رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالباقي خليفة 4 أكتوبر، 2010 0 تعليق

كوسوفا : مـن الحـرب إلى الدبلوماسية.. إلى الحوار المباشر

 

 

لم تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الصربي يوم 9 سبتمبر 2010 م الداعي لإدانة استقلال كوسوفا، وإنما أيدت المنظمة الدولية بالإجماع نص القرار الصربي الأوروبي المشترك الذي تم التوصل إليه بين الاتحاد الأوروبي وصربيا، بعد رفض واشنطن وبروكسل للنص الصربي، الذي أثار حفيظة المعارضة الصربية التي طالبت باستقالة الرئيس (بوريس طاديتش)، ووزير الخارجية فوك يريميتش. وراجت إشاعات عن إقالة وزير الخارجية، بيد أن نائب رئيس الوزراء (إيفيتسا داتشيتش) نفى ذلك، وأكد على أنه لا يدعم موقف المعارضة .

وجاء في نص القرار الأممي: «إدراكا من الجمعية العامة للأمم المتحدة للأهداف والمبادئ التي قامت عليها، آخذة في الاعتبار مهامها الدولية وصلاحياتها المستمدة من ميثاقها المعلن، ومذكرتها المرسلة إلى محكمة العدل الدولية رقم 63/3 بتاريخ 8 أكتوبر 2009م حول ما إذا كان استقلال كوسوفا يتماشى ومبادئ القانون الدولي، التي ردت عليها المحكمة في 22 يوليو 2010 م بالإيجاب، فإننا نرحب باستعداد الاتحاد الأوروبي لتسهيل عملية الحوار بين بلغراد وبريشتينا»، وجاء أيضا في نص القرار: «عملية الحوار في حد ذاتها ستكون عاملا إضافياً للسلام والأمن والاستقرار في منطقة غرب البلقان» كما أنه «سيكون لهذا الحوار هدف تطوير التعاون وتحقيق التقدم على طريق اندماج صربيا وكوسوفا ومنطقة غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي وتحسين ظروف السكان «.

وكان الصرب قد تعرضوا لضغوط متزايدة من بروكسل، ومن بعض الأعضاء البارزين في الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمة ذلك بريطانيا وألمانيا وفرنسا؛ حيث زار وزيرا الخارجية البريطاني والألماني بلغراد فيما طار طاديتش إلى بروكسل للقاء (كاترين أشتون) وإعلان التوصل إلى اتفاق بعدم تصويت الأمم المتحدة على مشروع القرار الصربي، مقابل فتح حوار مباشر بين بلغراد وبريشتينا. وكان القرار الصادر عن الأمم المتحدة والداعي لبدء مفاوضات فنية مباشرة، مرضيا للجميع.

بلغراد وبرشتينا :

لا شك أن موافقة بلغراد على عدم التصويت على مشروع قرارها، والقبول بحوار مباشر مع بريشتينا له دلالات كبيرة، من بينها تراجع صربيا عن المطالبة بعودة كوسوفا إلى سيادتها، رغم إعلان أنها لن تعترف باستقلال كوسوفا. فقد خفت الصوت بعد 9 سبتمبر عن صربية كوسوفا، واستعيض عن ذلك بالانخراط في الحديث عن تأمين صرب كوسوفا. وهو ما ردده الكثير من الساسة الصرب، من بينهم وكيل وزارة كوسوفا في الحكومة الصربية، أوليفير إيفانوفيتش: «المحادثات ستخلق شروطا أفضل لبقاء المجموعة الصربية في كوسوفا» (120 ألف نسمة). وقال وزير الخارجية الصربي (فوك يريميتش): «القرار الذي تم التصويت عليه في الأمم المتحدة لا يعترف باستقلال كوسوفا ولا يضع سيادة صربيا على أراضيها موضع تساؤل «وقال نائب رئيس الحكومة الصربية (إيفيتسا داتشيتش): «القرار الصادر من الأمم المتحدة ليس هو الأفضل، ولكنه الوحيد الواقعي الممكن لأغلبية أعضاء المنظمة الدولية» ووصف الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بـ (الوسط) وإن حاول ايهام شعبه بأن المحادثات حول الوضع النهائي ستستمر، بينما يؤكد الجانب الكوسوفي والأوروبي والأمريكي أن المحادثات ستكون فنية حول وضع الصرب في كوسوفا: « أما الوضع النهائي فقد تم حسمه بالاستقلال ولا تراجع عن ذلك أبدا «وقال نائب رئيس الوزراء في كوسوفا، خير الدين كوتشي: « دعوة الأمم المتحدة بنيت على قرار محكمة العدل الدولية، والحوار المزمع عقده سيقتصر على المسائل الفنية»، وتابع: «الأمم المتحدة أعلنت احترامها لقرار المحكمة الدولية وننتظر اعتراف المنظمة الأممية باستقلال كوسوفا والحوار سيكون بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة» وقال رئيس البرلمان في كوسوفا، يعقوب كراسنيتش: « الحوار بين بريشتينا وبلغراد سيكون حول السلام والأمن والاستقرار والتحضير للاعتراف باستقلال كوسوفا، والعمل معا، من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي».

ترحيب دولي وتحفظ روسي :

رغم قبول كل من روسيا والصين لقرارات الأمم المتحدة، إلا أنهما جددتا إصرارهما على موقفيهما المتحفظ على استقلال كوسوفا. وترى موسكو أن قرار مجلس الأمن 1244 لا يزال ساري المفعول، وأن مجلس الأمن وحده من يستطيع البت في قضية كوسوفا. فيما ترى الصين أن قضية كوسوفا «حساسة جدا» وأنها «تؤثر على سلام وأمن البلقان وكامل أوروبا»، بيد أن بكين أعربت عن تأييدها للحوار. فيما رحبت الولايات المتحدة بالقرار الأممي معتبرة كوسوفا «حالة خاصة» ولكنها «ليست سابقة»، وجددت واشنطن دعمها التام لاستقلال كوسوفا. وقالت سفيرة واشنطن في بلغراد ميري فورليك: « واشنطن تثمن الموقف الصربي الذي قبل بتعديل نص مشروع القرار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وهو ما يدعم مستقبل صربيا وكوسوفا في الاتحاد الأوروبي « كما رحبت ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، (كاترين أشتون) بقرار الأمم المتحدة الذي يدعو بلغراد وبريشتينا إلى الحوار. ووصفت ما صدر عن الأمم المتحدة بـ «الخطوة المهمة بالنسبة للمستقبل» وقالت: « يمكن من الآن أن يبدأ الحوار بين الطرفين في أجواء ايجابية» وتابعت: «نكرر عرضنا بالعمل من أجل تسهيل عملية الحوار «ورأت أشتون أن « قبول صربيا بصيغة القرار يتضمن تجاوباً مع قرار محكمة العدل الدولية التي سبق وأن أكدت على شرعية استقلال كوسوفا  أن «الحوار يعد بحد ذاته عامل استقرار وسلام في هذه المنطقة من العالم». واعتبر وزير خارجية النمسا، (ميخائيل شيندليغر)، الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي، وصربيا، دليلا على حكمة القيادة الصربية، وعدم رغبتها في مواجهة المجتمع الدولي مجدداً «الاتفاق على مشروع يجسد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ينم عن حكمة سياسية وبعد نظر لبلغراد، ومن شأن ذلك إنقاذ المنطقة بأسرها» وطالب ببدء المفاوضات المباشرة بسرعة. ورأى بدوره أن الباب قد فتح أمام صربيا للاندماج في الاتحاد الأوروبي. وقد أعربت ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى عن ترحيبها بالقرار ودعمها للحوار المستقبلي بين بلغراد وبريشتينا. وقال وزير خارجية فرنسا (برنار كوشنير): إن « الاتفاق فتح الطريق للحوار بين بريشتينا وبلغراد، وهو الأمل الذي لم يفارق السياسة الخارجية الفرنسية « بينما رأى ساسة آخرون أن صربيا « توقفت عن معارضة استقلال كوسوفا وإن لم تعترف به».

انتصار جديد لكوسوفا :

لا شك أن ما جرى في الأمم المتحدة، يوم 9 سبتمبر انتصار جديد لكوسوفا، فلم يشر القرار إلى استئناف محادثات الوضع النهائي، وإنما إلى الحوار وهو ما رحبت به بريشتينا. في حين تم السماح لوفد كوسوفا بحضور المداولات داخل قاعة الأمم المتحدة، بدون إشراف دولي، وهو ما اعتبرته الجهات الكوسوفية كما نقلت عنهم شبكة « بي 92 الصربية» انتصارا إضافياً انتصاراً آخر لكوسوفا وممثليه، وفشلا جديدا لوزير خارجية صربيا، فوك يريميتش». ورأت الصحافة الإلكترونية الكوسوفية أن صربيا «لا تزال تبحث عن حلفاء من بقايا الحرب الباردة، وهو ما مثل فضيحة لوزير خارجية صربيا» في إشارة إلى روسيا والصين وبعض دول أمريكا اللاتينية، معتبرة دعوة الأمم المتحدة لحوار بين بلغراد وبريشتينا، تتماشى وقرار محكمة العدل الدولية التي أعلنت تأييدها لاستقلال كوسوفا، أو بعبارة أخرى تأكيدها على شرعية الاستقلال. ورأت صحيفة « كوها دي تور «الكوسوفية الصادرة في بريشتينا أن  «الأمم المتحدة أخذت بعين الاعتبار قرار محكمة العدل الدولية؛ لذلك دعت للحوار ورحبت باستعداد الاتحاد الأوروبي للوساطة بين بلغراد وبريشتينا». وخلاف ما ذهب إليه بعضهم، من أن الاتحاد الأوروبي وقف ضد صربيا، فإن المصادر الألبانية، كصحيفة (زيري)، رأت أن « الاتحاد الأوروبي حافظ على ماء وجه صربيا في الأمم المتحدة، فلو عرض مشروع القرار الصربي بنصه الأصلي لمني بهزيمة ساحقة داخل الأمم المتحدة»، أما صحيفة (إكسبريس) فقد رأت أن ما تم في الأمم المتحدة، كان هزيمة مضاعفة لصربيا، من خلال التغييرات على مشروع القرار، الذي لم يصوت عليه، ومن خلال السماح لوفد كوسوفا بحضور جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن صربيا تعلمت الدرس، وأنها لن تعود لمواجهة المجتمع الدولي.

ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات المباشرة بين بلغراد وبريشتينا حول المسائل الفنية قبل نهاية العام الجاري، في مقايضة تؤدي إلى وقف صربيا معارضتها استقلال كوسوفا مقابل تسهيلات مالية وتسريع انضمامها للاتحاد الأوروبي، وهوالحل الأمثل كما يبدو لإنهاء الخلافات حول كوسوفا، لكن الأوضاع في المنطقة ستظل غير مستقرة نسبيا، ولا سيما في البوسنة والسنجق، وليس كما ذهبت إلى ذلك صحيفة (التايمز) اللندنية التي اعتبرت ما جرى في الأمم المتحدة يوم 9 سبتمبر  «نهاية الحرب في البلقان».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك