رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد الله صالح حامد 12 يوليو، 2010 0 تعليق

«كذبـــــــــة أبـــــــريل» تقليــــــد أعـــــــمى وبيــــــــــــــــــــل

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله[، وبعد:

فمن المؤسف أن نكتب في أمر يعتبر من البدهيات في شريعتنا الإسلامية، وهو الحض على الصدق والتحذير من الكذب، والابتعاد عن جحر الضب بما فيه من نتن وعفونة وبلاء، فالذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما لاحظته من تنامي ظاهرة خطيرة، وهي: افتتان بعض الناس بتقليد القيم الفاسدة الوافدة علينا، واتباع سنن من كان قبلنا حذو القذة بالقذة، ومن هذه الصور المنتشرة: الاحتفاء بما يسمى "كذبة أبريل"، لتكون تقليداً سيئاً من بعض المنتسبين لأمة الإسلام.

هذه الكذبة المرتبطة بالأول من أبريل، ضج منها بعض عقلاء الغرب لما يترتب عليها من المآسي والمخازي، ولكن بعض وسائلنا الإعلامية – هداها الله -  الواسعة الانتشار، والقليلة العظة والاعتبار، والبعيدة عن هدي النبي المختار[، تروّج لهذه الآفة، وتكثف نشاطها في نشرها، مما جعلها تنتشر بين السذج والدهماء، ونريد أن نؤكد أن ديننا الحنيف يرفض هذه البدعة الخطيرة، ويحرم الكذب تحريماً قاطعاً؛ لأنـه طريق الفجور والفحش والمعاصي، وهذا ما نراه في الوالغين في كذبة أبريل، بل يتوعد الكذابين بدخول النار والعياذ بالله، يقول[:"عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابا" (متفق عليه).

 

 

فالكذب في حد ذاته كبيرة من الكبائر، وهو محرم بالاتفاق، ويدل على خسة ودناءة الكاذب، فما بال بعض الناس – ممن ينتسب لأمة الإسلام – يكذب ويتحرى الكذب في هذا اليوم «الأول من أبريل»، وهو في فرح ومرح، غير عابئ بالإثم الذي يقارفه والفجور الذي يقع فيه، والمصائب التي يرتكبها، وجهنم التي يدنو منها ما لم يتب توبة نصوحا، وقد اجتمعت في «كذبة أبريل» مفاسد كثيرة لعل من أبرزها:

أولا: أنها بدعة خطيرة؛ لدخولها في اتباع سنن من كان قبلنا، ومن المعروف أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

ثانيا: أنها كذبة، والكذب كبيرة من الكبائر الشنيعة، وسبيل من سبل النار - والعياذ بالله - كما وردت النصوص بذلك.

ثالثا: تضليل للناس، وترويع للغافلين، وإرباك للمجتمع، وهي أمور خطيرة جاء النهي عنها، ولولا مخافة التطويل لسردت طرفاً منها.

رابعاً: فيها تولي أعداء الله - عز وجل -بتقليدهم فيما يحبون،  وقد حذرنا الله عز وجل من ذلك؛ فقال جل وعلا: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران: 28)، ويقول تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} (النساء: 138 – 139).

خامساً : نشر هذه البدعة الخطيرة يدخل في باب المودة والمحبة لأعداء الله عز وجل، وقد حذرنا الله تعالى من هذه المودة ونهانا عنها؛ يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعـداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون} (الممتحنة: 1 – 2)، وقـد أصبح بسطهم للسوء علانية جهاراً نهاراً ، وكم من الكتابات والرسم التي صدرت من أعداء الله، وهي تسيء لرسولنا الكريم[ ولديننا العظيم ولأمتنا العربية والإسلامية.

سادساً: تدل على انهزامية المقلد، وجهله بدينه، وانحطاط فكره ، فتأملوا معي فقد وصلت بنا المهانة أن صرنا نقلد حتى في الكذب، بينما أمتنا في حاجة ماسّة إلى العلوم والتقنية.. إلخ، التي نحن عنها غافلون.

سابعاً : تدل أيضاً على الفراغ واللهو والبطالة واستغلال هذه الأمور فيما يغضب الله عز وجل ، يقول رسول الله[: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"  (البخاري)، فكثير من الناس لا يدرك قيمة هاتين النعمتين؛ فيضيع منه الخير الكثير، بل يجلب على نفسه الضرر الماحق.

 ونصوص الكتاب والسنة التي تحمي المسلم من الوقوع في هذه المهالك كثيرة متضافرة، نذكر منها قول الله عز وجل: {ما يلفظ من قول إلا لديه  رقيب عتيد} (ق: 18)؛ ويقول تعالى: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} (البقرة: 10)، والكذب يعتبر علامة بارزة من علامات المنافق، يقول[: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (متفق عليه)، ويقول[: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" (أبوداود)، وهذا الحديث يرد على الفئة التي تزعم أنها تكذب مازحة، فالمزاح مسموح به إن كان بدون كذب، وبغير تقليد لمن كان قبلنا، وقد كان رسولنا الكريم[ يمزح ولا يقول إلا حقاً وصدقاً، وفي حديث آخر يقول[: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم، فيكذب، ويل له، ويل له" (أبوداود والترمذي وغيرهما). وهذا الحديث ينطبق تماماً على مروّجي «كذبـة أبريل»، فعندما تسألهم: لم هذا الإفك؟ يقولون: إنما نفعل ذلك لإضحاك الناس، وإشاعة السرور بينهم. ونرد عليهم بهذا الحديث الواضح، الذي يبين أن الكذب ليس باباً من أبواب إضحاك الناس، أو اللعب بمشاعرهم، وهم يكذبون حتى في تعليلهم هذا، ففي معظم الأحيان نجد أن هذا الكذب يتسبب في مصائب لا حصر لها.

فنرجو من كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التحذير والتنفير من كذبة أبريل، وعدم نقل ما يحدث فيها من سفاهات وأكاذيب.. إلخ، فهذا أمر لا فائدة من ورائه، ولا طائل من تحته، ولا يزيد الناس إلا فتنة ومحنة وبلاءً، فليتقوا الله، وليخلصوا في رسالتهم الهادفة إلى تبصير المجتمع، وتقديم النافع والمفيد له في دينه ودنياه، والله الموفق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك