رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 19 فبراير، 2024 0 تعليق

في ذكرى الاحتلال الغاشم للكويت – الاستقلال والتحرير نعمة ومسؤولية

  • لم يكن للاحتلال العراقي الغاشم على الكويت أي مسوغ لا من قيم أو مبادئ أو أخلاق أو حسن جوار فلقد تناسى هذا الباغي كل الحقوق التي شرعها الله تعالى للجار والأخ المسلم
  • دراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منه هو دأب الأمم القوية فالأمة التي تهمل قراءة تاريخها لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها
  • من الدروس والعبر أن الواجب على من ينتسب للإسلام أن يقف مع طالب الحق وينصره وأن يسعى لردع الظالم والقضاء على ظلمه بالأساليب المناسبة والمشروعة التي يحصل بها المطلوب
  • المسباح: الغزو ذكرى مريرة مرت بها الكويت وتجربة مؤلمة عاش الكويتيون مرارتها وكان اختبارًا صعبا نجح فيه الكويتيون وجسدوا عمليا المعنى الحقيقي للحمة الوطنية
  • النجدي: من شكر الله تعالى علينا أن نستقيم على دين الله عزوجل وعلى طاعته سبحانه وطاعة رسوله الكريم ظاهرا وباطناً وأن نتوب إلى الله من جميع الذنوب
 

في فجر يوم الثاني من أغسطس عام 1990م، ذلك اليوم الذي كان من المفترض أن يكون فجرًا مشرقا يستيقظ فيه أهل الكويت آمنين مطمئنين، لكنه -مع الأسف- كان فجرًا مظلمًا، اجتاحت قوى الشر والظلم حرمة تلك البلدة الآمنة المسالمة، لقد استيقظ أهل الكويت على جريمة نكراء، ضد الإنسانية وضد الشرائع السماوية والأعراف الدولية؛ حيث غدر الأخ العربي المسلم بأخيه، واستباح دمه وماله وعرضه وأرضه، إنها حادثة تجلت فيها أنواع الخيانة والطمع.

      لم يكن للاحتلال العراقي الغاشم للكويت قبل نحو 34 عامًا أي مسوغ، لا من قيم أو مبادئ أو أخلاق أو حسن جوار، لقد تناسى هذا الباغي كل الحقوق التي شرعها الله -تعالى- للجار والأخ المسلم، وما حرَّمه الله من الظلم، وأن الأصل في المسلم أنه معصوم الدم والمال؛ فلا يجوز الاعتداء عليه بحال من الأحوال، قال -تعالى-: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال رسول الله - صلى لله عليه وسلم -: «كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ».

حادثة غيرت مجرى التاريخ

        ولا شك أن هذه الحادثة التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة، بل في العالم أجمع، لا تنتهي الدروس والعبر المستفادة منها، مهما تقادمت الأيام ومرت السنون والأعوام؛ فالتاريخ هو ذاكرة الأمم، ولا تستطيع أمة أن تعيش بلا ذاكرة، ودراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منه، هو دأب الأمم القوية؛ فالأمة التي تهمل قراءة تاريخها، لن تحسن قيادة حاضرها ولا صياغة مستقبلها.

الدروس المستفادة

ما أكثر الدروس المستفادة من هذه المحنة! وأهمها ما يلي: (1)  أهمية الرابطة الإيمانية والوحدة الوطنية إنَّ الرابطة الإيمانية، والوحدة الوطنية، التي جمعت أهل الكويت باختلاف توجهاتهم، وتماسكهم والتفافهم حول قيادتهم السياسية، وارتباطهم بدينهم وثوابتهم الأخلاقية، هي دائمًا وأبدًا العامل الأهم في حفظ الوطن من أي أزمات مهما كان حجمها؛ فأبناء الكويت قادرون -بعد الله عز وجل ثم بوحدتهم وقيادتهم السياسية الحكيمة- على تجاوز أحلك المواقف والأحداث لتخرج الكويت منها أقوى مما كانت وأعظم، وما أحوجنا اليوم لاستحضار تلك الروح التي اختفت معها مظاهر الفرقة والاختلاف كافة وقت الغزو لتستكمل الكويت مسيرة البناء والنهضة والتنمي!. (2)  دور العلماء عند المحن ومن الدروس العظيمة في هذه النازلة، أن للعلماء دورًا عظيمًا في واقع الأمة، ولاسيما في النوازل والمحن التي تمر بها، فلقد برز دور العلماء في هذه المحنة، فكان رأيهم واضحًا بفضل الله -جل وعلا-، واطمأنت الأمة إلى صواب رأيهم، ولن ينسى التاريخ أبدًا لعلماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-، الذي كان موقفه فارقًا في هذه القضية الذي تعلَّق بالجهاد في سبيل الله -جل وعلا-، وهذا دليل على دقة الوعي ودقة الفهم، وكذلك موقف الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- الذي كان واضحًا من تلك الأزمة؛ حيث أيد ما ذهبت إليه هيئة كبار العلماء، وكان من الموقعين على الفتوى الخاصة بذلك وقال سماحته: البيان خرج باسم هيئة كبار العلماء وأنا مع البيان. (3) الوقوف مع الحق ومن الدروس والعبر في هذه المحنة الشديدة أهمية الوقوف مع الحق ومساندته، وهذا مما ذكره سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- في كلامه؛ حيث قال: لابد من الوقوف مع الحق ضد الظالم والمعتدي؛ فمن الغريب أن تكون جماعة من غير المسلمين، تنصر المظلوم وتردع الظالم، بينما دول تنتسب إلى الإسلام تقف مع الباطل والظالم، إن هذا لمن العجائب والغرائب! فالواجب على من ينتسب إلى الإسلام ويدعيه، أن يكون مع الإسلام حقيقة، وأن يكون مع طالب الحق، ومع ناصر الحق، لا مع الظالم والمعتدي، ولو كان قريبه أو أخاه؛ فالواجب نصر المظلوم، وردع الظالم والقضاء على ظلمه بالأساليب المناسبة التي يحصل بها المطلوب، كما قال المصطفى - صلى لله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قيل يا رسول الله، أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: «تحجزه عن الظلم؛ فذلك نصرك إياه» وهذا الحديث العظيم من جوامع الكلم؛ فالواجب على أهل الإسلام أن يطبقوه وأن يلتزموا به مع القريب والبعيد.

الغزو كان ولا زال ذكرى مريرة

        من جهته قال الشيخ: ناظم المسباح: إن الغزو العراقي للكويت كان ولا زال ذكرى مريرة، مرت بها الكويت، وتجربة مؤلمة عاش الكويتيون مرارتها، وكان اختبارًا صعبا نجح فيه الكويتيون، وجسدوا -عمليا- المعنى الحقيقي للحمة الوطنية دون النظر إلى أي فوارق بين طيف وآخر، مبينا أن التفاف الشعب الكويتي حول قيادته المتمثلة آنذاك في سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وسمو ولي عهده الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله -رحمهما الله- كان بمثابة رسالة واضحة للعالم أجمع، أن الشعب الكويتي شعب وفي لقيادته محب لوطنه.

شأن المصلحة الوطنية

        وأشار المسباح إلى أن أهم الدروس والعبر المستفادة من محنة الغزو هي أن الشعب الكويتي في الظروف الصعبة يعلي من شأن المصلحة الوطنية، وينسى المشكلات الداخلية التي قد تكون موجودة بين مكوناته، موضحا أن المعدن الطيب للكويتيين ظهر جليا خلال فترة الغزو من خلال التكاتف والتعاضد بين الجميع حتى اللقمة اقتسمها الكويتيون خلال هذه المحنة العصيبة، ومؤكدا أهمية نقل الجانب المشرق من هذه التجربة للأجيال الحالية التي لم تعاصر محنة الغزو.

للعلماء دور بارز وقت الأزمة

         وبين المسباح أنه كان للعلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله دور بارز وقت الأزمة؛ حيث أخذوا على عاتقهم التأكيد على ثوابت المجتمع الكويتي، وكانوا حصنا منيعا للكويتيين من أن ينخرطوا في أي توجه أو تغيير للدستور الكويتي، مشيرا إلى أنهم حثوا الشعب الكويتي في الداخل والخارج على الالتفاف حول السلطة الشرعية، كما حثوهم على التكاتف والتعاون وترك الفرقة والاختلاف والتنافر، لافتا إلى أن للعلماء وقت الغزو دورا بارزا في توجيه الشعب نحو التصرفات والمواقف الموافقة للكتاب والسنة؛ من أجل حفظ الدماء والممتلكات.

شكر الله -عزوجل

       وختم المسباح، بأنه يجب علينا في ذكرى الغزو أن نشكر الله -عز وجل- على نعمتي الأمن والاستقرار، وعلينا أيضا أن نحافظ على الكويت بالعودة إلى كتاب الله وتطبيق شريعته؛ ففيها الصلاح والفلاح للبلاد والعباد، مشددا على أن الظروف الإقليمية الحالية، والأحلام التوسعية لبعض الدول المجاورة، تحتم علينا أن نسعى بسواعد أبنائنا إلى تحقيق الوحدة الخليجية الحقيقية التي تحافظ على دول الخليج ووحدتها، لافتا إلى أن تكرار الحديث عن ذكرى الغزو هو للعظة والعبرة وليس لإثارة الأحقاد أو الكراهية.

دوام شكر الله -عزوجل

        من جهته قال رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ محمد الحمود النجدي: إن الله -تبارك وتعالى- امتن علينا بتحرير بلادنا من العدو الظالم المعتدي، في فترة قصيرة؛ لذلك لا بد من دوام شكر الله على ذلك وحمده حمدا كثيرًا طيبا، وقد قال -سبحانه-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، وقال -عز وجل-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}. وقال -سبحانه-: {لئن شكرتم لازيدنكم}. وإن من شكر الله -تعالى- علينا تجاه الكويت، أن نستقيم على دين الله -عز وجل-، وعلى طاعته -سبحانه- وطاعة رسوله الكريم، ظاهرا وباطناً، وأن نتوب إلى الله من جميع الذنوب، التي تسلط علينا عدونا، كما قال -سبحانه-:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وأن نتواصى بذلك، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، بالضوابط الشرعية، وأن نتناصح ونتعاون على البر والتقوى، حتى تدوم علينا النعمة، ويكفينا الله شر الأعداء أبداً، ولا بد أن يكون فرحنا واحتفالاتنا، في حدود الشرع المطهر وضوابطه، وليس ذلك من التشدد والانغلاق، بل هو طاعة الله واجتناب معصيته، وسبب رضا الله عنا جميعا.  

حادث فارق في تاريخ المنطقة

         المتبصر في واقع الأمة -منذ الغزو العراقي إلى اليوم- يعلم يقينًا أن هذا الغزو الغاشم كان وما يزال حادثا فارقا في تاريخ المنطقة، وهو السبب الرئيس لكل ما يقع من شر وفساد وفتنة؛ فقد قضى هذا الفعل على أواصر الأخوة بين العرب، وفتح باب الفتن الكبرى والنوازل العظمى؛ فقد كانت فتنة ظالمة وغزوة جائرة، أوقعت العرب والمسلمين في اضطراب واختلال، واختلاف وافتراق، وضيّعت مصالح الدول، وحطّمت قيم الأخلاق، وأوقعت الظلم المحدق على العباد من غير مصلحة دينية ولا فائدة دنيوية إلا إشباع الرغبات الشخصية والشهوات الفرعونية والدوافع النفسية، امتدت آثارها الخطيرة ومخاطرها العنيفة ليس على الكويت فقط بل على منطقة الخليج العربي والعالم العربي والإسلامي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك