رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 9 يناير، 2024 0 تعليق

لمحة عن تاريخها ودورها الحضاري – الأوقاف الإسلاميّة – في بيت المقدس وعموم فلسطين

  • كانت القدس تزخر بالمكتبات الخاصّة والعامّة على مرّ تاريخها الإسلامي وكان المسجد الأقصى عامرًا بحلقات العلم الشرعيّ بمختلف فروعه
  • من أشهر المكتبات العامّة مكتبة المسجد الأقصى المبارك ومكتبة قبّة الصخرة وقد وُقفت على المسجد الأقصى كتبٌ ومصاحفُ لا تُحصى من كلّ شرائح المجتمع
  • كانت البيمارستانات مأوى مفتوحا للفئات المهمّشة من شديدي الفقر الذين تأذت صحّتهم نتيجة فقر شديد أو لذوي العاهات وأصحاب الأمراض العقليّة والنفسيّة والمجانين
 

جعل الإسلام الوقف في منزلة كبرى، بل جعله من أولويات المجتمع المسلم؛ فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أول من أوقف في الإسلام أرضا على فقراء المسلمين، تلاه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي اشترى بئر (رومة)، وأوقفها على سقيا الناس، فأقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظام الوقف، وطبقه التطبيق العملي في بناء مسجد قباء بأموال المسلمين، كما قال جابر بن عبدالله: «لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا مقدرة إلا وقف»، وقد تميزت مدينة القدس مثل غيرها من مدن العالم الإسلامي بكثرة الأوقاف فيها، ومن ذلك الوقف على المكتبات.

        كانت القدس تزخر بالمكتبات الخاصّة والعامّة على مرّ تاريخها الإسلامي، فهي رحلة العلماء وطلّاب العلم والمرابطين، وكان المسجد الأقصى عامراً بحلقات العلم الشرعيّ بمختلف فروعه، فلا غرابةَ بعد ذلك في انتشار المكتبات في بيوت المدينة.

المكتبات العامّة

        أمّا المكتبات العامّة، فأشهرها على الإطلاق، مكتبة المسجد الأقصى المبارك، ومكتبة قبّة الصخرة، وقد وُقفت على المسجد الأقصى كتبٌ ومصاحفُ لا تُحصى من كلّ شرائح المجتمع، بدءًا من السلاطين المماليك والعثمانيّين خاصّة، بل أرسل السلطان أبو سعيد عثمان بن أبي يوسف المريني أحد سلاطين المغرب مصحفاً كتبه بخطّ يده! وجعله لمكتبة المسجد الأقصى، وكذلك المصاحف التي أرسلها السلاطين: برسباي، والظاهر جقمق، والأشرف أينال، والظاهر خشقدم، من المماليك، والسلطان سليمان القانوني من العثمانيّين، وما سوى هاتين المكتبتين من المكتبات العامّة فهي مكتبات المدارس التي زخرت بها القدس، فلم تخلُ مدرسةٌ من دارٍ للكتب أو خزانة كتب، ولقد كانت مكتبة المدرسة الفخريّة من أغنى المكتبات بالكتب الشرعيّة وكتب الفنون الأخرى.

الثانية: الأوقاف على الصّحّة العامّة

         المقصودُ بالأوقاف على الصّحّة العامّة أعمّ من المستشفيات؛ فإنَّ الصّحّة العامّة ترتبطُ بالنّظافة العامّة وجودة الطّعام ونقاوةِ الشّراب، فيدخل في ذلك الأسبلة والأحواض والصهاريج والحمّامات، فضلا عن المستشفيات ودور الصيادلة والمدارس الطّبيّة الملحقة بالمستشفيات، ووقف كتب الطّبّ، ونحو ذلك. ومن أشهر ما ذُكر في القدس من الأوقاف على الصحّة العامّة:
  • أوّلاً: البيمارستان الصلاحي
أُنشِئَ هذا البيمارستان من عصر العُبيديّين الفاطميّين، فقد مرّ الرّحّالة أبو معين الدين ناصر خسرو المروزي من القدس في أثناء حكمهم لها، وذكر أنّ بها «مستشفى عظيم عليه أوقاف طائلة، ويصرف لمرضاه العديد من العلاج والدّواء، وبه أطبّاء يأخذون مرتّباتهم من الوقف المقرر لهذه المستشفى». لكن لما أنعم الله -تعالى- بالفتح الصلاحي على مدينة القدس بعد احتلال الصليبيين، كان هذا البيمارستان قد تهدّم جزءٌ كبيرٌ منه، فأعاد صلاح الدّين عمارته وبناءَه في (583هـ)، وهيّأ له ما يكفي من الأطباء والأدوية والعلاجات، وعُرف منذ ذلك الوقت بالبيمارستان الصلاحي، ووَقفَ عليه أوقافاً كثيرةً، كان يقع في خطّ الدّركاه الذي يلي سوق العطّارين بحسب وصف العليمي، وما زال سوق العطّارين معروفاً في القدس العتيقة إلى اليوم. وتذكر بعض المصادر أنَّ هذا البيمارستان تهدّم معظمه -مع الأسف- في زلزال وقع سنة (863هـ)، وكان شديداً، فاختفت آثار المستشفى تقريباً، وتمّ التصرّف في أرضه في وجوهٍ كثيرةٍ بعد ذلك، وهذا ليس دقيقاً؛ إذ ذكرت مصادر أخرى أنَّه أُعيدَ ترميمه وتطويرُه تطويرا ملحوظا في الحقبة العثمانيّة، وبالتحديد عام (978هـ)، وصار رئيس الأطبّاء فيه يُعيَّن بفرمانٍ سلطانيّ، نظراً لأهمّيّة المكان وحساسيّة المنصب ورمزيّته.

تجديده على يد صلاح الدّين

         أمّا في السنوات فيما بين تجديده وتجديد أوقافه على يد صلاح الدّين الأيّوبيّ، وبين انهدامه في الزلزال، فقد عمل أعمالاً جليلةً وقدّم خدماتٍ عظيمة، يظهر أنّها تجاوزت بكثير حدود مدينة القدس المعروفة اليوم، مع أنّ عدد سكّانها في القرن الخامس الهجري، أي قبل إعادة تجديده بأكثر من 100 عام كانوا نحو عشرين ألفاً.

توسعة الأوقافِ

         ولذلك تتابع العامّة والأمراء والوجهاء على توسعةِ الأوقافِ على هذا المستشفى، فوُجدت عليه أوقافٌ من نساء في منطقة (بني زيد)، وهي تقع إلى الشمال الشرقيّ من مدينة رام الله اليوم، وأوقافٌ أخرى في القدس نفسها من الدكاكين والدُّور والحوانيت عليه وعلى إدارته ونفقات تشغيله، أو لأجل التوسعةِ على المرضى النّازلين فيه.

المنشآت الوقفيّة الصّحيّة

والظّاهر أنَّ المنشآت الوقفيّة الصّحيّة لم تتعدّد في القدس في تلك الحقبة لسبب معقول؛ هو أنّ البيمارستان الصلاحي كان يفي بحاجة أهل المدينة وزوّارها، أمّا حواضر فلسطين الأخرى فقد كانت جميعًا فيها مستشفياتها، فقد وُجد مستشفىً آخر في نابلس، وآخر في عكّا وقَفَه صلاح الدّين نفسُه بعد مسيره من القدس إلى دمشق بعد تجديده للبيمارستان الصلاحي، ومستشفى آخر في صفد كان ذائع الصيت، إلى غير ذلك.    

الدّور الحضاري  بيمارستانات الوقفية

  • مجّانيّة العلاج لجميع أطياف المجتمع.
  • مجانيّة القيام على شأن الموتى بالتغسيل والتكفين، وقد نصّت بعض الوقفيّات صراحةً على هذا الغرض، مثل وقفيّة الأمير حسام الدّين بن بركة خان (ت 661هـ)، فقد جاء فيها أنّه وقَفَ قرية (دير الغصون) على تجهيز الموتى بالقدس الشريف، ولم يكن بالقدس مستشفى في تلك الفترة سوى الصلاحي.
  • كانت البيمارستانات صمّام الأمان في فترات الأوبئة والجوائح.
  • كانت مأوى مفتوحا للفئات المهمّشة من شديدي الفقر الذين تأذت صحّتهم نتيجة فقر شديد، أو لذوي العاهات وأصحاب الأمراض العقليّة والنفسيّة والمجانين، فكانت تخدم هؤلاء جميعًا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك