رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 5 ديسمبر، 2023 0 تعليق

في ضوء الكتاب والسنة – الجهاد في الإسلا م – مفهومه وأحكامه وضوابطه (2)

 

  • يجب على المسلم أن يعتصم بالكتاب والسنة ولا سيما في أيام الفتن ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن واستعاذ منها وأمر بلزوم جماعة المسلمين
  • أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة
  • المخرج من الفتن المضلة هو التمسك بالكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم لأن من خالف ذلك فهو من الضالين
 

باب الجهاد في سبيل الله وأحكامه، باب واسع يحتاج إلى عناية فائقة، ومعرفة مفهومه، وحكمه، ومراتبه، وأهدافه، وضوابطه، والحكمة من مشروعيته، وأنواعه، وشروط وجوب الجهاد، ووجوب استئذان الوالدين في الخروج إلى جهاد التطوع في سبيل الله -تعالى-، وأن أمر الجهاد موكول إلى الإمام المسلم، واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ما لم يأمر بمعصية، ووجوب الاعتصام بالكتاب والسنة ولا سيما في أيام الفتن، وفضل الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وأسباب النصر على الأعداء.

الضابط الرابع: الاعتصام بالكتاب والسنة ولا سيما في أيام الفتن

      يجب على المسلم أن يعتصم بالكتاب والسنة ولا سيما في أيام الفتن؛ ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن واستعاذ منها، وأمر بلزوم جماعة المسلمين، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» قالوا: يا رسول الله، أيما هو؟ قال: «القتل، القتل»، وفي لفظ: «يتقارب الزمان، وينقص العلم...». وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرُّ منه، فعن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج فقال: «اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم» سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم .

المبادرة بالأعمال الصالحة

      وحث - صلى الله عليه وسلم - على الأعمال الصالحة قبل الانشغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة؛ فقال: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا»، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فتنٌ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرَّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به».

المخرج من جميع الفتن

        والمخرج من جميع الفتن المضلة التمسك بالكتاب والسنة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ لأن من خالف ذلك فهو من الضالين قال الله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ لـِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لـَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا}، وقال -تعالى-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}، وقال -تعالى- فيمن يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»، وجاء في السنن والمسانيد ما أُثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكة يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أُوتيتُ الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم».  

عدم التكلم في الدين إلا بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم 

       قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فعلى كل مؤمن ألا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس ديناً غير ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أراد معرفة شيء من الدين، نظر فيما قاله الله -عز وجل- وما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة».

الاختلاف يسبب الشرور

      ولا شك أن الاختلاف يسبب الشرور الكثيرة، والفرقة، والعذاب؛ ولهذا قال الله -تعالى-: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لـَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» وفي لفظ: (الجماعة) أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وعن حذيفة - رضي الله عنه -  قال: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كُنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم) قلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها»، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: «نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».

وجوب لزوم جماعة المسلمين

       قال الإمام النووي - رحمه الله -: «وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي: من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها». ولا شك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة؛ لحديث معاوية - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك