رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 18 أكتوبر، 2010 0 تعليق

لماذا تحرق مساجـدنا؟!

 

منذ احتلال اليهود لأرض فلسطين في عام 1948 م، لم ينقطع مسلسل الاعتداءات على مساجد فلسطين ، فتم تدمير أكثر من 1200 مسجد، والذي بقي منها في مناطق الـ(48) - التي كانت قائمة قبل الاحتلال- حوالي 100 مسجد إلى الآن، وتلك المساجد لم تسلم من أناس عرفوا عبر التاريخ بسوء الخلق والكذب والافتراء والتحريف الذي اتخذوه وسيلة للكسب؛ حيث قامت المؤسسات الرسمية اليهودية بتحويل بعض المساجد إلى كُنُسٍ يهودية: كمسجد العفولة، ومسجد طيرة الكرمل، ومسجد أبي العون، وبعضها الآخر حُوِّل إلى خمارة كمسجد بيسار، وناد ليلي كمسجد السكسك في منطقة يافا، ومسجد عسقلان ما زال يستعمل كمطعم ومتحف وغيرها الكثير الكثير.

ولم يكتف الاحتلال بذلك فقام ببيع بعض المساجد كمسجد الشعرة الشريفة والست سكينة في صفد شمال فلسطين؛ حيث تحولا إلى كنس لليهود، وسمي مسجد الست سكينة بـ (كنيس راحيل) ومسجد أبي هريرة في وادي حنين قضاء الرملة (وسط) إلى كنيس باسم (الراف غمليئيل)، ولم تسلم المقابر فقد حولوا مقبرة في يافا إلى فندق «هيلتون تل أبيب»، ومقبرة سلمي في يافا إلى شقق سكنية ومقبرة العفولة إلى موقف سيارات، والآن شرعوا في بناء متحف ومبنى للمحاكم في مقبرة مأمن الله في مدينة القدس!!

وتم بعد ذلك حرق المسجد الأقصى عام 1969م، وصرح المجرم الحارق (دينيس مايكل) لدى اعتقاله بأن ما قام به واجب ديني كان ينبغي عليه فعله، وأعلن أنه قد نفذ ما فعله كمبعوث من الله!! حيث يعتقد اليهود أن (تيطس) قد دمر الهيكل الثاني الذي يزعمون أنه كان مقاما مكان المسجد الأقصى في 21/8/70م؛ ولذلك فإن هذا التاريخ يمثل ذكرى حزينة لديهم، ولذلك لديهم الدافع لارتكاب اعتداءات ضد المسلمين وضد المسجد الأقصى للإسراع في بناء الهيكل الثالث المزعوم؛ ولهذا يلاحظ أن الاعتداءات اليهودية عادة ما تزداد في شهر أغسطس من كل عام منذ احتلال اليهود لأرض فلسطين!!

الحرق المنظم

خلال عام 2010م صعّد اليهود من اعتداءاتهم على مساجد فلسطين، حيث اقتحم مغتصبون يهود مسجدًا في حوارة ودنسوه بعبارات مسيئة للإسلام ورسموا على جدرانه نجمة داود، وتم تدمير قسم من المسجد الواقع في بلدة اللبن الشرقية قرب نابلس ومسجد بورين بشمال الضفة الغربية، وقبل ذلك الاعتداء على مسجد الراس في الخليل بكتابة الشعارات العنصرية، كما تم حرق مسجد بقرية ياسوف، وحرق مسجد الأنبياء في بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، وكتبوا شعارات داخل المسجد باللغة العبرية تحرض على قتل الفلسطينيين وتسيء لمشاعر المسلمين، واشتبك الأهالي بالأيدي مع المغتصبين إلى أن حضر الجيش وفض الاشتباك.

وترك المستوطنون عبارات: «المسجد رقم 18 الذي يحرق»، و«الانتقام» لتكون تلك الكلمات والعبارات دليلا على جريمتهم، وتأكيداً لوجود جهة منظمة تقف وراء حرق مساجد الضفة الغربية ، هذا ما دفع بعض المختصين إلى التصريح بوجود تنظيم للمغتصبين اليهود يستهدف المساجد في فلسطين، أما موقف قوات الاحتلال من ذلك فهو الرعاية والحماية لتلك الأعمال الإجرامية قبل التنفيذ، والتحقيق والاستنكار بعد الحرق والتدمير.

ويرى بعض المتابعين لممارسات المغتصبين اليهود أن تلك الجرائم هي ضمن  سياسة أُطلق عليها عبارة: «الثمن الواجب دفعه»، وتتمثل في شن هجمات انتقامية منهجية ضد أهداف فلسطينية في كل مرة تتخذ فيها سلطات الاحتلال إجراء يعدونه مناهضا للاستيطان!!

والاعتداء على المساجد ليس مقصوراً على الشعب دون الحكومة، فقد قصفت قوات الاحتلال عشرات المساجد خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة، حيث تم تدمير خمسة وأربعين مسجداً تدميراً كاملاً، وكذلك تدمير خمسة وخمسين مسجداً تدميراً جزئياً، كما تم تدمير عشرات المساجد الأخرى بدرجات متفاوتة، والاعتداءات الصهيونية على بيوت الله تسير ضمن سياسة مبرمجة تخطط لها سلطات الاحتلال؛ حيث قامت بذلك المخطط منذ عام 1948م وإلى الآن.

مساجدنا تحرق و آثارهم ترمم!!

ترادف مع تلك الاعتداءات على مساجد المسلمين ومقابرهم في فلسطين، نشاط ملحوظ للكيان اليهودي عبر مؤسساته العلمية والتراثية في عقد المؤتمرات والندوات وتقديم الدراسات لتوثيق ما يزعمون أنها أملاك اليهود في العديد من الدول العربية - مصر على وجه الخصوص- والمطالبة بترميم تلك الآثار وتخصيص المبالغ الضخمة للتنفيذ؛ حيث تلقت القاهرة مقترحاً كان معداً بإتقان وتضمن تقديراً لتكاليف الترميم لآثار زعموا أنها يهودية في منطقة الفسطاط - حي مصر القديمة - الذي يقع جنوب العاصمة القاهرة، بنحو 50 مليون دولار أمريكي، وأرفق مع الطلب استعداد أحد رجال الأعمال اليهود المقيمين في نيويورك لحمل تكاليف ترميم تلك الآثار، وكان فريق علمي من إحدى الجامعات العبرية انتهى من عملية بحث طويلة رصد خلالها غالبية الآثار اليهودية في مصر، التي ادعى أنها المباني التي يتجاوز عمرها 100 عام.

فمع قلة عدد اليهود المصريين المقيمين في مصر حالياً؛ حيث لا يزيد عددهم عن 200 يهودي وبعضهم يقدر عددهم بـ100 فقط، وعلى الرغم من اندماجهم داخل المجتمع المصري، إلا أن المطالبة بإقامة متحف يهودي في القاهرة ما زالت قائمة بدعوى أن الآثار اليهودية في مصر كثيرة، رغم تأكيد علماء الآثار أنه ليس لليهود في مصر آثار تستدعي وجود مثل هذا المتحف المستقل، ومن الناحية العملية فقد تم ترميم المعبد اليهودي موسى ابن ميمون في القاهرة القديمة، وسبق أن أصدرت سلطات الاحتلال قبل فترة أوامر هدم لمسجد الصحابي الجليل سلمان الفارسي في قرية بورين جنوب محافظة نابلس، والعزاء لمساجدنا ووقفياتنا ومقابرنا نحن المسلمين في فلسطين.

لماذا تحرق مساجدنا وتمزق مصاحفنا؟!

مساجدنا تؤرقهم، وقرآننا يقلقهم، وصلاتنا توترهم، ويقض مضاجعهم تعلقنا بكتاب ربنا وسنة نبينا محمد[، أما تاريخنا فإنه بلا شك يمثل رُعباً حقيقياً لهم، كيف لا يعادون مساجدنا وكتاب ربنا (القرآن الكريم) أوضح وأفصح كتاب فضح اليهود وكشف سوآتهم وعرّى مخازيهم؟ ولله الحمد أن هذا الكتاب خالد باقٍ محفوظ من التحريف والتبديل، يتلى آناء الليل وأطراف النهار، باقياً وفاضحاً لليهود، وهو القرآن الكريم، الذي بلغ فيه الحديث عن بني إسرائيل واليهود في نحو خمسين سورة من سور القرآن الكريم.

لا شك أن ممارسات اليهود تنم عن الوقاحة والحقد الدفين على المسلمين وديانتهم وكتابهم الكريم، فلم تتوقف محاولات تحريف القرآن الكريم والتشكيك في صحة آياته، وما زال مسلسل نشر الكتب المشوهة للإسلام وسيرة النبي محمد[ مستمرا، وجاء تدنيس القرآن الكريم من جملة النصائح التي تلقوها من الخبراء في الشأن الإسلامي، بأن ذلك من أشد ما يؤثر في المسلم ويشعره بالإهانة والمذلة، وقد يؤدي به إلى الانهيار والاستسلام الكامل؛ فالمقصود من هذا الإذلال المدروس.

في السابق عادوا الرسول محمداً[ مع معرفتهم أنه رسول من عند الله تعالى؛ فقد رُوي بالسند إلى صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها قالت: «سمعتُ عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: «أهو هو؟» - وذلك بعد أن ذهبا إليه وجلسا إليه وسمعا منه- قال: نعم والله، قال أتعرفه وتثبته؟ قال نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بَقيتُ»، وبالفعل كان حيي وأخوه مدة حياتهما عدوين لله ورسوله، بل كانا من أشد اليهود عدواة وحقداً، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام؛ وذلك مصداق قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا}.

والحسد من اليهود لهذه الأمة ليس بجديد فقد أخبرنا به العليم بحالنا وحالهم، قال تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي[ قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين».

أما المقولة التي نقلها الصحافي الأمريكي (سيمور هيرش) حين جرى لقاء بين نائب الرئيس الأميركي (ديك تشيني) ورئيس الحكومة الصهيونية الأسبق (إيهود باراك)، فتكشف مقاصدهم؛ حيث قال باراك لتشيني إن: «إسرائيل تعلمت أنه ليس ثمة سبيل لتحقيق النصر بالاحتلال، وإن الطريق الوحيد هو اختيار شدة المهانة».   

ولا ريب أنها جرائم تنفذ لجس نبض العالم الإسلامي، ولا يمكن قبول أن الذي ارتكبه هؤلاء بأنه فعل فردي بل خطة مبيتة، وهل حرق المساجد وتدنيس المصاحف إلا تفنن في اتباع أساليب مبتكرة وغير مألوفة بهدف إذلال وقهر أبناء فلسطين للنيل من كرامتهم وإلحاق الأذى النفسي بهم، بدءا من احتلال الأرض، وعمليات القمع والإرهاب والتعذيب حتى الاعتراف أو الموت، وتحويل المساجد إلى زرائب للحيوانات، وأوكار للخنا والفجور، وجرف الأراضي، والقتل والتشريد، وهدم البيوت، وترك الأطفال والنساء والعجائز في العراء، والاغتيالات والتصفيات، والاستفزاز والإذلال، ومعاملة أهل فلسطين كمعاملة الحيوان، لدرجة تجعلنا نطأطئ رؤوسنا خجلا ومهانة .

فاليهود والغرب يتعمدون الإساءة للإسلام وتعاليمه وشرائعه، فبالأمس قدموا امرأة لتؤم المسلمين ولم يجدوا مسجداً لتصلي ففتحوا لها أبواب الكنائس لتؤم الرجال والنساء الكاشفات رؤوسهن وظهورهن جنباً بجنب، واليوم يقدمون امرأة لتؤم الناس وهم يفتخرون بأن لها ولدا من علاقة غير شرعية أي من نتاج الفاحشة، ولكن محاولاتهم ولله الحمد على مر التاريخ لاقت الفشل تلو الفشل وستظل بإذن الله تعالى تلاقي الفشل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فالإسلام باق بإذن الله تعالى، والقرآن محفوظ بحفظه سبحانه وتعالى، وصدق الله إذ يقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9).

ماذا سيجري لو أن مسلماً أو مسلمين تجمعوا وحرقوا الكنس ومزقوا التوراة والتلمود رداً على الجرائم التي ترتكب بحق أهل فلسطين والأمة الإسلامية والعربية وشعوبها؟ وهل سمعتم أن مسلماً أحرق التوراة أو قام بتدنيسها رداً على جرائم اليهود المستمرة في فلسطين وتصريحات الحاخامات التي جمعت قاموس الألفاظ الرذيلة التي تقطر حقداً وخبثاً وسماً وإساءة لكل ما هو عربي وإسلامي؟! ولكن الأمة المسلمة تنطلق من عقيدة راسخة وشرعة محكمة وقيم حضارية راقية لا تقبل الهبوط إلى مستويات الانحطاط التي يهبط إليها قتلة الأنبياء والرسل .

ولكننا الآن في حالة مرضية، ولو كان هناك اعتبار لأكثر من مليار مسلم لما اعتدوا على بيوت الله وكتابه الكريم، ولن نبرأ مما نحن فيه إلا بعودتنا وتمسكنا بأسباب عزنا وقوتنا، ألا وهو كتاب ربنا وسنة نبينا، وإعمار مساجدنا بحلقات العلم والقرآن، والأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية والشرعية.

فعلى أهل فلسطين والمسلمين في خارجها أن يعيدوا إعمار المساجد التي حرقها اليهود  وأن نشيد المساجد الجديدة في أرجاء فلسطين؛ لأنها أرض إسلامية،  وأن نفعّل (حملة المليون مصحف) لأهل فلسطين، وأن تحيى حلقات العلم في مساجدنا، وأن نحتفل بكل كوكبة من أبناء فلسطين قد أتموا حفظهم لكتاب الله تعالى؛ لأنهم لن يستطيعوا أن ينزعوه من الصدور. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك