رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 26 أغسطس، 2010 0 تعليق

في رحاب الدعوة السلفية.. عقود من النجاحات المتواصلة للقضاء على الخرافات والشركيات

 

 


 «السلفية» أو « التيار السلفي» أو «الفكر السلفي» كلها مصطلحات أراد البعض القضاء عليها ومحاربتها من فئات وجهات عديدة، وإن اختلفت في أفكارها وتوجهاتها إلا أنها اتحدت في هدفها وهو القضاء على هذا التيار الذي يعد الوحيد الباقي لإنقاذ الأمة من الهلاك الذي يلحق بها كل يوم وليلة.

فمن العلمانية والماركسية والصوفية والرافضة وصولاً إلى ما عرف بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الأممية أيضاً وحتى بعض الحكومات.. كل هؤلاء جندوا أنفسهم لخوض الحرب على السلفية ومنهجها الوسطي المعتدل، منهج الإسلام وشريعته الذي ارتكز على الكتاب والسنة المحمدية المطهرة.

وذلك فإنما مرجعيته جهل هؤلاء جميعاً بحقيقة السلف الصالح ومنهجهم ومن اتبعهم إلى اليوم.. ساعد في ذلك ظهور عدد من الجماعات الحركية التي اعتمدت في نشاطها على رفع السلاح وارتكاب الجرائم وأحداث العنف ضد العزل من الناس أيًا كان توجههم أو دينهم وهم الذين يعرفون بالسلفية الجهادية أو السلفية الحركية أو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. إلخ من مثل هذه التنظيمات، وفي الحقيقة فإن السلفية الحقة وهي السلفية القائمة على التمسك بوسطية الإسلام متمثلة في كتاب الله وسنة نبيه [ تنكر هذه الأفعال تماما، بل تحاربها، كما حاربت الأفكار الضالة من البدع والخرافات التي توقع أصحابها في مستنقع الشرك والضلال، وهو ما أفزع أصحاب هذه الدعوات على مر العقود السابقة بفضل النجاح الباهر الذي حققته الدعوة السلفية على يد كثير من دعاتها وعلى رأسهم مجددها الشيخ محمد بن عبدالوهاب من أرض الجزيرة العربية لتنطلق إلى ربوع العالم الإسلامي، في مصر وبلاد الشام والمغرب العربي وأفريقيا وآسيا ويذيع صيتها ويهتدي بهديها أصحاب العقيدة السليمة المتشوقين إلى رضا الله عز وجل، المتعلقين بحب نبيه [.

وفي ظل هذا الهجوم والحرب الضروس ضد السلف، يندفع الإنسان ليبحث عن حقيقة هذه الدعوة وماهيتها وصولا إلى حقيقة تهدي قلبه.

 فالسلف نسبة إلى أصحاب رسول الله [ وتابعيهم بإحسان ومن بعدهم، والانتماء إلى السلفية إنما هو انتماء إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله [ وإلى طريقة أهل الحديث، وأهل الحديث هم أصحاب المنهج السلفي الذين يسيرون عليه.

وفي كتابه تعالى أثنى الله عليهم بقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} ( الفتح - 29)، وقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة:100)، فذكر تعالى المهاجرين والأنصار ثم مدح أتباعهم، من الذين جاءوا من بعدهم.

 انتشار السلفية

 إن المتطلع إلى تاريخ الدعوة السلفية وانتشارها سيجد أنها دعوة جاهدت بالحق والصبر حتى تعلق الناس بها لتصل إلى مشارق الأرض ومغاربها. ففي مصر تأثر عدد ممن هداه الله عز وجل بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وطافوا لينشروا هذه الدعوة المجددة في وجه الأباطيل والخرافات، وإن واجهوا كثيراً من العوائق والصعوبات وخصوصاً بعد أن أشهروا جمعية أنصار السنة المحمدية لتكون دعوتهم بشكل علني وشرعي.

 فقد تأسست في مصر جماعة أنصار السنة المحمدية لتنتشر في غيرها من البلاد وبنفس الاسم والنهج، فهي جماعة سلفية تقوم على التوحيد الخالص والسنة المحمدية المطهرة لنبذ الخرافات والبدع التي كانت منتشرة في ذلك الزمان، فقد تأسست أنصار السنة في عام 1345 هــ - 1926 م على يد الشيخ محمد حامد الفقي لينطلق بعد حصوله على العالمية من جامعة الأزهر 1917 م للدعوة إلى التوحيد واتباع سنة المصطفى [ من مسجد شركس بالقاهرة.

 ومن خلال مقاهي القاهرة ومنتدياتها وفي أثناء ذلك تعرض لمضايقات من أصحاب الطرق الصوفية، حتى فكر في تأسيس جمعية لنشر الفكر السلفي في 1926 م واختار اسم ( دار جماعة أنصار السنة المحمدية) فتوهج نشاط الجمعية وازداد أتباعها مما اثار الغيظ في قلوب البعض من كبار موظفي قصر عابدين على الشيخ الفقي فعادوه وسلطوا عليه من حاول قتله لمنع الناس عن دعوته وعلى أثر ذلك سافر الفقي الى السعودية ثلاث سنوات لتتوقف الدعوة، ليعود نشاطها من جديد بعد عودته وبشكل اكثر تنظيما وترتيبا حيث أنشأ عدداً من الإدارات والفروع في القاهرة والجيزة والإسكندرية وبعض المحافظات ليصل أعداد أعضائها بالآلاف ليؤسس بعدها مجلة « الهدي النبوي «الناطقة باسم الجماعة ودعوتها وتولى الفقي رئاسة تحريرها وشارك في تحريرها الشيخ أحمد شاكر والأستاذ محب الدين الخطيب والشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر والشيخ محمود محيي الدين عبدالحميد وغيرهم.

 ومع انتشار دعوة أنصار السنة وازدياد أتباعها أنشأ الفقي مطبعة السنة المحمدية بهدف نشر كتب السلف وبخاصة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، كما ساهم في طباعة المنشورات ضد الاحتلال البريطاني في مصر.

الصراع بين الجماعة والصوفية

دخل الشيخ الفقي والجماعة في صراع شديد مع أصحاب الطرق الصوفية من ناحية وبين أصحاب دعوات التغريب والعلمنة من ناحية أخرى وذلك بعد أن علا صوت الشيخ في الإنكار على هؤلاء وكان من تبعات ذلك نقله من وظيفته أكثر من مرة، وظل رحمه الله تعالى في جهاده ضد الباطل وأهله حتى توفاه الله فجر الجمعة السابع من رجب 1378هـ الموافق 16يناير 1959م.

ثم جاء من بعده الشيخ عبد الرزاق عفيفي ( 1323ـ 1351هـ ) (1904ـ 1932م) الذي حصل على شهادة العالمية (الدكتوراه) في الفقه وأصوله من جامعة الأزهر، وواصل جهاده ومن بعده الشيخ عبدالرحمن الوكيل ضد الفرق الضالة من البهائية والقاديانية والطرق الصوفية حتى مثل الشيخ الوكيل أمام النيابة العامة في ذلك الوقت للتحقيق معه بسبب كثرة شكاوى مشايخ الطرق الصوفية منه بسبب رسالاته التي نشرها بعنوان «هذه هي الصوفية» وترجمت إلى اللغة الإندونيسية.

التجميد

دخلت الدعوة السلفية مرحلة حرجة حيث دمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة المحمدية في الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية في عام 1969 م بهدف تجميد نشاطها وتوقفت مجلة « الهدي النبوي «.

 تجديد

وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات قام الشيخ محمد عبدالمجيد الشافعي الشهير بـ «رشاد الشافعي» المؤسس الثاني للجماعة والذي أصدر مجلة

«التوحيد» بعد إعادة الإشهار بثلاث سنوات لتحل محل مجلة « الهدي النبوي « وتولى رئاسة تحريرها وتكثف نشاط الجماعة في عهده وزاد عدد فروعها في محافظات مصر المختلفة.

وفي عهد الشيخ صفوت نور الدين الذي نصب رئيسا عاماً للجماعة في عام 1991م حدث انسجام بين الجماعة والأزهر ووزارة الأوقاف مما برهن على صفاء دعوة الجماعة واعتدالها.

 انتشار الدعوة خارجياً

بدأت الدعوة يذاع صيتها في الخارج وتمكنت من الانتقال في عدد من الدول فقد انتشرت في السودان واريتريا كمجموعات صغيرة على يد الشيخ أحمد حسون،  وتأسست في السودان جمعية بنفس اسم الجماعة المصرية «جماعة أنصار السنة المحمدية»، ومن أهم جهودها محاربة وكشف العقائد الصوفية التي كانت صاحبة النفوذ الأقوى هناك في وقتها، ومحاربتها للتنصير في الجنوب مما أدى لدخول كثيرين في الإسلام، ومن أهم الجهود في هذا المجال المناظرة الشهيرة التي تمت بين الجماعة و18 قسيساً عام 1979م لعدة أيام لتنتهي بإسلامهم جميعاً على يد مجموعة من المسلمين بقيادة الدكتور محمد جميل غازي نائب الرئيس العام للجماعة في مصر.

و لم تقف الدعوة عند هذا الحد بل انتشرت في العديد من البلدان الأفريقية مثل إريتريا وإثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى بواسطة الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات السودانية أو أثناء الإقامة في الأراضي السودانية أو المرور بها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، أو بسبب نزوح اللاجئين من تلك الدول أثناء الحروب والمجاعات حيث تعرفوا على الدعوة ونقلوها إلى بلادهم. وكان للشيخ محمد الحسن عبدالقادر، خريج دار الحديث بمكة المكرمة الفضل في توصيل الدعوة إلى عدد من الدول الأفريقية والآسيوية مثل: المغرب، وموريتانيا، وغانا، وإثيوبيا، وغينيا، ونيجيريا، وكينيا، وبعض الدول الآسيوية مثل: إندونيسيا وتايلاند وبنغلاديش وبعض الدول الأوروبية وبخاصة هولندا.

إن الحديث عن الدعوة السلفية ونجاحاتها عبر العقود الماضية والنجاحات التي حققتها باستمالة الناس إليها وجعلهم أكثر التزاماً حديث طويل وممتع لا يكاد ينتهي. وقد عرضنا بعضاً منه في السطور السابقة وتبين أن السلفية تدعو إلى الوسطية المنتهجة بكتاب الله وسنة نبيه [، نابذة الفرقة والتحزب، ومجابهة للبدع والخرافات، لا تقحم نفسها في أمور السياسة، فكان شيوخ السلف منذ أول يوم بعيدين كل البعد عن أي منصب أو مطمع سياسي متفرغين للدعوة ولما يحقق صالح الأمة بالرغم مما يحاق بهم من مكائد وعدوان ومحاولات الزج بهم في معارك سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

قوة واستمرارية

وتأسيساً على ماسبق يقول فضيلة الدكتور عبدالله شاكر، الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر :  الدعوة السلفية دعوة مباركة قواعدها وأصولها مستمدة من منهج النبي [ واَله، وهذا يعطيها قوة واستمرارية والتفافا حولها من الأمة وأفراداً وجماعات وحكومات، فهي دعوة إلى التعبد الصحيح وفي هذا الإطار فهي تدعو إلى الإخلاص وهدف انتشارها تعبد الناس ورجوعهم إلى الله.

وأكد شاكر أن السلفيين لا يسعون إلى منصب، بل وراء أئمتهم وحكامهم ناصحين لهم بما فيه الخير لشعوبهم وأوطانهم ؛ ولذلك أخذت الدعوة قوة كبيرة وانتشاراً واسعاً، وكان ذلك بفضل أنهم لم يخرجوا قيد أنملة عما كان عليه النبي [ فقد وضعوا نصب أعينهم منهاجه وسنته، من هنا فيجب على الأفراد والجماعات والحكومات أن تعرف قدر هذه الدعوة وأن تقدر حجمها وأن تساهم في نشر الأمن والاستقرار في البلاد.

 ويستطرد شاكر في كلامه قائلاً : إنني كلما زرت بلداً وجدت أهلها على منهج أهل السنة فأجدهم مطمئنين مستقرين.

 وحول ما نشره البعض مؤخراً من أن النظام لوح ببطاقته الحمراء في وجه السلفيين موصلاً إليهم رسالة صريحة بأن معتقلات «ما وراء الشمس» بما فيها من سحل وصعق تنتظرهم وأن كلاً من جمعيتي «أنصار السنة» و«الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية» تحت التحكم، قال شاكر: في الحقيقة هذا الكلام ليس له أصل ولا أساس من الصحة، فجمعيتي «أنصار السنة» و»الجمعية الشرعية» هيئتان علميتان قائمتان ومسجلتان تحت بصر وسمع الدولة وهي في هذه المسائل تقومان بالدعوة الصريحة والجهات الرسمية تعرف ذلك، بل إننا ننتشر وبين الحين والاَخر نشهر فروعاجديدة ومساجد جديدة، بل هناك بعض مساجد وزارة الأوقاف يخطب بها شيوخ من جماعة أنصار السنة.

 وعن دور الدعوة السلفية في القضاء على الخرافات والشركيات يقول شاكر : رأيت الناس وأنا شاب صغير كيف يقفون على القبور متوسلين بها ويمارسون البدع والخرافات المختلفة وخصوصاً في المناطق الريفية.. أما اليوم فقد تغيرت الصورة ونجحت الدعوة بشكل كبير للغاية في القضاء على هذه الخرافات.

دعوة الصفاء

وللأسف، فدائماً ما يطلق على السعودية أنها الدولة الوهابية وأنها مصدرة الفكر الوهابي إلى بقية البلدان العربية والإسلامية، وقد علق لي على هذا في حوار سابق فضيلة الدكتور عبدالعزيز العمار الذي انتقد ذلك بشدة، مؤكداً أن المملكة السعودية تطبق دين الإسلام وليس دعوة فلان أو علان، ولكن كل ما هنالك أن الشباب أحبوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى صفائها وتسامحها واحترامها للمذاهب الفقهية الأربعة بعكس ما أشيع عنها من التشدد والتزمت من قبل بعض الدوائر التي تستهدف المملكة وتريد تشويه الدعوة الإسلامية.

التفاف

كل هذا وغيره جعل الناس يلتفون حول الدعوة السلفية متمسكين بنهجها، وما ساعد في ذلك في مصر مثلاً وجود شيوخ أفاضل من رموز السلفية الحقة أمثال الشيخ أبي إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ مصطفى العدوي وغيرهم ممن يشار إليهم بالبنان، ولعل في هذا المقام نذكر الواقعة التي وقعت أخيراً من الروائي أنيس الدغيدي الذي ألف رواية بعنوان صادم وخارج حدود اللياقة والأدب مع سيدنا رسول الله [ وكانت بعنوان «محاكمة النبي» وكانت جريدة «اليوم السابع» المصرية قد أشارت إلى نيتها نشر هذه الرواية أو فصولاً منها، ولولا وقوف شيوخ السلفية لهذا الأمر وتبصير الناس وعلى رأسهم الشيخ أبو إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان، لنشرت الرواية وكانت الإساءة من داخلنا لا من الخارج، وبفضل الله تراجعت « اليوم السابع « عن نشر الرواية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك