رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد بن حسن المعلم 19 أغسطس، 2010 0 تعليق

لمحة تاريخية عن اليمن الموحد في الماضي والحاضر

 هذا ملخص ورقة بعنوان: «لمحة تاريخية عن اليمن الموحد في الماضي والحاضر»، وكان الباعث على كتابتها الرد على بعض المتقلبين مع الأحوال، الذين يصفقون للوحدة في حال الاتفاق والانسجام، ويفدونها بالروح والدم كما يقولون، وينكرون أن يكون جنوب اليمن شقيق شماله حينما تتعكر الأجواء، ويبرز الخلاف أو يظهر من ينادي بالانفصال، بل بلغ الحال ببعضهم أنهم ينكرون أن يطلق اسم اليمن على المحافظات الجنوبية أو بعضها، وهذه غاية المكابرة ونهاية الإسفاف؛ فمن أجل إسكات تلك الأصوات جاءت هذه الورقة.

عناصر الوحدة

للوحدة ركنان أساسيان هما: وحدة الأرض، ووحدة الإنسان، وهذان الركنان قائمان، ولكل واحد منهما عناصر كثيرة، ذكرت عددا منها.

 

1. عناصر الوحدة في الأرض اليمنية:

الأرض اليمنية أرض واحدة، فجميع الأراضي التي تشملها حدود الجمهورية اليمنية قد نص العلماء على أنها من اليمن شمال تلك الأرض وجنوبها، ولو ألقيت نظرة على كتب البلدان الجغرافية أو التاريخية لوجدت الدليل على ذلك، فانظر «معجم البلدان» لياقوت الحموي أو صفة جزيرة العرب للهمداني أو غيرهما؛ فقد نصوا على أن عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة مخاليف من مخاليف اليمن، وأوردوا من أشعار العرب ما يؤيد ذلك.

 

هذا ما يتعلق بالأرض اليمنية، أما ما يتعلق بالإنسان اليمني، وهو الركن الثاني: فإن الإنسان في جميع جهات اليمن وأنحائه هو إنسان موحد في أهم مقوماته؛ فدين اليمنيين في الجاهلية موحد - أعني أن أي ديانة تنتشر في جزء من أجزاء اليمن هي منتشرة كذلك في بقية أجزائه غالبا - فديانة التوحيد التي كان عليها اليمنيون قبل الشرك هي في الغالب قد شملت كل الأرض التي قد عمرت في اليمن آنذاك.

ثم الديانات الوثنية كعبادة الأصنام والشمس والقمر هي كذلك توجد في كل أطراف اليمن.

وما طرأ من ديانات أخرى كاليهودية والنصرانية، وربما المجوسية لم تختص بجزء من اليمن دون آخر، فديانة اليمانيين في الجاهلية واحدة وديانتهم في الإسلام واحدة، وهذا لا يمكن لأي مكابر جحده.

 

وحدة النسب

جميع اليمنيين مرجع نسبهم إلى قحطان أبي العرب العاربة، قال ابن منظور في «لسان العرب» (1/587): «واختلف الناس في العرب لمَ سُمّوا عربا، فقال بعضهم: أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعرب بن قحطان وهو أبواليمنيين كلهم» هذا في النطق وكذلك في الكتابة، فالقلم اليمني واحد وهو قديما المسند الذي ينسب إلى حِمْيَر وهو موجود في جميع أصقاع اليمن، قال ابن عبيدالله في «إدام القوت» (ص42): «وحضرموت مظنة الكنوز والمعادن، والكتابات بالمسند الحميري موجودة بكثرة على حجارة أطلالها من البلدان القديمة».

أما بعد فشو الخط العربي الشامل، فقد شمل جميع اليمن، وكذلك ثقافة اليمن شعرا ونثرا وفنا كل ذلك شامل لليمن جميعه.

 

وحدة الفضائل والخصائص

تميزت اليمن بوجود الكثير الطيب من الأحاديث النبوية الصحيحة المبينة فضائلها وفضائل أهلها، والمبينة للخصائص العظيمة والكريمة التي يتحلون بها، وينفردون ويتميزون بها عن غيرهم، وهي عامة لأهل اليمن وليست خاصة بجهة منها دون جهة أو خارج عنها جهة دون أخرى، يقول السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه «الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها» (ص7): «اعلم أنه ورد في فضل اليمن وقبائلها آيات وأحاديث صحيحة بأسانيد متعددة، وقد جمعها صاحب كتاب: «الدر المكنون» ونقحها وذكر شواهدها على وجه مفيد، وقد أطال وأطاب؛ فمن أراد الاستقصاء فليرجع إليه، وحضرموت من اليمن كما تصرح به الأحاديث وليست داخلة إن شاء الله في المشرق الذي وردت فيه الأحاديث بما وردت».

إن الذي يصر بعد ذلك على إخراج نفسه وجهته من تلك الفضائل هو إما جاهل أو ضعيف الإيمان بتلك الفضائل غير مكترث بها.

 

الوحدة السياسية

ليست الوحدة السياسية هي المقياس الذي يحكم به على وحدة البلد أو تفرقها، وإنما الوحدة السياسية هي نتيجة لاكتمال العناصر المكونة للوحدة، وزوال العوائق والموانع المانعة من وجودها.

وهذا هو الحاصل في اليمن منذ فجر تاريخه إلى اليوم؛ فمتى زالت عوائق التفكك توحد اليمن سياسيا، ومتى وجدت حصل فيه التشطير الذي يتبادر إلى الذهن والذي كان موجودا قبل الوحدة المباركة، بل إلى أبعد وأكثر من ذلك بحيث قد توجد العشرات من الدول تحكم كل واحدة جزءا من اليمن في آن واحد، وأوضح مثال حالة الشطر الجنوبي قبل الاستقلال.

ففي الجاهلية عندما تنشأ دولة قوية شابة ذات مجد وحضارة وسيادة يتوحد اليمن تحت سلطانها، ومتى ضعفت عاد الطامحون في السلطة إلى الظهور وعادوا إلى الانفصال عنها.

وقد أثبت التاريخ وجود تلك الدول القوية التي حكمت اليمن الطبيعي كله، وتجاوزته إلى بلدان أخرى كثيرة.

فمن تلك الدول: دولة سبأ ودولة حمير ودولة حضرموت وغيرها، وهذه الدول قد عمر بعضها في المجد والسيادة قرونا، حتى إنه في العهد السبئي عهد التبابعة كان لفظ «تُبّع» لا يطلق إلا على من ملك اليمن من أقصاها إلى أقصاها، ونصوا على أنه لا بد أن يملك حضرموت فيما يملك، وقد لخص مسيرة الوحدة اليمنية في تلك الفترة الباحث المتخصص في شؤون الوحدة اليمنية خالد ابن محمد القاسمي في كتابه: «الوحدة اليمنية حاضرا ومستقبلا» (ص60-61) فقال: «ولما كان هذا الموضوع لا يهدف إلى تتبع تلك المسيرة الحافلة بأحداثها، فإنه يمكننا أن نكتفي بالإشارة إلى أن واحدا من تلك الكيانات السياسية التي كانت قائمة قد ظل له باستمرار صفة الكيان الخاص الذي يتمتع بمكانة متميزة، ولم يكن هذا الكيان ذو الوضع الخاص والمتميز إلا كيان «دولة سبأ» الذي كان يمثل نقطة الاستقطاب، ويكفي أن نتتبع اللقب الرسمي للحاكم السبئي وكيف تطور وتوسع طبقا لاتساع وتطور مسيرة الوحدة اليمنية في العصور القديمة، فمنذ العهد السبئي، الذي لا نعرف بداية تاريخه على وجه الدقة ولكن أقدم النقوش المعروفة عن هذا العهد يرجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد، كان اللقب الرسمي لحاكم سبأ هو «مكرب سبأ»، ثم تطور هذا اللقب في القرن الرابع قبل الميلاد فأصبح «ملك سبأ»، وكان ذلك في عهد الملك «كريب الوترا»، وبعد مرور قرنين من الزمن تقريبا أي في القرن الثاني قبل الميلاد، اندمج الكيانان الرئيسان على الساحة اليمنية وهما «كتلة سبأ كهلان» وكتلة «حمير بنو ريدان»، فظهر اللقب الملكي «ملك سبأ وذي ريدان» ولعل أول من حمل هذا اللقب هو «الشرح يحصب الأول»، وبحلول القرن الثالث للميلاد بلغت الوحدة اليمنية غايتها، فظهر لقب: «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة»، وأول من حمل هذا اللقب هو «شمرة يهرعش الثاني»، وبعد ذلك ظهر لقب: «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة وأعرابهم طودا وتهامة»، وأشهر من تلقب به «أبوكرب أسعد الكامل» المعروف بالتُبّع الأعظم الذي حكم في بداية القرن الرابع للميلاد، واستمر الحال على ذلك حتى أوائل القرن السادس الميلادي، عندما تولى الحكم يوسف ذو نواس من عائلة ذي يزن الحميرية الذي تم في عهده الاحتلال الحبشي لليمن وذلك في عام 525م فتمزقت الوحدة اليمنية وحكم البلاد العديد من الأقيال والأذواء في الوقت الذي لم تنقطع فيه مقاومة اليمنيين للغزو الحبشي عبر فترة من الزمن تقرب من 50 عاما. ولكن لم تكد تخرج البلاد من نير الاحتلال الحبشي حتى وقعت أجزاء منها وبالأخص العاصمة صنعاء تحت الحكم الفارسي، الذي بدأ في عام 575م تقريبا، واستمر حتى دخل اليمنيون في دين الإسلام بعد هجرة الرسول [ إلى المدينة المنورة في عام 662م».

 

وضع اليمن السياسي في صدر الإسلام

هذه هي وحدة اليمن السياسية قبل الإسلام، أما وضع اليمن السياسي بعد أن استظل بظل الإسلام، فقد ازداد توحده وتجمعت أنحاؤه تحت راية الإسلام الواحدة؛ فصار وحدة إدارية تنقسم إلى مقاطعات عدة، وظل على وحدته إلى العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي وصدرا من الخلافة العباسية، ثم أصابه ما أصاب غيره من النزعة الاستقلالية وظهرت على أثر ذلك دويلات يضيق نفوذها حينا ويتسع حينا آخر، ولكن الدول الكبيرة والقوية قد عملت على توحيد جميع أجزاء اليمن، ومن تلك الدول: الدولة الزيادية، والدولة الصليحية، والدولة الأيوبية، والدولة الرسولية، والدولة الطاهرية، ثم دولة الأئمة في القرن الحادي عشر الهجري على عهد الإمام المتوكل على الله، وربما تكون محاولته هي آخر المحاولات لجمع أنحاء اليمن تحت راية واحدة، ثم تعمقت الانقسامات وكثرت الدويلات من دولة إمامية زيدية إلى سلطنات ومشيخات ونحو ذلك من المسميات، حتى وقعت المحافظات الشمالية تحت حكم العثمانيين للمرة الأولى والثانية، ووقعت المحافظات الجنوبية تحت الاستعمار البريطاني، ومن خلال صراعات العثمانيين والإنجليز على السيادة على اليمن ثم المصالحات والاتفاقات التي وقعت بينهم تبلور التقسيم الذي استقر عليه الوضع إلى قيام الثورة اليمنية.

 

الحنين إلى الوحدة

ظل الحنين إلى الوحدة كامنا في نفوس المفكرين والمهتمين بهذا الشأن، وفي أثناء الاستعمار حينما بدأ يروج لمشاريع من شأنها إعطاء الجزء اليمني أسماء تفصله عن واقعه التاريخي، وحينما كانت بعض الجاليات التي جلبها الاستعمار إلى عدن تحاول أن ترسخ انتماء خاصا بعيدا عن اليمن، كان هناك من يواجه ذلك ويرفضه، وينادي بأن الجنوب العربي - كما يحلو للاستعمار أن يطلق عليه - هو جنوب اليمن، وكم عقدت من ندوات وكتب وأبحاث ومقالات في ذلك الموضوع.

وذهبت تلك الأصوات المناطقية والفئوية أدراج الرياح، ورسخت الأصوات التي كانت تنبع من الواقع وتستلهم التاريخ، وقويت، ومع اندلاع ثورة (26) سبتمبر تحول الحنين والأحلام إلى عمل ونضال، وتحركت مجاميع من رجال المحافظات الجنوبية إلى صنعاء للمساهمة جنبا إلى جنب مع إخوانهم في الشمال في نضالهم لترسيخ الجمهورية والقضاء على فلول الإمامة، وفي الوقت نفسه أصبحوا يجدون موطئ قدم ينطلقون منه للعمل على تحرير بلادهم من الاستعمار، وكانت مدينة تعز هي قاعدة للتحرك وموائل التجمع للثوار الجنوبيين، وكان من أبرز أهداف الثورتين «تحقيق الوحدة اليمنية»، وسالت دماء المناضلين جنبا إلى جنب من الشمال والجنوب في كثير من مواقع في الشمال والجنوب حتى نجحت الثورتان (26) سبتمبر و(14) أكتوبر.

وكان أول إعلان عن انتماء الجنوب المحرر إلى اليمن هو تسمية الدولة؛ حيث كان اسمها «جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية»، وثاني إعلان قوي ومباشر للتحفيز على الجد في تحقيق الوحدة اليمنية الشعار الذي رفعه الجنوبيون وجعلوه شعار الدولة مكتوبا ومقروءا، يهتف به طلاب المدارس وكتائب الجنود وتروّس به المطبوعات الرسمية والعرائض الأهلية: «لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية تحقيق الوحدة اليمنية».

وفي الإطار نفسه كانت كل حكومة في الشطرين تضم وزارة لشؤون الوحدة، ورغم كل ما حصل من حروب واتفاقات وقرب وبعد بين النظامين إلا أن قدرا مشتركا كان حاضرا في جميع تلك الأطوار، ألا وهو إعلان الجميع عن الرغبة في تحقيق الوحدة.

حتى جاء ذلك اليوم الذي وقعت فيه اتفاقية الوحدة يوم 30 نوفمبر عام 1989م وتلاه يوم 22 مايو يوم تحقيق الوحدة الذي كان من أسعد أيام الدهر لدى اليمنيين، واتفق الجميع على الترحيب به وإظهار البهجة والسرور به، وتلته الفترة الانتقالية فترة المجاذبات والمكايدات ومحاولة كل طرف أن يرسخ نفسه ويتوسع على حساب الآخر، هذه الفترة أذهبت الكثير من البهجة والسرور والأمل الذي رافق الإعلان عن تحقيق الوحدة وجرى فيه ما جرى حتى ظهرت الحرب الكلامية، ثم الاعتكاف الشهير لعلي سالم البيض، ثم التحضير لحرب الانفصال ثم حدوثها بالفعل، وبعد مضي ما يقارب الشهرين وذهاب آلاف الضحايا وخسارة المليارات من الريالات انتصرت الوحدة، وفرح المخلصون والمحبون للوطن وللأمة وللدين والتاريخ بالقدر الذي حزن وأحبط الطرف الآخر.

واستؤنفت عجلة الحياة، عجلة اليمن الموحد التي تحمل معها الكثير من الخير ومن العطاء ومن التنمية ومن الإنجازات، كما تحمل معها الكثير أيضا من الأخطاء، من السياسات الفاشلة، ومن التسلط المقيت ومن بعض المتنفذين، من استغلال كبير من بعض الشخصيات للوضع الجديد لتحقيق المكاسب الخاصة وبأساليب مقيتة مقززة، مع غض الطرف أو عدم مبالاة من السلطات، هذه أبرز المنغصات التي كانت البذرة الأولى للسخط والاستهجان لدى الكثيرين من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، وكانت المدخل الكبير للمتربصين والمتآمرين على الوحدة، وبعدما يقارب 15 عاما ظهر السخط جليا وشاملا رافعا صوته؛ لأنه كما يبدو وجد الضوء الأخضر للانتقال إلى مرحلة
أخرى تتلوها مراحل لتقسيم اليمن وتفتيته، وهناك عوامل داخلية وخارجية كثيرة دفعت بالجنوبيين إلى هذه المرحلة من السخط والتذمر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك