لحماية الموارد ومنع التعدي عليها – التنمية المستدامة واجب إسلامي ومطلب أممي
- كان للتاريخ الإسلامي القديم شواهد وبراهين عملية تتناغم مع توجيه الإسلام وحرصه على الربط بين البيئة ومشاريع التنمية على مر العصور
- أشار القرآن في العديد من الآيات إلى مفهوم البيئة والحفاظ عليها بقواعد عامة تحقق حماية الموارد الطبيعية واستفادة الإنسان منها دون إسراف ولا تبذير
- التنمية المستدامة هي التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر بما في ذلك الفقراء منهم دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها
- شجع رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على حسن استخدام المياه بطريقة مستدامة في مثال يوحي بفيض النعم ومع ذلك أوصى بالاقتصاد فيه
- حفلت الشريعة الإسلامية بالعديد من القواعد التي تنظم تعامل الإنسان مع الموارد الحية في البيئة ومنها الحيوانات والطيور على نحو شامل وسابق لما يدعيه أنصار حماية البيئة
- ظهر مفهوم الأمن البيئي والاقتصادي مبكرا في التاريخ الإسلامي من خلال قصة النبي يوسف عليه السلام الذي شارك في تهيئة استراتيجية تنموية للدولة في حينها
- هدف التنمية الإسلاميّة هو الإنسان ولذا تكون العملية التنموية وسيلة غايتها تحقيق سعادة الإنسان المادية والمعنوية تحقيقاً ينسجم مع قصد الشارع من استخلاف الإنسان في الأرض
- أهداف التنمية المستدامة في القرآن الكريم أهداف شاملة ومتنوعة وهي من مستلزمات العيش الكريم والازدهار وتكوين حضارة عريقة وعظيمة طابعها العدل والإنصاف والأخلاق
يدور مفهوم الاستدامة (sustainability) حول الاستمرارية والديمومة، فيما تعني التنمية المستدامة الحفاظُ على نوعيةِ الحياة الكريمة من خلال التأقلم مع البيئة، واستغلال الموارد الطبيعيّة لأطول مدى زمنيٍّ؛ ممّا يساعدها في المحافظة على استمرار الحياة وتعاقب أجيالها، وموقف الإسلام من الكون هو موقف ألفة ومحبة، يظهر ذلك جليّا في سمو التشريع الإسلامي في جانب عمارة الأرض والمحافظة على مواردها وثرواتها الطبيعية، وذلك من خلال مبدأ (الاستخلاف)، وهو توجيه رباني للإنسان بتحمل دور الأمانة في المحافظة على الصالح العام والخاص للبيئة، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، (البقرة:30)، وقوله -تعالى-: {هو أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود:61).
العدالة الإسلامية
تنسجم وتتناغم مع الأنظمة والتشريعات المدنية الحديثة في جانب التخطيط الاستراتيجي والممارسة العملية والعلمية للتوجه وتطبيقات «التنمية المستدامة»، وقد كان للتاريخ الإسلامي القديم شواهد وبراهين عملية تتناغم مع توجيه الإسلام وحرصه على الربط بين البيئة ومشاريع التنمية على مر العصور، من خلال فنون العمارة والتخطيط الإسلامي المستدام للمدن، واستخدام الموارد والمواد الصديقة للبيئة، بما يكفل الموازنة والتناغم بين مفهوم الاستدامة والتنمية، وذلك قبل ولادة مفهوم (الاستدامة) بوقت طويل.مفهوم التنمية المستدامة
التنمية المستدامة هي تلك التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر - بما في ذلك الفقراء منهم- دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، آخذة بعين الاعتبار تحديات الحفاظ على الأنظمة البيئية ومحدودية الموارد الطبيعية القابلة للتجدد، وتمثل الاستدامة ثقافة وسلوكاً إنسانيا، وهي في جل قضاياها مرتبطة بالوعي المجتمعي؛ بحيث يتبناها أسلوب حياة حتى تكون من الأولويات في مجالات الحياة كافة.إشارات قرآنية خالدة
وقد أشار القرآن الكريم في العديد من الآيات إلى مفهوم البيئة وإلى بعض المبادئ للحفاظ عليها؛ حيث وضع قواعد عامة تحدد مدى استفادة الإنسان من الموارد الطبيعية المختلفة، التي تتلخص في الانتفاع بما خلق الله -تعالى- من الخيرات دون إسراف أو تبذير والمحافظة عليها، فالفساد بجميع أنواعه بما فيه الفساد البيئي والذي يشمل التلوث الصناعي والإضرار بالبيئة، والتهور وسوء إدارة الموارد الطبيعية مكروه عند الله -سبحانه وتعالى-، والحفاظ على البيئة واجب ديني وليست مسألة اختيارية؛ لأن الموارد والعناصر الأساسية للطبيعة تعود ملكيتها إلى جميع الكائنات الحية وليست فقط للجنس البشري؛ فالله -سبحانه وتعالى- ميز الجنس البشري باستغلال الموارد الطبيعية، وجعله وصيا عليها، وهذا يندرج تحته ضمان الحق في استخدام مختلف الموارد دون الإضرار بها والتدمير.مفهوم الأمن البيئي والاقتصادي
كما ظهر مفهوم الأمن البيئي والاقتصادي مبكرا في التاريخ الإسلامي من خلال قصة النبي يوسف -عليه السلام- الذي شارك في تهيئة استراتيجية تنموية للدولة في حينها، عندما تعامل مع الأزمة الاقتصادية والتغيرات المناخية من خلال (الآلية العملية لزراعة حبوب القمح في فترة زمنية محددة، ومن ثم حفظها في سنابلها لفترة زمنية محددة أيضاً، وبعد ذلك تخزينها) وهنا كان الربط العملي لواقع التكيف مع محاربة ظواهر الفقر والجوع ونقص الغذاء..توجيهات نبوية مستدامة
وفي السنة النبوية الشريفة يتجسد المعنى الحقيقي للاستدامة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»، وفي ذلك تسليط الضوء على مبدأ تسخير كل شيء إيجابي من الطاقة لتخضير الكوكب والاستثمار في الطبيعة بوصفه جزءا من عبادة الله من خلال الاستدامة البيئية، والتأكيد على أن الإسلام دين الإيجابية والأمل والتفاؤل للتعامل مع كل شيء ولا سيما المخاطر البيئية، بما في ذلك التغير المناخي، والتلوث، والتصحر، وإزالة الغابات، وفيه من تأكيد عظيم على أن العمل الصالح لا ينقطع أبداً حتى قيام الساعة، كما نهى الإسلام عن تبوير الأرض وتركها بغير زراعة، ودعا للاهتمام بالزراعة وبيان الغاية منها بالنفع على الإنسان والحيوان بقوله: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمنة إلاَّ كان له به صدقة» (رواه البخاري).حسن استخدام المياه
كما شجع رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - على حسن استخدام المياه بطريقة مستدامة في مثال يوحي بفيض النعم، ومع ذلك أوصى بالاقتصاد فيه بقوله لمن كان يتوضأ وسأل: « أفي الوضوء سَرَف يا رسول الله؟ فقال له: «نعم، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ»، وجعل الإفراط في استخدام الماء عند الوضوء عملاً يحوله من العبادة إلى الوِزر، وهذا ينطبق على كل شيء في الحياة، سواء كان هدرًا في الطعام أم الماء أم الكهرباء أم حتى إضاعة الوقت، فغالبًا ما تُقابل وفرة النعم بسلوكيات مفرطة ومُهدِرة.
غرس الأشجار وتطهير الأنهار
وجعل رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في غرس الأشجار وتطهير الأنهار، وحفر الآبار، وغيرها من الأعمال النافعة، صدقة جارية؛ حيث قال: «سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته: من علم علماً، أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس شجرة، أو بنى مسجداً أو ورَّث، أو ترك ولداً له بعد موته»، ونهى عن الإفساد في البيئة حتى في الحروب بقوله: «لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخاً ولا تحرقوا نخلاً ولا زرعاً» (رواه أحمد).مكافحة التلوث وحماية الموارد
وفيما يعد التلوث أكبر خطر يهدد الموارد عموما - لأنه يغير خصائصها وقد يمنع الاستفادة منها كليا- فإن السنة النبوية بيّنت كيفية مكافحة التلوث وحماية الموارد من الفساد، وعلى رأس ذلك المحافظة على النظافة الشخصية بالدعوة إلى الوضوء خمس مرات في اليوم، وإلى الاغتسال مرة كل سبعة أيام على الأقل، وإلى تقليم الأظافر وإزالة الشعر الزائد؛ بما يسهم في إيجاد المسلم النظيف الذي يسعى لإيجاد بيئة صحية وخالية من التلوث.نظافة الطرق وإماطة الأذى
وقد حثّ الإسلام على نظافة الطرق وإماطة الأذى عنها، بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس».. وكذلك النهي عن تلويث الموارد فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم ثم يغتسل منه.إضاءات حضارية
يذكر الدكتور الجيوسي في كتابه (الإسلام والتنمية المستدامة) نموذجًا للاستدامة يعتمد على المبادئ الإسلامية، ويشرح فيه أن الالتزام بمسؤولية بيئية وعدالة اجتماعية، وحكم رشيد هو أمر متجذر في أصول ومصادر الإسلام، ويؤكد الجيوسي بأن الخطوة الحتمية على الطريق باتجاه المجتمعات المستدامة عبر تعليم الأجيال القادمة على قيم الاستدامة المستمدة من الإسلام، ويحاول إثبات أن بعض المفاهيم والنماذج الإسلامية النبيلة لا تتفق فقط مع المفاهيم الحالية للتنمية المستدامة، بل يمكن تطبيقها بوصفها وسيلة لإلهام الآخرين من أجل مشاركة موسعة في صيرورة تنموية لا تقف حدودها عند الحد من الفقر.رؤية كونية ومنهج حياة
ويركز الكاتب على كيفية تصور الإسلام لمفهوم الاستدامة بوصفه مؤشرا جيدا لتحقيق التقدم فيقول:» أعتقد أنه لا يجب النظر إلى الإسلام على أنه مجرد دين فقط، ولكن بوصفه رؤية كونية ومنهج حياة لمعالجة المشكلات العالمية الحالية بما في ذلك الأزمات البيئية، عبر الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية والتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، واستلزم المفهوم الإسلامي لقوامة خلافة الإنسان في الأرض وجود مسؤولية عميقة، وقد اعتبر القرآن الكريم أن الكائنات الحية الأخرى هي أيضا شعوب أو أمم كما في قوله -تعالى-: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}.تهديدات واقعية
على سبيل المثال تعد المنطقة العربية رهينة للحالة المتشابكة من انعدام الأمن المائي والأمن الغذائي والطاقة، لقد كان عدد سكان المنطقة العربية في عام 2010 يقدر بأكثر من 359 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يبلغ 487 مليون نسمة بحلول عام 2025، وهو الأمر الذي سيؤدي تلقائيا إلى زيادة الطلب على المياه وغيرها من مصادر الأرض، كما ستؤدي الهجرة السريعة باتجاه المناطق الحضرية إلى إضافة عبء مائي على كاهل مدن المنطقة؛ حيث يعيش أكثر من 55% من سكان المنطقة في المدن، ومن الملاحظ حدوث نزعة في التحول نحو الحياة المدنية في كل من مصر ولبنان والمغرب وسوريا وتونس، ويُعزى ذلك إلى تدني الدخل وانخفاض فرص الحصول على العمل في القطاع الزراعي إضافة إلى تنامي نسبة عنصر الشباب من مجموع السكان. وفي منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا يمكن أن يعد الفقر والغنى معاّ أسبابا أساسية لتدهور الموارد والاستغلال الجائر لها؛ وذلك نتيجة لأنماط الاستهلاك وأساليب المعيشة المتَّبعة، في المناطق ذات المناخ الجاف يمكن تسخير رأس المال لتطوير مصادر المياه مثل مشاريع تحلية مياه البحر في دول الخليج، لكن السؤال الرئيسي هو كيفية إعادة إحياء بعض أساليب التنمية مثل الِحمى والوقف بوصفها نماذج مبتكرة للاستدامة والتنمية التي محورها الإنسان.
منطلقات إسلامية:
- المبدأ الأول:
- المبدأ الثاني:
- المبدأ الثالث:
- المبدأ الرابع:
الاهتمام العالمي والأممي:
وعلى غرار ما جاءت الشريعة الإسلامية الغراء به من بيان التوجيهات القرآنية في التنمية المستدامة، ودورها في البناء الإنساني وعمارة الأرض وحفظ الثروات التي هي مصدر قوة الإنسان، وما تضمنه قرآننا العظيم من آيات عديدة تتحدث عن التنمية المستدامة وما يتعلق منها بالفرد مباشرة، وما يتناول التنمية البيئية المستدامة والطاقات المتجددة، فقد بدأ العالم بأسره - ولا سيما أعرق المنظمات العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة- يدرك - على ضوء النقص الحاد في الموارد الطبيعية- أن مشاريع التنمية لا تكون ناجحة إلا باستدامتها، وأن الاهتمام بالتنمية المستدامة أساس في تلبية احتياجات الإنسان في الحاضر والحفاظ على تلبيتها في المستقبل، ولكي يتحقق هذا الهدف العظيم لابد من العناية بالتنمية المستدامة، التي تسهل للإنسان الحصول على الخيرات والنعم والمحافظة عليها، فوضعت منظمة الأمم المتحدة سبعة عشر هدفًا في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وذُكرت هذه الأهداف في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 أيلول/ سبتمبر 2015، وغطت تلك الأهداف مجموعة واسعة من قضايا التنمية المستدامة التي شملت موضوعات: {الفقر والجوع والصحة والتعليم وتغير المناخ والمساواة والمياه والصرف الصحي والطاقة والبيئة والعدالة الاجتماعية}، وجاء ذكر كثير من هذه الأهداف في آيات القرآن الكريم، بتوجيهات إلهية للتخلص من أسباب المشكلات التي تهدد مستقبل الوجود الإنساني. وقد استخدم مصطلح الاستدامة منذ ثمانينيات القرن العشـرين أول ما استخدم بمعنى الاستدامة البشرية على كوكب الأرض، وهذا مهد إلى التعريف الأكثر شيوعا للاستدامة والتنمية المستدامة؛ حيث عرفته مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في 20 آذار 1987: التنمية المستدامة هي التنمية التي تفي باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة، والمعيشة المستدامة هي في الأساس تطبيق الاستدامة في اختيار نمط الحياة والقرارات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر -التي اعتُمدت في عام 2015 بوصفها جزءا من خطة التنمية المستدامة للعام 2030 - تمثل خارطة طريق مشتركة لجميع البلدان من أجل تحقيق التقدم في المجالات بالغة الأهمية للبشرية وكوكب الأرض، ويتكون مؤشر أهداف التنمية المستدامة من 105 مؤشرات أداء، لكل منها درجة من 0- 100، ولون إشارة المرور (أخضر وأصفر وأحمر) وكل لون إشارة يرمز للأداء ومدى تحقق الأهداف في كل دولة من دول العالم التي وقعت على الالتزام بتحقيق الأهداف.مقاربات منهجية:
ولعل من المقاربات المهمة بين أهداف التنمية المستدامة العالمية ومبادئ الشريعة الإسلامية في بيان الأدلة القرآنية على مفاهيم الاستدامة لمعالجة مشكلات البشرية ومستقبل الأرض ما يلي:القضاء على الفقر:
{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177)الأمن الغذائي والقضاء على الجوع:
يقول -تعالى- مخاطبًا المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المائدة: 87-88)حفظ النفس والصحة الجيدة:
قال -تعالى-: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (البقرة: 195)، وقوله -سبحانه-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء).العلم والتعليم الجيد:
قال -جل في علاه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11).التوازن في الإنفاق وحفظ الأموال:
بقوله -سبحانه- و-تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، كما يوجهنا -سبحانه وتعالى- إلى حفظ أموال اليتامى وصيانتها بخطوات عملية حكيمة: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (النساء: 5). وقوله -تعالى-: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (الشعراء: 151-152).
عمارة الأرض بالعمل والاقتصاد:
قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15)، وقال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في السعي والحث على العمل: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، وقال أيضا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ».نشر العدل والسلام:
قال -تعالى-: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن: 7-9)، وقوله -سبحانه-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58).المدن الشاملة والآمنة للجميع:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).الصناعة وتشجيع الابتكار:
قال -تعالى-: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود: 61). {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه: 53 - 55).الاستهلاك والإنتاج المسؤولان:
قال -تعالى-: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 26-27).الإحسان ومحاربة الإفساد:
قال -تعالى-: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56) وقوله -سبحانه-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).حفظ المحيطات والموارد البحرية:
قال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 14)، وقوله: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا من فَضله}.عقد الشراكات لتحقيق الأهداف:
قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2).التوصيات:
١- من مستلزمات البناء الإنساني الاهتمام بالتنمية المستدامة، وهي كفيلة لسعادة الإنسان وخدمته، وحفظ كل ما يؤول إلى الحياة الكريمة التي أرادها الله -تعالى- للإنسان. ٢- أهداف التنمية المستدامة في القرآن الكريم أهداف شاملة، ومتنوعة، وهي من مستلزمات العيش الكريم والازدهار، وتكوين حضارة عريقة وعظيمة، طابعها العدل والإنصاف والأخلاق. ٣- الإيمان وطاعة الله -تعالى- هي من أعظم أسباب الأمن ورفع البلاء واستدامة المدن والبلدان، والكفر والذنوب والمعاصي هي سبب من أسباب الخوف ونزول البلاء والهلاك والاستئصال. ٤- علينا أن نمعن النظر في التنمية المستدامة النابعة من القرآن الكريم، وأن نجعلها منهجا لحياتنا، لننعم بالأمن والأمان، والسلامة والاستقرار؛ لأن المصيبة والبلاء لا ينزلان إلا بذنب، ولا يرفعان إلا بتوبة. ٥- ندعو أولياء الأمور إلى غرس قيم الاستهلاك المسؤول والاستدامة في نفوس الأبناء في البيت، والحرص على استكمال ذلك في مناهجنا الدراسية وممارساتنا الحياتية. ٦- حث الشباب إلى الانتباه لأفعالهم ووضع حد للعادات الضارة، ومن الأمثلة على ذلك، تجول الشباب في سياراتهم بلا هدف ذهابا وإيابا فيما يشكل مضيعة للوقت الثمين، وهدرًا للوقود وهو ما يضر حتمًا بيئتنا، فهناك طرائق أفضل للاستمتاع لا تأتي على حساب بيئتنا. ٧- لنشجع بعضنا بعضا على تبني سلوكيات مستدامة، واضعين نصب أعيينا قوله -تعالى-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. ٨- لنعلم أن الفساد لا يقتصر على الفساد السياسي بل يشمل الفساد البيئي، مثل التلوث الصناعي والضرر البيئي واستغلال الموارد الطبيعية. ٩- تمثل الاستدامة ثقافة وسلوكاً إنسانيا، وهي في جل قضاياها مرتبطة بالوعي المجتمعي؛ بحيث يتبناها أسلوب حياة حتى تكون من الأولويات في مختلف مجالات الحياة. ١٠- تدور قيم الإسلام حول الأخلاق وعدم التبذير وعمارة الأرض والوسطية، التي تعدّ من أهم مبادئ الاقتصاد الدائري وتحقيق الاستدامة والمحافظة على البيئة، ولن تحدث استدامة إيجابية دون وجود قيم أخلاقية. ١١- يُعد تعزيز الوعي لدى الأطفال، وإثارة اهتمامهم نحو الاستدامة من خلال البرامج والأنشطة ذات الأهداف البيئية والتعليمية، من الأسس الرئيسة في خلق منظومة متكاملة لنشر الوعي بالتفاعل والممارسة. ١٢- الشباب عماد المستقبل، وتوعيتهم بأهمية الانخراط في مجالات التنمية المستدامة، يجعلهم مسؤولين تجاه مجتمعهم وتجاه العالم، ليعملوا معاً من أجل استدامة الحياة والأرض، ولا يتحقق هذا المطلب، إلا من خلال التعليم والتوعية والممارسة. ١٣- يجب على الإنسان أن يتعامل مع نظم الطبيعة والبيئة بما يمكنه من تطوير حياته دون إسراف في استخدام الموارد الطبيعية أو جور على حقوق الآخرين. ١٤- هدف التنمية الإسلاميّة هو الإنسان؛ ولذا تكون العملية التنموية وسيلة غايتها تحقيق سعادة الإنسان المادية والمعنوية تحقيقاً ينسجم مع قصد الشارع من استخلافه في الأرض. ١٥- لا يكتمل ترسيخ مفهوم الاستدامة وتعزيزه في المجتمع إلا بمبادرات الأفراد والأسر، فالنساء يمثلن نصف المجتمع وهن مسؤولات عن تأسيس أطفالهن وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم. ١٦- يجب على كل إنسان يؤمن بالله أن يمتنع عن تلويث جميع الموارد الطبيعية، بالملوثات الضارة أيا كان مصدرها أو نوعها، لأن هذه الأرض وما عليها ملك للجميع، والملاحظ أن أفعال الإصلاح ومكافحة التلوث قد رتّب الله عليها أجرا ومثوبة، وأما المفسد فهو واقع تحت اللعن والعقوبة. ١٧- حفلت الشريعة الإسلامية بالعديد من القواعد التي تنظم تعامل الإنسان مع الموارد الحية في البيئة، ومنها الحيوانات والطيور على نحو شامل وسابق لما يدعيه أنصار حماية البيئة.المفهوم الحقيقي للاستدامة
من المقولات التي تعكس وعيًا فطريا بأهمية الحفاظ على الموارد، قول القائل: إننا نولي بيئتنا جُل اهتمامنا؛ لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا، لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض للمحافظة عليها، وأخذوا منها قدر احتياجاتهم فقط، وتركوا ما تجدُ فيه الأجيال القادمة مصدراً ونبعاً للعطاء.الفهم الدقيق للقيم الاجتماعية في الإسلام
من المؤكد أنه مع الفهم الدقيق للقيم الاجتماعية للإسلام، فإنه بمقدور المجتمعات القائمة على القيم أن تطور نهجا إبداعيا مبتكرا لتحقيق الاستدامة في استخدام الوقف والحِمى وإحياء الأرض الموات والصكوك؛ فرسالة الإسلام خالدة ومبادئه عالمية موجهةٌ نحو الأفكار الجوهرية ومبادئ الاستدامة والازدهار.نظرة الإسلام العالمية
نظرة الإسلام العالمية تقدم أفُقا تفاعليا وتكامليا للاستدامة والحضارة الإنسانية؛ حيث قررت مقاصد الشريعة الإطار العام لتحليل السياسات العامة للموازنة بين المصالح العامة والمصالح الشخصية، كما يقدم الإسلام منظورا جديدا لتفسير الأسباب الجذرية للأزمات ومعالجتها.
لاتوجد تعليقات