رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 30 أبريل، 2024 0 تعليق

قواعد نبوية (18) أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم

  • ذكر الله تعالى حياة للقلوب وطمأنينة للنفوس وسبب للتوفيق والهداية والرزق
  • لما عدد الله تعالى صفات المؤمنين وأعمالهم ذكر أن أبرز هذه الصفات الإكثار من ذكر الله تعالى فالإنسان إذا أحب شيئا أكثر من ذكره
  • على الإنسان أن يكون مسارعا ومبادرا ومسابقا إلى طاعة الله تعالى ويكون لسان حاله {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}
 

قاعدة نبوية عظيمة من القواعد التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذه القاعدة تبين لنا فضيلة عمل من الأعمال الجليلة، عمل هو من أسهل الأعمال للإنسان، لكنه من أعظم الأعمال وخيرها عند الله -تعالى-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!، قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ».

       نحن في هذه الحياة الدنيا في ميدان سباق ليوم القيامة، لنقابل الله -تبارك وتعالى-، وفي هذه الحياة الدنيا نتاجر مع الله، فمن التجارة من تكون تجارته رابحة، ومنهم نسأل الله العافية والسلامة من تكون تجارته خاسرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف: 10-11).

التجارة مع الله -تعالى

       إذًا علاقتنا مع الله علاقة تجارة قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة) (التوبة: 11)، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207)، وهذه التجارة هي ميدان للمنافسة والمسابقة والمسارعة إلى طاعة الله -تعالى-؛ لذلك يأمرنا الله -عز وجل- بالمسارعة في طاعته بقوله: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)، فعلى الإنسان أن يكون مسارعا ومبادرا ومسابقا إلى طاعة الله -تعالى-، ويكون لسان حاله {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.

كيف أفوز ويكون لي قدم السبق؟

إذًا كيف أفوز ويكون لي قدم السبق والمسابقة، وأن أكون من أوائل الناس عند الله -تعالى- وأنا في هذا الميدان، ميدان المنافسة؟ من أفضل هذه الأعمال ذكر الله -تعالى-؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ» قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: «الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ»، ولما عدد الله -تعالى- صفات المؤمنين وأعمالهم قال {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب:35)، فمن أبرز صفات المؤمنين أنهم يذكرون الله، ويكثرون من ذكره، والإنسان إذا أحب شيئا أكثر من ذكره.

أحب محبوب عندنا

       ولا شك أن أحب محبوب عندنا هو الله -تعالى- ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المحبة سبب من أسباب حلاوة الإيمان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ»، وذلك لحبه للإسلام ولشريعة الإسلام، ولهذا الدين العظيم.

فضل الذكر

      ذكر الله -تعالى- حياة القلوب، وطمأنينة النفوس، وسبب للتوفيق والهداية والرزق، قال الله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً}، وهذا الذي يذكر الله -تعالى- إنما هو الحي حياة حقيقية، والذي لا يذكر الله وإن كان في صورة حي إلا أن قلبه ميت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ». انظروا إلى الفرق بين إنسان مسجّى ميت لا حياة فيه ولا روح، وبين إنسان حي يمشي ويتحرك ويأكل ويشرب ويذهب ويأتي، فرق بين الاثنين، هذا هو الفرق وهذا هو المثال الذي ضربه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نعلم أن هناك فرقا بين الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله.

ذكر الله راحة وطمأنينة

       ذكر الله راحة وطمأنينة، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، كثير من الناس اليوم يبحثون عن السعادة، وطرقوا أبوابا كثيرة في السفر وفي الأموال وفي أنواع من الملذات والشهوات وغيرها، كل ذلك يبحثون عن لذة السعادة وطعم الطمأنينة، ويريدون أن يشعروا بهذا الطعم وما علموا أنه بهذه العبادة الجليلة ذكر الله -تعالى.

مئة فائدة لذكر الله -تعالى

       وقد ذكر الإمام ابن القيم الجوزي -رحمه الله- أكثر من مئة فائدة لذكر الله -تعالى- منها سعة الرزق، وانشراح الصدور، وطمأنينة القلب، والبركة في الأوقات، والبركة في الأعمال، والإعانة حتى على أعمال الإنسان، فقد روى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّ فاطِمَةَ -رضي الله عنها- شَكَتْ ما تَلْقَى في يَدِها مِنَ الرَّحَى، فأتَتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعائِشَةَ، فَلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ، قالَ: فَجاءَنا وقدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْتُ أقُومُ، فقالَ: مَكانَكِ فَجَلَسَ بيْنَنا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، فقالَ: ألا أدُلُّكُما علَى ما هو خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُما إلى فِراشِكُما، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ وعَنْ شُعْبَةَ، عن خالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قالَ: التَّسْبِيحُ أرْبَعٌ وثَلاثُونَ.    

وقفات مع قوله -تعالى-: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}

مما يثير العجب في النفس في قوله -تعالى-: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} (العنكبوت:45)، ما ذكره العلماء في هذه الآية من أقوال، ومنها:
  • القول الأول: قال ابن كثير -رحمه الله-: «يَعْنِي: أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى تَرْكِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، أَيْ: إِنَّ مُوَاظَبَتَهَا تَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ، وَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أَيْ: أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ» اهـ، وذكر ابن القيم المعنى نفسه عن ابن تيمية (رحمة الله عليهم جميعا).
  • والقول الثاني: ولذكر الله -تعالى- أفضل من كل شيء سواه، وهذا مذهب أبي الدرداء، وسلمان، وقتادة. (ذكره ابن الجوزي في زاد المسير)، وقال ابن القيم: «وقال ابن زيد وقتادة: معناه: ولذكر الله أكبر من كل شيء». وقيل لسلمان: أي الأعمال أفضل؟ فقال للسائل: أما تقرأ القرآن {ولذكر الله أكبر}؟ ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء المتقدم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم» الحديث» اهـ

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك