رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 28 مايو، 2024 0 تعليق

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع – أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها – 2

-  الهواري:

  • من مسؤولياتنا تجاه السنة النبوية الدفاع عنها وألا نقدم عليها شيئًا وأن نسعى لإبراز مكانتها وبيان أهميتها وأنها طريق العز والنجاة في الدنيا والآخرة
  • مسؤوليتنا تجاه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يعني اتباع فهمهم للقرآن الكريم والسنة النبوية عقيدة وشريعة
  • الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين حملوا الرسالة مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وأنفقوا في سبيل الله كل غالٍ ونفيس في أوقات بالغة الأهمية في تاريخ الأمة الإسلامية
  • الأسرة هي الحصن الأول والمدرسة الأولى التي تُخَرّج لنا اللبنات الصالحة بينما الباطل حريص على اختراقها بالوسائل الممكنة
  • المرأة شريكة حقيقية للرجل وقد كرمها الإسلام ورفع من شأنها وجعل لها دورا مؤثرا في تخريج اللبنات الصالحة فأي تعطيل لهذا الدور تعطيل لإمكانيات وطاقات وجهود عظيمة جدا
  • الباطل يحاول جاهدا تأخير القرآن وعدم إعطائه القدسية اللائقة به وعدم تفعيله بوصفه منهج حياة في واقع الناس
  • الشعور بالمسؤولية تجاه السنة النبوية يلزمنا بحبها وتعظيمها والتسليم لها في جميع شؤون حياتنا

ما زلنا في استعراض المحاضرة الخامسة من محاضرات منتدى تراث الرمضاني الرابع التي كانت بعنوان: (أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها)، التي قدمها الشيخ: شريف الهواري، (عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية في مصر)، وقد ذكرنا تعريف المسؤولية وأهميتها، وماذا نعني بالشعور بالمسؤولية وأقسامها، وذكرنا ان أهم هذه المسؤوليات هي المسؤولية تجاه دين الإسلام الذي ننتمي إليه. واليوم نكمل ما بدأناه.

 

المسؤولية تجاه الوحيين القرآن والسنة

     من خلال الشعور بالمسؤولية تجاه الدين، ينبغي لنا أن نعلم أننا مطالبون بتحمل المسؤولية والأداء الأمثل تجاه الوحيين المباركين القرآن والسنة، إننا أولاً في خاصة أنفسنا، أين نحن من القرآن؟ ما المسافة التي بيننا وبين القرآن؟ هل نحن معظمون ومجلون لكلام الرحمن -سبحانه وتعالى؟ وهل نحن رهن إشارته وطوع أوامره؟ وهل نحن فعلا مقبلون عليه قراءة وحفظًا وتدبرًا وعملاً ودعوة، ومستعدون للصبر والاحتساب في سبيل ما قد يقع من جراء ذلك؟ كثير من الناس لا يؤدون هذا الحق العظيم؛ ولذلك نجد الجفوة والفجوة ما بين كثير من المسلمين وبين كتاب ربهم، ولا شك أن الباطل يحاول جاهدا تأخير القرآن، وعدم إعطائه القدسية اللائقة به، وجرؤوا الناس في الطعن والتشغيب والتشويش عليه، وهذا لا يخفى.

من الذي سيؤدي حق القرآن؟

     لكن من الذي سيؤدي حق القرآن؟ إلا من أَحَب القرآن وعظم القرآن وأذعن للقرآن وجعل الحب والكره على القرآن، والولاء والبراء على القرآن، والعطاء والمنع على القرآن، أذعن لكل ما جاء به القرآن، ونفذ كل ما أمر به القرآن، وابتعد عن كل ما نهى عنه القرآن، فجعله إمامه وقائدا له، ولا شك أن هذا سيميزك على الساحة، ستكون إنسانا مثاليا بالتصاقك بكتاب ربك -سبحانه وتعالى- والاستمرارية على ذلك.

المسؤولية تجاه السنة النبوية

       وهذا وحده لا يكفيك، بل لابد أيضًا أن تشعر بالمسؤولية وتتحملها تجاه السنة النبوية المباركة التي هي وحي من الله -عز وجل-، وهي الوحي الثاني كما قلنا، ونحن مطالبون أيضا بحبها أكثر من أنفسنا وأموالنا، وبالتسليم لها، وأن نكون رهن إشارتها وطوع أوامرها في جميع شؤوننا ولا سيما أنفسنا، في مظهرنا، وفي بيوتنا، وفي أفراحنا، وفي أحزاننا، وفي معاملاتنا، وفي أخلاقياتنا، وفي سلوكياتنا، وفي الخلافات التي قد تقع بيننا، لابد أن نكون معظمين للسنة؛ لأن هذه أسوتنا وقدوتنا الذي ارتضاه -تبارك وتعالى- لنا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

التسليم التام للسنة

      والأدلة التي تأمرنا بالتسليم التام لسنة النبي -[- كثيرة لا مجال لحصرها؛ لأنها التطبيق العملي الذي ارتضاه -تبارك وتعالى-، نموذج نسير عليه في تحقيق الغاية التي من أجلها خلقنا الله -سبحانه وتعالى-، فلا سبيل إلا أن نسلّم له أنفسنا التسليم التام، ونقبل سنته الكريمة القولية والفعلية والتقريرية والتَركية الواجبة المؤكدة المستحبة.

الدفاع عن السنة والغيرة عليها

      أن ندافع عن السنة بكل قوة ونغار عليها، ولا نقدم عليها شيئًا؛ لأننا نعرف قدره - صلى الله عليه وسلم - {إن هو إلا وحي يوحى}؛ لذلك علينا أن نعظّم هذا الشعور بالمسؤولية وتحملها تجاه السنة النبوية، وعلينا أن نسعى لإبراز مكانتها وبيان أهميتها، وأنها طريق العز وطريق الشرف، وطريق الخيرية، وطريق النجاة في الدنيا والآخرة، وإلا فحسبنا أن نسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من رغب عن سنتي فليس مني»، «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى؛ فقالوا: من يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى». فالشعور بالمسؤولية تجاه السنة أن تكون مثالا حيا لها، وأن تصبغ حياتك بصبغة السنة، وأن تكون عنوانا لها ودالا عليها، وأن تكون مرغبا ومحببا فيها، لا أن تكون منفرا عنها، وأخشى على نفسي وإخواني «وإنّ منكم لمنفرين» لعدم الفهم الصحيح لهذه السنة.

الشعور بالمسؤولية تجاه الصحابة الكرام

      إن الشعور بالمسؤولية تجاه الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- يعني اتباع فهمهم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وتفعيلهم لهما عقيدة وشريعة، قال ابن مسعود - رضي الله عنه-  واصفًا الصحابة -رضوان الله عليهم-: «من كان منكم متأسيا، فليتأسَّ بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم - وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».

فضل الصحابة -رضوان الله عليهم

     إن الصحابة -رضوان الله عليهم- هم الرعيل الأول الذين حملوا الرسالة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاهدوا معه حق الجهاد، وأنفقوا في سبيل الله كل غالٍ ورخيص في أوقات بالغة الأهمية، وفي مرحلة عظيمة القدر مع ضيق الحال وقلة ذات اليد، ومع ذلك فإنهم -رضوان الله عليهم- أجمعين قد تحملوا المشاق وكابدوا المتاعب في سبيل نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولعظيم أثر تلك النصرة وعموم بركتها على سائر الأمة فإن ما أنفقه واحد من أولئك الأصحاب الكرام مهما قل مقداره وحجمه فهو أعظم بركة وأثرًا وثواباً عند الله - تعالى -مما ينفقه من جاء بعدهم مهما عظم حجمه وعظمت كميته، فمد من الطعام أو نصف مد أنفقه واحد من الصحابة الكرام في سبيل الله هو أعظم أثراً وبركة وثواباً عند الله من مثل جبل أحد ذهباً ينفقه من جاء بعدهم.

{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}

       لقد زكاهم المولى -عز وجل-، ورضي عنهم؛ لأنهم رضوا عنه أولا، ثم رضي عنهم -سبحانه وتعالى- لاستجابتهم الفائقة الرائعة، المثالية النادرة، التي من سار عليها، سار على الدرب الصحيح بإذن الله -تبارك وتعالى-، ولذلك تجدون مثلا المولى -عز وجل- يزكي فهم هؤلاء الناس، ويحيل عليهم، {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وحسبنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما شُغّبَ عليه وعلى أصحابه، أنزل الله -تبارك وتعالى- قوله -سبحانه-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} قالوا هم الصحب الكرام.

العودة لفهم الصحابة

     قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، تأمل هذا المعنى العظيم، هؤلاء نالوا هذه التزكية المباركة في القرآن وفي السنة؛ لذلك العودة لفهمهم، العودة لتطبيقاتهم، العودة لحسهم في الشعور بالمسؤولية وتحملها على نحو صحيح، فالتمسك بفهم هؤلاء من أعظم معاني الشعور بالمسؤولية في هذه المرحلة الفارقة؛ لأن عودة الفهم الصحيح للكتاب والسنة، أي فهم الصحابة، ومن سار على دربهم هو الطريق الوحيد للإصلاح. إن الباطل يريد أن يغيب عنا هذا المعنى، وأن يوجد بيننا المناهج المنحرفة التي صنعها على عينه حتى ننحرف عن الفهم الصحيح للدين. إنه لا سبيل لنا للنجاة إلا بالعود الحميد لفهم هؤلاء الكرام لهذا الدين، وكيف يُتلقى؟ وكيف يُعظّم ويُوقّر؟ وكيف يُطبق التطبيق الصحيح؟

المسؤولية تجاه الأسرة

     ومن المسؤوليات المهمة الملقاة على عواتقنا، الشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة؛ لأنها الحصن الأول، والمدرسة الأولى، التي تُخَرّج لنا اللبنات الصالحة، ونحن لا شك نعلم جيدا أن الباطل حريص على اختراق هذا الحصن المنيع، عن طريق الإعلام المرئي والمقروء والمسموع من خلال محاولات الإبهار والإغراء، أو من خلال محاولة التيئيس والتحبيط والتثبيط وإحداث الهزيمة النفسية.

الأسرة في مرمى النيران

إن الأسرة في مرمى النيران، ومن باب الأمانة والديانة لابد أن نشعر بالمسؤولية تجاه أسرنا لتأمينها من الداخل، لتكون عاملة بما سبق. لابد أن تقف -أخي الحبيب- مع نفسك، كيف حال أسرتك؟ ولعلك تشتكي كما نشتكي، إلا من رحم ربي، لذلك نريد أن نحدد هذه المسؤوليات، وندعو لتحملها كما ينبغي.

بئس الفهم والله!

الزوجة مثلا، كيف حالها عندك؟ هل هي فقط لشهواتك وطعامك وشرابك وتربية أبنائك، وانتهت القضية؟ هذا بئس الفهم والله! إن المرأة هي شريكة حقيقية لك، هي ملكة في بيتها، الإسلام كرمها ورفع من شأنها، وجعل لها دورا، وجعل لها تأثيرا، وجعل لها مسؤولية عظيمة في تخريج اللبنات الصالحة، لتكون لبنات في بناء هذه الأمة، فأي اعتداء عليها بتأخير دورها، بتقزيمها، بالطعن عليها وعلى أهليتها، هذا خطر عظيم جدا، أول الشقاق أن يتعالى الرجل على المرأة، وأن يقلل من قيمتها، وأن يأخذ الأمور السطحية التي قد تقال هنا أو هناك، ومن ثم يُعطل كم عظيم جدا من الإمكانيات والطاقات والجهود التي لو وُظّفت في خدمة المجتمع والوطن والأمة بأسرها لكان لنا شأن آخر.

خيركم خيركم لأهله

         النبي - صلى الله عليه وسلم - إمامنا وقدوتنا قال: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي»، لابد أن نعرف كيف كان يتعامل - صلى الله عليه وسلم - مع أهله وأزواجه برفق وبلين وبشفقة وبحب وبتغافل، وكيف كان -صلى الله عليه وسلم - في خدمة أهله، كيف كان يشاركهم إذا دخل عليهم فيما هم فيه؟ من باب أسر القلوب، ومن باب زيادة الود والمحبة، حتى إذا كانت الواجبات والحقوق كان لا يعرفنا ولا نعرفه، كالصلاة مثلا.

ما دورك مع زوجتك؟

      وأنا أريد أن أسأل -إخواني الشباب-، ما دورك الآن مع زوجك؟ هل أنت توظف طاقاتها التوظيف الصحيح؟ أكيد لها طاقات، أكيد لديها عقل ومعرفة، وأكيد لم تعدم عندها خيرا، رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في الحديبية لما وقّع صلح الحديبية وأراد أن يتحلل الناس وأن ينزعوا الإحرام بالحلق والنحر إلى آخره، لهول الصدمة لم يتحرك أحد! فدخل إلى خيمته حزينا على ردة الفعل هذه، فكانت مشورة أم سلمة بأن اخرج فاحلق وانحر دون أن تكلم أحدا، فخرج ففعل، ففعلوا جميعا -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وهذه كانت مشورة أم سلمة -رضي الله عنها وأرضاها-؛ لذلك لا تُحَقّروا دور المرأة؛ لأنك إن خسرتها في إعداد الأسرة من الداخل كانت ثلمة خطيرة جدا.

أبناؤك أمانة

       أبناؤك وبناتك على السواء أليسوا أمانة في عنقك؟ أليس هؤلاء هم رأس مال الأمة القريب؟ أليس هؤلاء ملكا لأمتك؟ تقول هؤلاء أبنائي فلذة كبدي! نعم، الله -عز وجل- أعطاهم لك ووهبهم لك ليكونوا في خدمة الأمة، في خدمة الدين (العقيدة والشريعة)، فحين تفرّط في تربيتهم وتأهيلهم وإعدادهم، لا شك أن هذا سيكون خطرا كبيرا؛ لأنك ستضيّع طاقات وجهودا وإمكانيات.

المرأة الصالحة أحد الركائز الأساسية في المجتمع

       تُعد المرأة الصالحة أحد الركائز الأساسية لأي مجتمع ما؛ فهي أساس النهضة، والنواة الأولى لقيام المجتمعات القوية المتماسكة، من خلال دورها العظيم في تربية الأبناء وتنشئتهم، ومساعدة الزوج في أعماله؛ لذلك فإن الأم هي عمود البيت ومؤسسة تربوية شاملة، يقع على كاهلها مسؤولية تربية الأبناء، والواقع الذي نعيشه؛ لذلك فإن الباطل حريص كل الحرص عن إبعادها وتغييبها عن هذا الدور المهم والفاعل.

احذر التفريط في تربية الأبناء!

       التفريط في تربية الأبناء وفي ربطهم بمسؤوليات الدين ومسؤوليات القرآن والسنة ومسؤوليات النفوس وتأهيلها وإعدادها، خيانة عظمى! خيانة أولا لنفسك، ولهم، وللأسرة، وللمجتمع، وللوطن، وللأمة بأسرها، قال ابن القيم -رحمه الله-: «فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك