رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وليد دويدار 13 يوليو، 2010 0 تعليق

قبل أن تسافر

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15)، وللمسلم المسافر آداب وأحكام لا تنفك عنه، يستحب له الإتيان بها والمحافظة عليها ليكتمل بذلك أجر سفره، وتكون هذه الآداب والأحكام عوناً له على طاعة ربه، مقتدياً في ذلك برسوله [ ، وبأصحابه من بعده، ومن هنا كانت لنا هذه الوقفات معك أخي المسافر، وقبل أن تسافر:

-استحضر النية الصالحة في السفر: فقد ثبت في الصحيحين، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله [ : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلىَ اللهِ وَرَسُولِهِ فهَجْرتُهُ إلَى اللهِ ورسولِهِ، ومنْ كانَتْ هِجْرته إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

2- اطلب النصح من أهل العلم والصالحين: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ ] أن رجلا قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: «عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف» فلما أن ولى الرجل قال:« اللهم اطو له الأرض وهون عليه السفر» رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

3- يستحب توديع المسافر ووصيته فلا تفوتك هذه السنة: فعن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ [ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: «ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا؛ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

4 - والمقيم يودع المسافر: فعن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه تعالى عنهما- أنّه كان يقول للرّجل إذا أراد سفرا: ادن منّي أودّعك كما كان رسول اللّه [ يودّعنا: «أستودع اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك». الترمذي واللفظ له، وأبو داود،  وصححه الألباني.

5- استحباب السير ليلاً: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ [ قَالَ: {إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ؛ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ». رواه البخاري، وعن أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله [: «عليكم بالدُّلْجَةِ فإن الأرض تطوى بالليل». رواه أبو داود(2571) وصححه الألباني. قال ابن حجر-رحمه الله-: والدلجة: سير الليل.(الفتح: 11/298).

6- طلب الرفقة في السفر، والتأمير إذا كنتم ثلاثة فأكثر: عَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله [: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود، وحسنه الألباني. قال ابن قدامة -رحمه الله -: وينبغى أن يلتمس رفيقا صالحاً محباًّ للخير معيناً عليه، إن نسى ذكره ، وإن ذكر أعانه، وإن ضاق صدره صبّره، وليؤمّر الرفقاء عليهم أحسنهم خلقاً، وأرفقهم بالأصحاب، وإنما احتيج إلى التأمير، لأن الآراء تختلف، فلا ينتظم التدبير، وعلى الأمير الرفق بالقوم، والنظر في مصالحهم، وأن يجعل نفسه وقاية لهم» . اهـ.

7- ما يقول المسافر إذا ركب للسفر، وإذا عاد منه: عن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ: « سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِى سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِى السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِى الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِى الْمَالِ وَالأَهْلِ». وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ. وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ». رواه مسلم. والوعثاء: الشدة والمشقة.

8- التكبير عند الصعود، والتسبيح عند الهبوط: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» رواه البخاري. وكان النبي [ وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا. رواه أبو داود، وصححه الألباني.

9- استحباب الدعاء في السفر: عن أبي هريرة: أن النبي [ قال: «ثلاثُ دَعَواتٍ مستجاباتٌ لا شكَّ فيهن: «دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم». رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني.

10- وتستحب لك صلاة النافلة على ظهر الراحلة: سواء أكانت الراحلة طائرة، أو سيارة، أو باخرة، ولا يجوز ذلك في الفريضة إلا لعذر كخوف فوات الوقت؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ [ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» رواه البخاري. قال ابن بطال: أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلى الفريضة على الدابة من غير عذر.اهـ .

11- والمسح على الخفين ثلاثة أيام في السفر سنة: فقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك فقال: «جَعَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِر،ِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» رواه مسلم.

12- قصر الصلاة في السفر: وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ}(النساء: 101)، وفي صحيح مسلم، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {فلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»، وقد أجمع المسلمون على ذلك.

13- جواز الجمع بين الصلاتين في السفر: لحديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «رأيت رَسُولَ اللَّهِ [ إذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حتى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ». رواه البخاري ومسلم.

14- جواز الفطر للمسافر في رمضان: قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 184)، وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: كان رسول اللَّهِ [ في سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قد اجْتَمَعَ الناس عليه وقد ظُلِّلَ عليه، فقال: «ما له»؟ قالوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فقال رسول اللَّهِ [: «ليس من الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا في السَّفَرِ». رواه مسلم ، وزاد في رواية أخرى: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ».

15- ما يقال إذا نزلت منزلاً للاستراحة، أو الزيارة: عنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ [ يَقُولُ: إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَىْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ». رواه مسلم.

16- تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء حاجة المسافر: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ [ قَالَ: السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» متفق عليه.  نَهْمَتَهُ: أي مقصوده.

17- إذا رجع المسافر ورأى بلدته: قال كما قال النبي [ حين عاد إلى المدينة، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه- قال: «أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِىِّ [ أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ. وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ».متفق عليه، واللفظ لمسلم.

18- يستحب لك الرجوع من السفر في غير الليل: «فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ كَانَ لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلاً وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً». متفق عليه. والطروق: المجيء في الليل.

19- استحباب ابتداء القادم من السفر بالمسجد وصلاته فيه ركعتين: فعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله [ «كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ». متفق عليه. وهذه من السنن المهجورة عند الكثير، وهي صلاة ركعتين عند القدوم إلى الأهل  في أقرب مسجد.

فإذا كانت هذه بعض الآداب والأحكام التي لا ينبغي أن تفوت المسلم، فإن ثمة أموراً مخالفة لا ينبغي أن يقع المسلم فيها أثناء سفره، ومن هذه الأمور: الاستماع للأغاني، وإضاعة الوقت فيما لا ينفع، والفوضى وعدم الانضباط، والتقصير في الصلاة، وعدم غض البصر، والذهاب للكهنة والعرافين، والاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم، والإسراف في الأكل والشرب، والتفرد بالرأي وانعدام مبدأ الشورى، ... إلى آخر ما حرم الله عز وجل.

وأخيراً وقبل أن تسافر: تذكر أن الله مطلع عليك في أي زمان ومكان، وأنه سبحانه وتعالى وضع لكل منا أجلاً! فإياك وسوء الخاتمة، وتذكر نعمة الإسلام وأن الله قد من عليك بها؛ فحافظ عليها ولا تنخدع بمظاهر المشركين وحرياتهم المزعومة، ولا تكن ناهياً عن المنكر في بلدك فاعلاً له في بلد غيرك، صحبتك السلامة، ونستودعك الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك