رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 22 أبريل، 2024 0 تعليق

قيّم الدعوة السلفية في مصر – الشيخ محمد عبدالفتاح -أبو إدريس- في ذمة الله

  • يُعَدُّ الشيخ رحمه الله أحد المؤسسين الأوائل للدعوة السلفية في مصر بين عامي 1972 و1977م ومن مؤسسي معهد الفرقان لإعداد الدعاة عام 1986
  • اختير رحمه الله رئيسًا لمجلس إدارة الدعوة السلفية عند تأسيس الدعوة عام 1979
  • اشتهر رحمه الله بين أقرانه بالحنكة والمهارة الإدارية والتواضع الجم لكنه كان لا يحب الظهور ويحب العمل في صمت
 

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، فأوضح النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، أن قبض العلم لا يكون بانتزاعه من صدور الناس، ولكن بقبض هؤلاء العلماء، الذين أفنوا حياتهم في دلالة الناس على ربهم -سبحانه وتعالى-، ومن هؤلاء العلماء الكرام، فضيلة الشيخ المهندس أبي إدريس محمد بن عبد الفتاح، قيّم الدعوة السلفية بمصر، الذي وافته المنية صبيحة يوم الأربعاء في أول أيام شهر شوال 1445هـ، الموافق 10 أبريل 2024م، وشيع الآلاف من العلماء والدعاة وطلاب العلم جنازته، سائلين الله -سبحانه وتعالى- أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يغفر له.

        ولد الشيخ -رحمه الله- في محافظة الإسكندرية عام 1954م، وتخرج في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، والتحق مبكرًا بالعمل الإسلامي في جمعية أنصار السنة المحمدية، وكانت له نشاطات دعوية قوية في أثناء دراسته الجامعية.

أكبر مؤسسي الدعوة السلفية

         ويعد الشيخ أحد أكبر المؤسسين الأوائل للدعوة السلفية في مصر بين عامي 1972 و1977م، ويعد -رحمه الله- أحد مؤسسي معهد الفرقان لإعداد الدعاة عام 1986، واختير رئيسًا لمجلس إدارة الدعوة السلفية بالتصويت الحر المباشر مِن مجلس الإدارة الأول عند تأسيس الدعوة سنة 1979.

أهم ما اشتهر به

        اشتهر المهندس محمد عبد الفتاح أبو إدريس بين أقرانه بالحنكة والمهارة الإدارية، والتواضع الجم، لكنه كان لا يحب الظهور، ويحب العمل في صمت؛ فهو صاحب عقلية تخطيطية فذّة، وله الكثير من المؤلفات، منها الدينية والرسائل الفقهية، فضلا عن العديد من التحقيقات الحديثية، وكان له شغف بالعلم دراسة وتدريسًا ولا سيما الفقه؛ حتى لقَّبه أقرانه بـ(أبي إدريس) من فرط حبه للشافعي -رحمه الله.

مؤلفاته

         للشيخ -رحمه الله- العديد من المؤلفات، من أبرزها: رسالة علم التلاوة في تجويد القرآن، ورسالة وأقيموا الصلاة، ورسالة فقه الصيام، فضلا عن تحقيق كتاب معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ حافظ بن أحمد حكمي، وتحقيق كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، للإمام ابن قدامة، وتحقيق كتاب كفاية الأخيار في الفقه الشافعي، وتحقيق كتاب منار السبيل في الفقه الحنبلي، فضلا عن الإصدارات التي لم تُطبع كتخريج أحاديث فقه السنة للشيخ سيد سابق -رحمه الله تعالى.

علاقته بالقرآن

         أتقن الشيخ -رحمه الله تعالى- حفظ كتاب الله -تعالى-، وأخذ إجازات عدَّة فيه من علماء داخل مصر وخارجها، منهم: الشيخة أم السعد، ومن جهود الشيخ في علوم القرآن أن صنع خرائط للقرَّاء وطرقهم، فيما أظن أنه لم يسبق إليه، وتعليمه القرآن حتى ختم القرآن على يده عدد كبير من الناس، وكانت علاقته بمشايخ القرآن جيدة، من مشايخ معهد القراءات وغيرهم.

زهده -رحمه الله

       كان الشيخ -رحمه الله- غاية في التواضع، في ملبسه ومأكله ومشربه، مع نظافة وهندام، وبيته في غاية التواضع، لا ترى فيه شيئًا يرد البصر، أكثر شيء فيه الكتب، ولا سيما كتب القراءات وما يخص القرآن، وليس ذلك عن بخل أو فقر؛ فقد كان كريمًا -رحمه الله- سخيًّا، عرف ذلك من عاشره، لكنه يتقلل من الدنيا.

تواضعه -رحمه الله

       كان الشيخ مضرب المثل في التواضع وهضم حظ النفس، واحترام الصغير والكبير، حتى إنك إذا رأيته يتكلم مع إنسان حديث الالتزام كأنه يكلم أحد العلماء، وإذا تحدث عن بعض من يخالطهم -وهم أسمى أمانيهم أن يجلسوا دقائق معه يستمعون إليه- كأنه يتحدث عن مشايخه ومن تتلمذ على أيديهم، حتى لُمته يومًا في ذلك فقال: هذه أخلاق تربينا عليها.

من أخلاقه -رحمه الله

       كان صاحب خلق رفيع، بل هو أخلاق المؤمنين تمشي على الأرض، لا أظن أن أحدًا عاشره ولم يحبه، بل كان -كما حدثني أحد المقربين إليه- سببًا في التزام أناس بسبب هديه وسمته وخلقه وتعاملاته، وكان له تأثير في كل من حوله.

الجوانب الفكرية والمنهجية للشيخ

       كان الشيخ -رحمه الله- تام الانضباط بمنهج السلف، لا يخرج عن ذلك قيد أنملة فيما يظهر لنا، ولا نزكيه على الله، حاثًّا لأبنائه وإخوانه ألا يخرجهم الخلاف مع الآخرين أو محاولة التطور أو واقع الأمة عن هذا الخط، ويرى أن في ذلك الضمانة الأكبر لاستمرار المسيرة وقوة الكيان وتوريث المنهج للأبناء، وأن ذلك ما حافظ على الدعوة وقوتها ومسيرتها الناصعة البيضاء وقوة قراراتها؛ لأنها انطلقت من منهج صافٍ، وليس من عواطف لحظية.

قالوا عن الشيخ

        كتب الشيخ عادل نصر (عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية) عن بداية عمله في الدعوة، وكيف ذهب للشيخ أبي إدريس يشكو إليه كثرة المناهج البدعية حوله، وكانت نصيحة الشيخ -رحمه الله- له: «الحل في العمل الدعوي الجاد، وحينما ينتشر الصواب يكون أمام الخطأ والانحراف واحد من أمرين: إما أن يضعف ويتلاشى، وإما أن يذوب وينصهر في الحق تلقائيًّا».

نصيحة غالية

        وكذا كان من آخر نصائحه -رحمه الله- قبل وفاته: «من ابتعد عما مَنَّ به الله عليه من عمل إصلاحي بحجة أنه لا يريد أن يتعكر قلبه بسبب منغصات هذا الطريق وعوائقه، فإن قلبه سيتعكر عليه ويضيق بأي سبب آخر من أسباب تلك الدنيا المهلكة، وهذا الطريق الإصلاحي عاقبته -إن شاء الله- رضوان من الله، لكنه يحتاج إلى احتساب صادق، وصبر حقيقي، مع حكمة وطول نفس».

دور بارز في إنشاء معهد الفرقان

        يقول عنه المهندس عبد المنعم الشحات، «كان للشيخ -رحمه الله- دور بارز في تدشين منهج الدراسة الفقهية في معهد الفرقان (المعهد العلمي للدعوة السلفية)، وهو تبني كتاب مذهبي؛ لكون الكتب المذهبية تتسم بالتحرير وحُسن الترتيب، والاختيار بين المذهب الشافعي أو الحنبلي؛ لكون الإمامين الشافعي وأحمد أدركا حركة جمع السنة وساهم فيها الإمام أحمد بجهد عظيم، وهذا جعل أقوالهما أقرب إلى السنة، مع عدم اعتبار هذا الاختيار انتماءً مذهبيًّا، ومع التأكيد على أن يعتني مَن يدرِّس في المعهد ببيان الحكم والدليل، ومنهج الاستنباط؛ لتنمية الملكة الفقهية لدى الطلاب».

له هيبة تأثير

        وكتب عنه الشيخ شريف الهواري (نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية): «في الحقيقة لا أستطيع أن أصف حالي عند الحديث عن الشيخ أبي إدريس، فلا زلت في إطار الصدمة -كما يقولون-، ولكن إن كان ولابد من كلمات تكتب، فأقول: إن سماعي عن الشيخ شيء والتقائي به واحتكاكي به شيء آخر تمامًا، فقد كنت أسمع عنه أنه قَيِّم الدعوة وله هيبة، وله تأثير وله نظرات آسرة، وطريقة في الحوار بأدب جم وأخلاق لم أرَ لها نظير، ولكن حينما خالطت الشيخ خلال وجودي في مجلس الإدارة الأول المؤقت والثاني وإلى الآن، في الحقيقة وجدت أن الشيخ شخص رائع جدًّا، يعني عقلية إدارية فذة ورزانة وهدوء، وفي الحقيقة كان له تأثير رائع جدًّا على أعضاء مجلس الإدارة جميعهم. وبطبيعة النقاشات التي قد تحتد فيها الأمور وتختلف وجهات النظر في المسائل الاجتهادية، كان الشيخ آخر من يتكلم حتى لا يؤثر في أحد، حتى إذا ما انتهى الجميع خرج بكلامه الذي يأتي على الجميع -بفضل الله تبارك وتعالى- بالإيجابية، فتستشعر الخبرة والحكمة، وحب الإسلام، والمنهج والكيان».

قائد حكيم وإداري مدقق

        قال عنه الشيخ سامح بسيوني: تولى الشيخ -رحمه الله- قيادة مجلس إدارة الدعوة السلفية بمصر في فتراتها المختلفة، وتحمل هم قيادتها مع باقي مشايخ مجلس إداراتها في مرحلة حرجة فارقة في عمر مصر؛ حيث قادوا دفة سفينة الدعوة بعلم وحكمة وإدراك في أمواج متلاطمة من الفتن، فعبروا بها بسلام -بفضل الله- من مسالك صعبة مزلزلة تعثر فيها جمع كثير. والحقيقة أنك إن أردت أن تسترسل في وصف الشيخ أبي إدريس، فلن يسعفك القلم في تعداد أوصافه: فهو إذا رأيته أسرتك ابتسامته، واستنشقت عبير الإخلاص في كلماته، وإذا تكلم -مع قلة كلامه- تجد كلمات عميقة رزينة تضبط الموازين وتصحح المفاهيم، لا يتحدث إلا بعد دراسة جيدة لما سيتكلم فيه، حريص على استمرارية الطلب والقراءة والتعلم مع علو قدره وعظم مكانته العلمية، وهو مع هذا يستمع لمن يتحدث له بإنصات وانتباه عجيب، ويزن الكلام بعقل راجح، متواضع مع كل أحد، سهل التعامل مع كل أحد، محب للخير باذل له، قائد حكيم، وإداري مدقق، متقن في متابعة العمل، منصف في تقييم الأفراد وحريص على كل أبنائه، معظم للعمل المؤسسي رافض لفردية أي أحد.

مهمة ليست سهلة

        وقال عنه المهندس أحمد الشحات: في السنوات الأخيرة من عمر الشيخ، قد يسر الله لي لقاءات عدة معه، بلغت ما يزيد عن خمسة وعشرين لقاء، تحدث فيها الشيخ عن تاريخ العمل السلفي في مصر، وعن أشياء كثيرة تخص مسيرة الدعوة ومنهجها ورموزها، نسأل الله أن ييسر خروج هذا التاريخ إلى النور في القريب العاجل بإذن الله، والحقيقة التي لا جدال فيها أن الشيخ -رحمه الله- يعد أحد مؤسسي العمل السلفي في مصر بلا نزاع؛ حيث قاد -رحمه الله- مع إخوانه من المشايخ الكرام سفينة السلفية في مصر في وقت لم يكن للسلفية فيه كيان قائم، بل يعود الفضل -بعد الله وحده في تشييد هذا الكيان وإقامة بنيانه- إلى هؤلاء المؤسسين من مشايخ الدعوة السلفية وعلى رأسهم الشيخ أبو إدريس -رحمه الله».

آخر وصايا الشيخ -رحمه الله

          كشف الدكتور محمد إسماعيل أبوجميل، الذي كان مرافقًا للشيخ آخر وصاياه قبل موته؛  إذ قال له الشيخ -رحمه الله-: «أوصيكم بالمنهج، وأوصيكم بالسنة؛ فإنها النجاة»، ويروي أبو جميل حوارا دار بينه وبين الشيخ في بيته، ما جعله يقف مدهوشا من ذلك الرجل الذي اختلطت السنة ومنهج السلف ومنهج الاستدلال بلحمه ودمه وعقله في كل حياته، بدرجة تعجزك وتجعلك فعلا تستشعر منة الله على هذا الرجل، ومنة الله على المنهج وعلى الدعوة بمثله، قائلًا:  كان مما قال -رحمه الله-: «سبحان الله! المنهج السلفي في الاستدلال موافق للفطرة وللعقل الصحيح وللعلم والواقع، لا يكفي فقط أن يكون معك دليل، بل لابد أن يكون هذا الدليل صحيحا».  

عزاء جمعية التراث الإسلامي

       أرسل رئيس جمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: طارق العيسى رسالة عزاء ومواساة لمجلس إدارة الدعوة السلفية ورئيسها الشيخ: د. ياسر برهامي، دعا فيها العيسى أن يتغمد الله الشيخ أبا إدريس بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يبلغه منازل الصالحين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك