رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالباقي خليفة 22 يوليو، 2010 0 تعليق

ماذا ينتظر المسلمون ممن يشكر الرب على ما يصفه بـ”استعادة اليهود لأرض أجدادهم”؟!

 

 

بدأ بابا الفاتيكان بنديكت الـسادس عشر، في النصف الأول من شهر جمادى الأولى 1430 هجريا زيارة للشرق شملت الأردن، وفلسطين دعا فيها إلى حرية العقيدة بقوله: إن "حرية العقيدة تعد أمرا أساسيا من حقوق الإنسان" وبقطع النظر عن دعوته لإحلال السلام عموماً، وهو بالقطع سلام الصهاينة، متجنبا التفاصيل كعادة الغربيين عموما عندما يتطرقون للقضية، دون الحديث عن الحقوق الفلسطينية، كعودة المهجرين والقدس، ولم يزر الفلسطينيين في غزة، ولم يسمع عن جرائم اليهود، ولم يعتذر  عن كلامه -الصاق الإرهاب بالدين الإسلامي بل زار منزل الأسير الصهيوني (شاليط..) ودعا الفلسطينيين إلى الهدوء والاعتراف بإسرائيل!! ومع كل هذا الخذلان لم يستقبله اليهود لعدة أمور: مطالبته بإعادة الشمعدان قبل 2000 سنة، وعدم حديثه عن المحرقة بالأسلوب الذي يتفق مع أهوائهم، ولأنه طالبهم بإقامة دولتين مستقلتين واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، فإننا سنتوقف كثيرا عند حرية العقيدة، وحقوق الإنسان، اللتين  فشل في تقمص دور الدفاع عنهما، وهناك شكوك مؤسسة على حقائق، في مدى إيمانه الشخصي بهما.

 

زيارة مختلفة

قبل الحديث عن زيارة بابا الفاتيكان إلى المشرق، يجدر بنا العودة قليلا إلى الفاتيكان، وإلى زيارته الأخيرة لبعض الدول الأفريقية، فالرجل يعاني عزلة داخل الفاتيكان، وفي أحسن الأحوال هناك خلافات حادة بينه وبين عدد كبير من الكرادلة حول تصريحاته التي زعم فيها صحة نظرية داروين في أصل الأنواع، وهو ما عده كثيرون داخل الفاتيكان خروجا عن الدين وهرطقة وإلحادا.

وحاول الكاردينال بيرتوني التهوين مما يجري داخل الفاتيكان بوصف المناوئين للبابا بأنهم "أصوات ناشزة" وقد كانت زيارته لأفريقيا - كما قيل - فرارا من تلك العزلة أو القفص الذي وجد نفسه فيه داخل بيت الأسرار الأكليروسية، ولكنه سرعان ما وقع في مشكلة أخرى عندما صرح في أفريقيا بأن "الواقي الذكري لا ينفع، ولا يقي من الأمراض الجنسية بما في ذلك مرض الإيدز"، وصدرت من مراكز مختلفة تهكمات قاسية ضد بابا الفاتيكان، وقد جر ذلك على بنديكت السادس عشر الكثير من اللوم؛ لأنه تحدث في غير اختصاصه، ولم يستند في قوله إلى أي بحث علمي، ولم يشر إلى أي نتائج مختبرية، وكانت تلك سقطات لا تقل شناعة عن زعمه السابق أن "الإسلام انتشر بالسيف"، وأنه لم يضف جديدا، وقد كتبنا في حينه ما الجديد الذي جاء به الإسلام، وفي مقدمة ذلك إعادة التوحيد إلى منابعه الصافية وتطهيره من شرك الألوهية وشرك الربوبية وشرك الذات والصفات.

وزيارة بابا الفاتيكان إلى المنطقة ليست بعيدة عن محاولاته الهروب من مكان لم يعد الكثيرون يطيقونه فيه، إلى جانب ما يمكن أن تجلبه له زيارة فلسطين من دعم ومساندة من قبل الطرف الصهيوني؛ حيث دعا للمصالحة بين اليهود والنصارى، ولم يتحدث عن المسلمين سوى بكلام لا يؤسس لمستقبل أفضل، وركز جل كلامه عن العلاقات النصرانية اليهودية، رغم أن اليهود يعتقدون أن مريم - عليها السلام - زانية وابنها عيسى - عليه السلام - ابن زنى، في حين يعتقد المسلمون أن عيسى نبي مرسل وأمه مريم البتول أفضل نساء العالمين، ولا نعرف بالضبط ما الأسباب التي تجعل النصارى يخطبون ود اليهود وهم يقولون كل ذلك عن عيسى وأمه، ويكرهون المسلمين لأنهم يؤمنون بنبوة عيسى ويبرئون أمه من إفك بني صهيون؟!

معاناة المسلمين

لقد دعا بابا الفاتيكان إلى احترام حرية العقيدة، فهل احترم هو شخصيا والفاتيكان والكثير من حلفائه في اليمين المتطرف الأوروبي والغربي عموما حرية العقيدة، وهل احترموا حقوق المسلمين؛ إذ إن ما يجري في أوروبا ومواقف الفاتيكان لا تنبئ عن وجود احترام لحرية العقيدة، ولا لحقوق المسلمين في ممارسة شعائر دينهم؟!، وسنؤجل الحديث عن التضييق على الحجاب في أوروبا، إلى مجالات أخرى كبناء المساجد، وممارسة شعائر الصلاة، فضلا عن أنواع الإيذاء الأخرى التي تتشابه وتختلف من دولة أوروبية إلى أخرى.

ففي مقابلة نشرتها صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية في وقت سابق قال بطريارك البندقية الكاردينال أنجلو سكونا، ردا على سؤال بخصوص بناء المساجد في إيطاليا: إلى جانب واجب الحكومة في ضمان الأمن القومي (انظر ربط القضية بالأمن القومي مباشرة) عليها التمييز بين الحقوق جيدا، بين الحقوق الأساسية والحقوق الأخرى، أو التذرع بالحقوق. فهو لم يجب جوابا مباشرا عن السؤال، ويرى أن الحرية الدينية ليست من الحقوق الأساسية، وأن تسمية ذلك بالحقوق مجرد تذرع بها!

وبعد أن طلب من المسلمين التضحية بتعدد الزوجات في الغرب، علق على سؤال بخصوص الحجاب قائلا: نفهم جميعا أنه من غير اللائق أن نخلق في أوروبا مظاهر اجتماعية تنافر ثقافتها وتاريخها، ووفق هذا المعيار تأتي نظرتي إلى الأمر أي إنه يرفض الحرية الدينية رغم أن الحجاب لا يختلف كثيرا عن لباس الراهبات عنده في الكنيسة.

وكان الفاتيكان قد وصف الحرب التي شنت على الإسلام في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 م بأنها "حرب عالمية رابعة"، وقال رئيس الكرسي الرسولي لشؤون القضاء الكاردينال ريناتو مارتينو: الحرب الباردة ضد الشيوعية كانت حربا عالمية ثالثة، ونحن الآن نخوض حربا عالمية رابعة، وقد رأينا كيف شارك الغرب بأشكال مختلفة في هذه الحرب القائمة منذ 1430 عاما، لكن أوارها ازداد في العقود الأخيرة ولا سيما في مطلع الألفية الثالثة.

أين الفاتيكان من الحرب على المساجد؟

يتحدث بنديكت السادس عشر عن حرية المعتقد بينما تحارب المساجد في أوروبا وتغلق ويمنع تشييدها، وإذا سمح بذلك وضعت لها شروط، كالبناء دون منارة ودون وضع هلال عليها وغير ذلك، فقد قرر مجلس أساقفة إيطاليا في مارس الماضي إصدار وثيقة رسمية جديدة لمطالبة المجتمع والمؤسسات الإيطالية بوقف بناء المساجد والمراكز الإسلامية، زاعما أن ذلك يمثل تهديدا للثقافة المسيحية، وقال رئيس المجمع الكاردينال جوزيبي بيثوري في كلمة له أمام أعضاء المجمع: إن أي قرار من البلديات يمنح أماكن للمسلمين لبناء مساجدهم سيكون على حساب الدين الكاثوليكي والثقافة الإيطالية. وحاول تخويف الإيطاليين قائلا: إن الإسلام إذا استحوذ على مكان يكون من الصعب إبعاده. بل حرض الإيطاليين على الإسلام والمسلمين قائلا: على الإيطاليين التكتل لمواجهة المد الإسلامي، واتهم عددا من رجال الدين الكاثوليك بالتساهل مع الإسلام والمسلمين، ورغم وجود نحو مليون مسلم في إيطاليا، كثير منهم إيطاليون بالوراثة فإن عدد المساجد لا يزيد عن الثمانمائة في البلاد كلها، وكثيرا ما قامت الشرطة بإغلاق المساجد والمصليات كما حدث في أبريل الماضي، فقد تم إغلاق مسجد مدينة بياتشيتسا بعد 4 أيام من افتتاحه بقرار من لجنة الأمن والنظام العام  في قيادة شرطة المدينة، ولم تبد السلطات أي أسباب مهما كانت لتبرير الإغلاق، كما أغلق المركز الثقافي في مقاطعة إيميليارومانيا، وقال عضو مجلس رابطة الشمال المتطرفة مارويتسو يارما: نستطيع العيش بدونه، أي المركز والمسجد، وفي 13 يونيو الماضي قامت قوات الأمن الإيطالية في مدينة نريفيزو الإيطالية الصناعية بمنع المسلمين من أداء الصلاة جماعة، بقرار من عمدة البلدية، وقامت الشرطة بتغريم كل من يحاول الصلاة بألف يورو، وهو مبلغ كبير جدا نظرا لحالة المهاجرين الصعبة، وفي سبتمبر الماضي وفي مدينة كولونيا الألمانية، اتحدت الأحزاب اليمينية المقربة من الكنيسة ضد ما وصفوه بانتشار الإسلام في أوروبا، باسم الدفاع عن القيم المسيحية، متناسين حرية المعتقد التي يتشدقون بها؛ كل ذلك لأن المسلمين أرادوا أن يبنوا لهم مسجدا يتسع لنحو ألفي شخص؛ فهناك ملايين المسلمين في ألمانيا ليس لديهم سوى 159 مسجدا، ووصل الأمر إلى المطالبة بإلقاء خطب الجمعة باللغة الإيطالية، وهي المطالبة التي رددها وزير خارجية إيطاليا ورئيس حزب التحالف القومي جان فرانكو فيني، ولا يفوتنا في هذه العجالة (الأمثلة لا تعد ولا تحصى) ما قام به عضو مجلس الشيوخ الإيطالي روبرتو كالديرولي الذي قام في وقت سابق بذبح خنزير في مكان كان مخصصا لإقامة مسجد، وطالب بتنظيم يوم للخنازير يطوف بها في الأماكن التي ينوي المسلمون بناء مسجد فيها، ولم يستنكر بابا الفاتيكان ولا الكنيسة الإيطالية التصرفات السابقة التي تعد بلا ريب ضد حرية المعتقد.

وفي بريطانيا حذر أسقف مقاطعة (روشستر) مما وصفه بتراجع تأثير المسيحية أمام تقدم الإسلام ليملأ الفراغ الأخلاقي الذي بدأ في بريطانيا منذ عقود عدة، وفي بريطانيا نفسها اعتبرت إحدى عضوات برلمان الكنيسة الإنجليكانية «سينود» آليسون روف أن الخلافات بخصوص الشاذين جنسيا داخل الكنيسة وخارجها لا يعد شيئا مقارنة بما وصفته بتهديد الإسلام، وقالت لصحيفة «ديلي تلغراف»: على الكنيسة أن تتجاوز خلافاتها وتركز جهودها على التصدي للإسلام في بريطانيا. ودعت إلى وقف بناء المساجد محذرة من انزلاق الكنيسة نفسها إلى الإسلام . وأدت حملات التحريض تلك إلى زيادة العداء للإسلام والمسلمين؛ فقد أظهر استطلاع أن نحو مليوني مسلم في بريطانيا يعانون مشاعر العداء ضدهم، التي عبر عنها 51٪ من البريطانيين في الاستطلاع نفسه.

وفي بلجيكا يشن اليميني المتطرف فيليب دي غنتر حملات مسعورة ضد حرية العقيدة، إلى حد المطالبة بإغلاق أبواب أوروبا نهائيا أمام المسلمين، وألف كتابا أسماه: «أسلمة أوروبا إن شاء الله»، ومما قاله في حوار مع إذاعة هولندا: إن الجالية الإسلامية في البلدان الأوروبية هي المشكلة الرئيسة التي تواجه هذه المجتمعات ، وفي دول أخرى حتى السويد تعشش فيها «الإسلاموفوبيا».

 

ماذا ينتظر من

بابا الفاتيكان؟!

وكان بابا الفاتيكان نفسه قد حذر الأوروبيين في خطاب سابق له من انحسار الهوية النصرانية في ظل انخفاض عدد المواليد وزيادة عدد المسلمين، ولاسيما أن الكنيسة تعاني هجر الطقوس الكنسية وقلة المواليد وثقافة تجاوزت السيطرة على حد تعبيره، وقال: إن مستقبل أوروبا المسيحية كئيب وينذر بالخطر،  ومع ذلك لم يخف هوس الكنيسة بتنصير "كل البشر"، معتبرا ذلك "الواجب والحق الثابت" على حد تخرصه.

كما دعا الأمين العام للتحالف الإنجيلي جودون شويل روجرز إلى تنصير المسلمين في أوروبا، ووزع التحالف الإنجيلي إمساكية لشهر رمضان عليها عبارات تنصيرية.

وعودة لبنديكت الـسادس عشر، الذي دعا في الذكرى الـ60 لنكبة فلسطين عن شكره للرب لامتلاك اليهود أرض أجدادهم، وإذا كان بابا الفاتيكان يعتقد أن اغتصاب فلسطين، هو عودة الأرض لأصحابها، فماذا ينتظر منه؟! ولماذا يراهن عليه؟! أم هي خطة جديدة لاستغباء المسلمين والضحك عليهم باستمرار بتصويره داعية سلام وإمكانية مساهمته في استعادة بعض الحقوق الفلسطينية فضلا عن استرجاع فلسطين؟!

 

شهادة أوروبية

لقد اعترف مكتب الاتحاد الأوروبي، المعني بمراقبة التميز وكراهية الأجانب، بوجود مظاهر التمييز على أساس ديني ضد المسلمين في أوروبا، وقالت الدكتورة بياتا فينكلر: الكراهية وصلت إلى حد الاعتداء على المسلمين  لفظيا وجسديا، وإن تلك الاعتداءات تؤدي بهم إلى فقدان الأمل وإعاقة تحقيق منجزاتهم التعليمية والعلمية. فماذا فعل بابا الفاتيكان والكنيسة لوقف ذلك؟! أم إنه مسؤول بصفته وشخصه عن مساهمته بتصريحاته المختلفة وتصريحات القساوسة والكرادلة والبطاركة في ذلك؟ وقال جوزيف دي فت مدير مركز المساواة ومكافحة العنصرية الأوروبي: العنصرية ضد المسلمين زادت ثلاثة أضعاف، وقال في تقرير بهذا الخصوص: هذه المظاهر تلاحظ في وسائل النقل وأماكن العمل وفي الشارع، وإذا كانت حرية التعبير مكفولة للجميع، فلماذا تنص قوانين الكثير من الدول الأوروبية بما في ذلك إيطاليا على تجريم من ينتقد بابا الفاتيكان؟! فيما يعتبر التخرص ضد الإسلام حرية تعبير؟! وتعرض الممثلة صابينا غوستانتي للمحاكمة بسبب انتقادها لبابا الفاتيكان، فأين حرية التعبير وأين حرية المعتقد أيها البابوي غير المقدس؟!

«ولنا عودة بعون الله» 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك