رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسن الأشرف-المغرب 28 يوليو، 2010 0 تعليق

مادة التربية الإسلامية.. مضايقات واتهامات

 

 

ليس من الصدفة أن تتعرض مادة التربية الإسلامية والمواد المشابهة أو المرتبطة بها  لبعض الحيف والتضييق والعديد من المشكلات منذ سنوات قليلة في بعض البلدان الإسلامية، ومن ضمنها المغرب الذي شهد هذا التحول في التعاطي مع مادة التربية الإسلامية في المقررات التعليمية ولاسيما بعد الأحداث الإرهابية الأليمة التي كانت مدينة الدار البيضاء مسرحا لها ذات يوم جمعة 16 مايو 2003.

إن واقع هذه المادة الذي يتأرجح بين التضييق والتجميد تارة، وبين محاولة التطور والتجديد تارة أخرى يمكن فهم سياقه من خلال سيل جارف من الانتقادات التي وجهتها أطراف وجمعيات مدنية، ولاسيما تلك التي تُعنى بحقوق الإنسان في المغرب،  إلى مضامين هذه المادة ولاسيما في الفترة التي تلت تلك الاعتداءات الدموية، وما يزال صداها وتأثيراتها  تعرقل مسيرة المادة نحو الأفضل.

 

 

 

اتهامات

وتعرضت مادة التربية الإسلامية - منذ ذلك الحين - في بعض المستويات التعليمية في المغرب إلى الحذف بالنسبة لبعض الشُّعَب العلمية، أو تقليص حصصها في بعض الشعب الأدبية بدعوى عدم مواكبتها لمسيرة التعليم العصري وعدم مسايرتها لما يتطلبه سوق العمل الذي يستلزم التخصص والاهتمام بمواد أكثر "طلبا" وجذبا من طرف سوق العمل.

وناقشت جمعيات حقوقية وأطراف علمانية مضامين مادة التربية الإسلامية، معتبرة أنها لا ترقى إلى الاهتمام بحقوق الإنسان كما هي معترف بها كونيا، أو أنها تسيء لتلك القيم العالمية من "تسامح واختلاف وحرية اعتقاد".

وحمّل بعضهم مادة التربية الإسلامية مسؤوليات خطيرة من قبيل: "إفراز  ثقافة الحقد والكراهية"، والحث على: "الانغلاق وإقصاء الآخر" من خلال فقرات أو صور تم فهمها أو تأويلها  بدون تحري الدقة ووفق غايات تلك الجهات الناقمة على مادة تعنى أساسا بتلقين تربية إسلامية متفتحة وأصيلة قصد بها مد التلميذ والطالب بمعارف تهم دينه وحياته التربوية والإسلامية.

وعدت منظمة مغربية لحقوق الإنسان ورود آيات قرآنية تتحدث عن النار وعذاب جهنم في كتب التربية الإسلامية التي يدرسها التلاميذ في مستويات الثانوي بمنزلة خطر نفسي على ناشئة صغيرة السن: "اختيار آيات تركز على العذاب والبطش والنار وجهنم لأطفال في بداية نموهم واستئناسهم بالمعرفة قد تكون له مضاعفات عكسية سيكولوجيا".

وجاء في تقرير سابق للجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة التابعة لوزارة التربية الوطنية ورابطة التربية لحقوق الإنسان، أن مادة التربية الإسلامية تتضمن دروسا لا تحترم حقوق الإنسان وتميز بين الرجل والمرأة، وتحتوي على صور لنساء يلبسن أزياء تقليدية (يقصدون ملابس محتشمة، وكأن ذلك عيب أو نقيصة من النواقص)، كما ورد في التقرير ذاته عبارة غاية في العلمانية والانحياز للغرب تنتقد اهتمام  مقررات هذه المادة بالدين الإسلامي أكثر من الأديان الأخرى: "المادة تفضل الدين الإسلامي على باقي الأديان"..(بدون تعليق).

سياقات للفهم

ويمكن فهم سياق ما تتعرض له مادة التربية الإسلامية من خلال عوامل عديدة من بينها النظرة "العدائية" للاستعمار الفرنسي في المغرب لهذه المادة الأصيلة؛ حيث كان يدرك أن وجودها مع مادة اللغة العربية مفاتيح لتشكيل وعي لدى المغاربة لمحاربة المحتل الغاشم؛ لهذا سعى الفرنسيون للطعن بقوة في مادة التربية الإسلامية ومحاولة إقصائها.

وحتى بعد أن نال المغرب استقلاله، لم تقطع الأجيال التي تلت ذلك الحدث مع نظرة المستعمر الدونية لمادة التربية الإسلامية، بل هناك من النخب التي تولت تسيير الشأن العام من رأت في المادة سببا يضايق  مصالحها و"أجندتها" التحررية التي لا تتوافق كليا مع مادة تدعو إلى الفضيلة وإلى عبادة الله وحده وترك المنكرات وإلى غض البصر وعدم الاختلاط من خلال الدروس الموجودة في المقررات الإسلامية، فاستمر إهمال المادة والتضييق عليها وإن كان بوتيرة أقل حدة. 

ومن أسباب إهمال  المادة أيضا وعدم منحها ما تستحقها من عناية بحكم أصالتها وحيويتها: نظرة العلمانيين والحداثيين الذين تعج بهم مرافق الدولة والقطاعات التسييرية إلى مادة التربية الإسلامية بكونها لا تساير العصر الحالي بزخمه وتطوره وتقدم معارفه، وأن المغاربة مسلمون أبا عن جد ولا داعي لتخصيص حصص كثيرة لهذه المادة، فضلا عن اعتبارها مادة أدبية لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة للطالب في امتحاناته ولدى تخرجه... ومن ثَم حرصوا على جعلها مادة ثانوية لا تمتلك "المعامِل" الحاسم في النجاح أو الرسوب، وهو الواقع الذي جعل نسبة كبيرة من التلاميذ يتجاهلون المادة ويستخفون بها ولا يحضرون حصصها إلا مُكرَهين.

 

مشكلات بالجملة

وأكد عبد السلام الأحمر، عضو الرابطة المحمدية للعلماء ونائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، في حديث مع مجلة "الفرقان" أنه يوجد على رأس المشكلات التي تعرقل مسار مادة التربية الإسلامية ما يمكن عدّه مناخا عاما يسود داخل المؤسسات التعليمية ويتمثل في فقدان الرغبة في التعليم والتعلم سواء من طرف الأستاذ أم من طرف التلميذ، فضلا عن عدم قيام الإدارة التربوية بدورها في توفير الأجواء المناسبة للعمل الجاد والمتزن، مضيفا أن المدرسة العمومية بدأ يدب إليها الوهن والإعياء من كل جانب؛ حيث أصبح يُنظر إليها بكونها لم تعد تؤدي وظيفتها كما يجب، وأن جميع الأطراف الفاعلة داخلها متقاعسة عن القيام بمسؤولياتها؛ الأمر الذي يجعل من يريد أن يعلم أو يتعلم يفتقد الحوافز والظروف التي تجعله يسهم ويتفاعل إيجابياً مع مقتضيات التحصيل العلمي والمعرفي.

وسرد المفتش التربوي الممتاز مشكلة ضحالة حصص مادة التربية الإسلامية، فلا يُحسن الاستفادة منها: "هذا  الكم من الحصص يبقيها ضمن المواد الثانوية، والمنظومة التعليمية تنظر إلى مادة التربية الإسلامية بكونها مادة تكميلية ولا تكفي لإعداد الطالب لولوج سوق العمل، متغافلة عن أن إعداد المواطن وتحمل مسؤولياته الخاصة والعامة وامتلاك حس الأمانة والأخلاق الكريمة يمر من خلال مادة التربية الإسلامية".

وقال الأحمر: إن مادة التربية الإسلامية تعاني أيضا نقصان عدد المؤطرين والمفتشين في المادة ليضمنوا التأطير اللازم لأساتذة هذه المادة الذين لا يتوفرون أحيانا كثيرة على الوقت ولا على  الكفاءة لجعل أجيالنا الناشئة تحصل على تكوين إسلامي رصين، مبرزا أن حوالي 40٪ من مدرسي مادة التربية الإسلامية ليسوا من  خريجي كليات الشريعة الإسلامية، مما يعد خطرا تربويا محدقا يهدد أجيال المتعلمين الذين قد ينفرون كليا عن المادة بسبب عدم تخصص هؤلاء الأساتذة.

واستدرك الأحمر بأن مادة التربية الإسلامية -بعد الإصلاح الذي عرفته - أصبحت تشهد بعض التطور والتجديد، الذي يتجلى ولاسيما في تقوية حضور البعد التربوي في المقررات الحالية للمادة؛ حيث تم اعتماد مواضيع تربوية تستغرق جل مجالات السلوك الفردي والاجتماعي، فنجد التربية الاعتقادية والتربية التعبدية والتربية المالية والتربية الأسرية وغيرها.

 

نصرة التربية الإسلامية

ويرى الدكتور محمد عز الدين توفيق، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الدار البيضاء، أن التضييق على مادة التربية الإسلامية أو إهمالها يعد جريمة في حق الجيل؛ لأن من حقهم أن يتعلموا أمور دينهم، مبرزا أن "البعض يتصور أنه بتقليص حصص التربية الإسلامية أو حتى حذفها، سيسهم في نشر اللادينية ويدفع باتجاه العلمانية"، لكن الواقع أن "تدريس الإسلام تحت الإشراف والمراقبة خير - على المدى البعيد -  من أن يشيع بأن المدرسة المغربية لا تعطي الكفاية في العلوم الإسلامية؛ مما يفتح المجال لأشكال أخرى من التأطير الديني التي لا تخضع للإشراف ولا للمراقبة".

وأكد الداعية المغربي أن مسؤولية العلماء والدعاة في نصرة مادة التربية الإسلامية وتبيين المخاطر التي تحدق بها وإبراز أهميتها وضرورتها الحتمية للناشئة التي تجهل في أغلب الحالات الدين ومقتضيات الإسلام السمح هي مسؤولية واجبة، مضيفا أنه على العلماء والدعاة أن "يبينوا أن مادة التربية الإسلامية هي القاسم المشترك في منظومتنا التعليمية، وأن الدول التي تحرص على تنشئة أبنائها تنشئة إسلامية تعطي أولوية لهذه المادة وتعلي من شأنها ومن معاملها ومن حصصها".

وأوضح توفيق في حوار صحفي سابق حول قضايا التربية الإسلامية أن "التجربة الواقعية التي يحملها هؤلاء العلماء تجعلهم يؤكدون أن ما يحمله الطلاب بعد التخرج عن دينهم محدود وقليل"، مردفا بالقول: "فكيف إذا تم الإجهاز على هذه المادة اليتيمة التي تصلهم بالإسلام وعلومه؟! فلاشك أن هذه المحدودية والقلة وهذا الضعف في التكوين الشرعي سيستفحل".

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك