967 عندما قالت: إن إضعاف الدول العربية الرئيسة واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة الدنيا في إطار المواجهة مع أعدائنا, وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى.

كما كشف (ريختر) في محاضرته عن وقائع الدور الإسرائيلي في إشعال الصراع في جنوب السودان انطلاقاً من مرتكزات أقيمت في أثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير (الكونغو الديموقراطية) حالياً, فجميع رؤساء الحكومات الإسرائيلية بدءاً من (بن جوريون) مروراً (بليفي أشكول) و(جولدا مائير) و(إسحاق رابين) و(مناحم بيجن) و(إسحق شامير) و(شارون) وأخيراً أولمرت, كلهم تبنوا الخط الإستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفي أعقاب ذلك دارفور.

هذا الخط الاستراتيجي كانت له نتائج ولا تزال تعوق وتحبط أي مجهود لإقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكرياً واقتصادياً قادرة علي تبوؤ موقع صدارة في المنطقتين العربية والأفريقية.

وفي تبجح شديد يعترف (ريختر) بالوجود الإسرائيلي في دارفور ويصفه بالحتمي والضروري؛ حتى لا يجد السودان المناخ والوقت لتعظيم قدراته, مضيفاً: ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود يجب ألا يتوقف؛ لأن هذه الجهود تنطلق من إستراتيجيتنا التي تضع نصب أعينها أن سودانا ضعيف ومجزأ أفضل من سودان قوي وموحد.

ويعلل ريختر بأن وجودهم في دارفور يقع في إطار خطهم الإستراتيجي مع أن دارفور كجنوب السودان من حقه أن يتمتع بالاستقلال وإدارة شؤونه بنفسه, ووضع حد لنظام السيطرة المفروض عنوة من قبل حكومة الخرطوم.

وبكل تجرأ يقول ريختر: لحسن الطالع أن العالم لم يتفق معنا على أنه لابد من التدخل في دارفور سياسياً واجتماعياً وعسكرياً، كما أوضح ريختر أن الدور الأمريكي في دارفور دور مؤثر وفعال, ومن الطبيعي أن يسهم أيضاً في تفعيل الدور الإسرائيلي وإسناده, فبدونه كانت إسرائيل ستواجه مصاعب في الوصول إلى دارفور لممارسة دورها المتعدد الأوجه بمفردها وبمنأى عن الدعم الأمريكي والأوروبي .

كما أن صانعي القرار في إسرائيل كانوا من أول المبادرين إلى وضع خطة للتدخل الإسرائيلي في دارفور عام 2003 , ويعود الفضل في ذلك إلى رئيس الوزراء السابق آريل شارون الذي قال في ذلك كلمة خلال اجتماع لحكومته عام 2003: حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبالآلية والوسائل نفسها فضلاً عن أهداف تدخلنا في جنوب السودان.

وفي سؤال طرحه على (ريختر) نائب وزير الدفاع السابق جنرال الاحتياط افرايم سنيه: ما هي نظرته إلى مستقبل السودان على خلفية أزماته المستعصية في الجنوب والغرب والاضطراب السياسي وعدم الاستقرار في الشمال وفي مركز القرار (الخرطوم)؟

رد ريختر : هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية مصرة على التدخل المكثف في السودان لصالح خيارات تتعلق بضرورة أن يستقل جنوب السودان وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليم كوسوفو, فلا يختلف الوضع في جنوب السودان وفي دارفور عن وضع كوسوفو.. فسكان هذين الإقليمين يريدون الاستقلال.

وفي نهاية محاضرته أكد (آفي ريختر) على أن الإستراتيجية الإسرائيلية التي ترجمت على الأرض في جنوب السودان سابقاً وفي غربه حالياً استطاعت تغيير الأوضاع في السودان نحو التأزم والتدهور والانقسام, فيتعذر الحديث الآن عن تحول السودان إلى دولة إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية التي نطلق عليها دول المواجهة مع إسرائيل.

فالسودان في ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة في جنوبه وغربه وحتى في شرقه غير قادر على التأثير بعمق في بيئته العربية والأفريقية؛ لأنه متوسط ومشتبك في صراعات ستنتهي إن عاجلاً أم آجلاً بتقسيمه إلى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول: البوسنة, الهرسك, كرواتيا، كوسوفو, مقدونيا, صربيا.. ويبقى السؤال عالقاً: متي؟ فيما يتعلق بجنوب السودان الدلائل كلها تؤكد أنه في طريقه إلى الانفصال؛ لأن هذا هو خياره الوحيد, فهو بحاجة إلى كسب الوقت لإقامة مرتكزات دولة الجنوب, وقد يتحقق ذلك قبل موعد إجراء الاستفتاء عام 2011, إلا إذا طرأت تغيرات داخلية وإقليمية إما أن تسهم في تسريع تحقيق هذا الخيار أو تأخيره.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك