رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 6 نوفمبر، 2023 0 تعليق

قواعد نبوية (5) إن الله كتب الإحسان على كل شيء

 

  • مقام الإحسان مقام رفيع فهو غاية مراد الطالبين ومنتهى قصد السالكين لأنك تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
  • علينا أن نتذكر هذه القاعدة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ونتخذها منهجا في حياتنا (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) بمعنى أن الله كتب الإتقان على كل شيء
 

من القواعد النبوية العظيمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» هذه القاعدة يستفيد منها المسلم أن الله -عز وجل- كتب الإحسان، ومعنى الإحسان: الإتقان في كل شيء، في العبادة، وفي طاعة الله -تعالى-، حتى في أعمال الإنسان الدنيوية الله كتب فيها الإحسان، بمعنى أن الله -تعالى- أمر بالإحسان، وأصل هذه القاعدة من حديث نبوي كريم قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحِدّ أحدكم شفرته، وليُرِح ذبيحته»، بمعنى حتى لو أراد الإنسان أن يذبح شيئا من بهيمة الأنعام، فإن الله كتب في ذلك الإحسان، مع أنها دابة أو بهيمة وأنها مذبوحة، لكن مع ذلك الله كتب عليه الإحسان حتى في هذا الأمر اليسير، فما بالكم بما هو أعلى؟!

        والإحسان ينقسم إلى أقسام عدة، منها: الإحسان في عبادة الله -تعالى-، وأصل الإحسان في عبادة الله هو حديث جبريل، لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول الله قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تخيل لما تتعبد لله -تعالى- في عبادة، الصلاة على سبيل المثال كأن الله -تعالى- يراك، وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كبّر العبد كان الله تلقاء وجهه»، إذًا كيف ستكون هذه الصلاة؟! لما تعلم أن الله مطلع عليك، وأن الله يرى هذه الصلاة، ويرى حركاتك وسكناتك! لا شك أنك سوف تتقنها إتقانا، بمعنى أنك سوف تحسن فيها.

الإحسان في الصدقة

        ومثلها أيضا الصدقة، عندما يتصدق الإنسان بصدقة، ويعلم أن الله -تعالى- مطلع عليه، والله أمر بالإحسان في الصدقات، سيخرجها أولا لله -تبارك وتعالى-، لا يخرجها لأجل أن تراه الناس، حتى يقال كريم، أو حياءً من الناس، إنما يخرجها لله -تعالى-، ويعلم أن الله سيضاعف له هذه الحسنات، وإذا تصدق فإنه لا يمن بصدقته، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}، ما هو الأذى الذي يتبع الصدقة؟ عندما يمن الإنسان على ذلك المسكين أو الفقير، فمن الإحسان في الصدقة أن ينفقها لأجل الله ولا يمن فيها.

الإحسان في سائر العبادات

        وهكذا سائر العبادات، الإحسان في عبادة الله، الإحسان في معاملة الوالدين كما قال الله -تعالى- {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، بمعنى أنك تتذلل وتتقن خدمتك لوالديك وبرك بهما، وهذا من أعظم الأعمال التي قرنها الله -تعالى- مع عبادته، وما قرن الله مع عبادته مثل بر الوالدين، الإحسان بالوالدين يتطلب من الإنسان أن يحسن إليهما بالقول، وأن يحسن إليهما بالفعل، وأن يتذلل لهما، قال الله -تعالى- {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، يخفض الإنسان جناحه لوالديه يتذلل لهما، وهذا من أعظم العبادات التي أمر الله -تعالى- بها. بعض الأبناء أو البنات اليوم -مع الأسف- إلا من رحم الله تجده يناقش والديه، يرفع صوته عليهما، مجرد النقاش والحوار هذا أمر مطلوب، لكن لابد أن يكون بتقدير، وأن يكون باحترام وتبجيل، فتبجيل الوالدين واحترامهما وتقديرهما، هذا من بر الوالدين. الإحسان للوالدين أن تسمع كلامهما، وأن تنفذ أمرهما، من الإحسان للوالدين والبر بهما الدعاء لهما سواء كانوا أحياءً أم أمواتا؛ ولذلك لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل: يا رسول الله، هل بقي من بر والدي شيء بعد وفاتهما؟ قال: «نعم، الصدقة عنهما، والدعاء لهما، وصلة رحمهما، وزيارة صديقهما».

صلة الأرحام

         صلة الأرحام - أقارب الأب والأم - هذا من بر الوالدين وهم أحياء، ويتأكد وهم أموات، وأن تحسن إلى صديقات والدتك وأصدقاء والدك بزيارتهم والإهداء لهم، بالاتصال عليهم في بعض المناسبات كبداية رمضان والأعياد، والمشاركة معهم بالأفراح والأتراح، كل ذلك بر بالوالدين؛ لأن والده أو والدته كانوا يحبون هذا الشخص أو هذه العائلة أو كان بينهم علاقة صداقة أو زمالة، فهذا من بر الوالدين، وهذا يرجع للقاعدة الأساسية (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).

الإحسان في العمل

حتى في العمل، إذا كان الإنسان في وظيفة، سواء كانت وظيفة حكومية أم خاصة أم حتى علاقة تجارية، عليك أن تتقن هذا العمل، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». الإتقان في العمل والإحسان فيه طاعة وقربة لله -جل وعلا. دائما نتذكر هذه القاعدة وهذا القول النبوي الشريف عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونتخذها منهجا في حياتنا (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) بمعنى أن الله كتب الإتقان على كل شيء.  

مكانة الإحسان وفضله

مقام الإحسان مقام رفيع؛ فهو غاية مراد الطالبين، ومنتهى قصد السالكين، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الإحسان خلق جميل، وهو دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، وينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء؛ فبالإحسان يشُترى الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة؛ فالإحسان عطاء بلا حدود، وبذل بلا تردد، وإنعام دون منٍّ، وإكرام لا يلحقه أذى. فالمحسن لا يؤذي أحدا، فإن آذاه أحد عفا وصبر وصفح وغفر، وإذا عامل الناس عاملهم بالفضل والإحسان، فيعطيهم وإن منعوه، ويَصِلهم وإن قطعوه، ويمنّ عليهم وإن حرَموه، وإنما كان كذلك؛ لأنه كان بالله غنيا، وبه راضياً، ومنه قريباً، ولديه حبيباً. فمَن أحسن مع الله أحسن مع الناس، ووجد في قلبه سهولة الإحسان إليهم، كما قال -تعالى-: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34-35). والإحسان صفة من صفات الله -عز وجل-؛ فهو -سبحانه- المحسنُ في خلقه، المحسن إلى مخلوقاته، بيده الخير كله، وله ينسب الفضل كله، هو الذي خلق الخلق فأحسنه وجمّله وأبدعه على غير مثال سابق؛ قال -سبحانه وتعالى عن نفسه-: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 6 - 9). وهو -سبحانه- المحسن المنعم على عباده؛ فقد أنعم -سبحانه- على العباد وأحسن إليهم بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم أنواع الإحسان أن الله -سبحانه- يعفو ويغفر لمن أذنب، ويتوب على من تاب إليه، ويقبل عذر من اعتذر إليه. {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (الشورى: 25).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك