رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 22 يوليو، 2010 0 تعليق

في خطوة أثارت ارتياحًا- اعتراف السعودية بكوســـــوفا هل يقود لخطوات عربية مماثلة؟

 

 

أنهى القرار السعودي بالاعتراف بكوسوفا دولة مستقلة، الذي جاء على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، موجة من الجدل والاستغراب حول أسباب التحفظ السعودي على الاعتراف بالدولة الوليدة وتأخر المملكة ومعها معظم الدول العربية في إقرار خطوة الاعتراف، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة التي تصدرت قائمة الدول العربية من حيث الاعتراف بكوسوفا.

ومما زاد من هذا الاستغراب أن المملكة قد تبنت خطًا مؤيدًا لكوسوفا على طول الخط منذ وصول سلوبودان مليوسوفيتش للسلطة في صربيا عام 1989م وإعلانه إلغاء الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم نظريًا منذ نهاية عام1966م وعمليًا بعد إقرار الدستور اليوغوسلافي عام 1974م من القرن الماضي، والذي يعده الكثيرون البداية الحقيقية لانهيار يوغوسلافيا الاتحادية عام 1992م، ومعه حزمة من الحقوق التي حصل عليها ألبان كوسوفا بعد اجتماع جزيرة بريوني الشهير بعد قيادة تيتو في صيف عام 1966م ودخول يوغسلافيا مرحلة جديدة من الانفتاح على المسلمين استمرت حتى وفاة تيتو عام 1981م.

 

دعم وتأييد

ولم تكتف السعودية بهذا الموقف؛ حيث تبنت موقفا داعمًا للألبان إبان الحملات الصربية المسلحة والتطهير العرقي المنتشر في جميع مدن كوسوفا، وعملت الرياض على انتزاع تعهد من عديد من الدول الإسلامية لسحب سفرائها من بلجراد، احتجاجًا على الإجرام الصربي بحق الألبان.

 

 

بل أيدت بكل قوة الحملة الأطلسية على صربيا في صيف 1999م وحق الألبان في تقرير مصيرهم، فضلاً عن الدعم المالي الذي قدمته الرياض والمساعدات المقدمة من قبل منظمات الإغاثة الإسلامية التي عملت في الإقليم.

ولكل هذه الأسباب مجتمعة استغرب ساسة بريشتينا وشعب كوسوفا التلكؤ السعودي في إقرار خطوة الاستقلال، ودأبوا على إرسال الوفد تلو الآخر لإقناع الرياض بتغيير موقفها، ودحض المسوّغات التي يسوقها المتحفظون على خطوة الاستقلال، ومنها اعتبار الاستقلال سابقة في القانون الدولي ولاسيما أنه جاء أحادياً، وإمكانية استقطاع جزء من تراب أي دولة وتكرار السيناريو نفسه، وهو ما تتخوف منه جميع الدول العربية ولاسيما في العراق والسودان ولبنان ومعها دول أخرى.

وقد أسفرت هذه الجهود في النهاية عن تلقي ساسة كوسوفا وعلمائها وعدًا سعوديًا بالاعتراف بالدولة الأحدث في القارة الأوروبية، وكذلك التدخل لإقناع عدد من الدول العربية والإسلامية بالحذو حذوها بشكل قد تكون له تداعيات ايجابية على مستقبل كوسوفا ولاسيما من جهة حصولها على عضوية الأمم المتحدة، بشرط الحصول على تأييد ثلثي الأعضاء خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، وهو ما قد يجبر روسيا وصربيا على القبول بالأمر الواقع والكف عن وضع العراقيل أمام كوسوفا.

 

احتفاء وترحيب

وقد قوبلت الخطوة السعودية بالاعتراف بالدولة الأحدث في أوروبا بسعادة وارتياح بالغين، بدا هذا الأمر جليًا في رد فعل المسؤولين الكوسوفيين؛ حيث رحب رئيس كوسوفا بالخطوة معتبرًا إياها فرصة ممتازة لبناء علاقات جيدة بين كوسوفا والعالم العربي وتطويرها، وهو ما تكرر على لسان رئيس وزرائه هاشم تاتشي.

وقد احتفى مواطنو كوسوفا بالخطوة السعودية احتفاءً كبيرًا لدرجة أن بعضهم عدها مساوية تمامًا للاعتراف الأمريكي بها، كون الأخير يعد مقدمة للاعتراف بها من قبل 57 دولة من مختلف قارات العالم، وهو ما يتوقعه ساسة كوسوفا من جانب أغلب الدول العربية والإسلامية المتحفظة حتى على الاعتراف بدولة الألبان الثانية؛ لما للمملكة العربية السعودية من ثقل ديني وروحي وسياسي على أغلب الدول غير المؤيدة لخطوة بريشتينا حتى الآن.

 

تداعيات إيجابية

الارتياح للخطوة السعودية لم يكن معنويًا، بل كانت له تداعيات سياسية ولاسيما من جهة تزامنه مع استحقاقات مهمة تتمثل في تصاعد التوتر بين مواطني كوسوفا وساساتهم على حد سواء؛ بسبب مجموعة من الخطط المضادة التي تبنتها حكومة الرئيس الصربي بوريس تاديتش لتعطيل الاعتراف؛ حيث لم يملّ تاديتش طوال الفترة السابقة من تقديم اقتراحات بتقسيم الإقليم بين الألبان والصرب، وهو ما جُوبه برفض دولي صارم، ومع هذا لم يمل تاديتش من رفض اقتراحاته المتتالية لدرجة أنه أعلن قبل فترة عن تبني بلجراد استراتيجية "نضالية" جديدة لعرقلة الاعتراف الدولي المتزايد باستقلال كوسوفا، بشكل أشعل القلق في دوائر الحكم الكوسوفية من تأثيرات تحرك بلجراد المضادة، غير أن الخطوة السعودية بالاعتراف والمتوقع أن تليها اعترافات متتالية من جانب دول عربية وإسلامية فرغت الخطوة الصربية من مضمونها.

ومما يصعد التوتر أن الخطوة السعودية للاعتراف بكوسوفا تزامنت مع متغير شديد الأهمية؛ حيث سيشهد الأسبوع القادم تسليم صربيا وكوسوفا للوثائق والأسانيد الداعمة لمواقفهما لمحكمة العدل الدولية بلاهاي لترد على الطلب الاستشاري من قبل بلجراد على مدى موافقة إعلان كوسوفا الاستقلال لقرارات الأمم المتحدة وآخرها القرار رقم 1424، ورغم أن موقف المحكمة غير ملزم إلا أن هذا الموقف سيحسم كثيرًا مواقف الدول المتحفظة على إعلان ألبان كوسوفا لدولتهم المستقلة والتي تربط اعترافها بكوسوفا بقرار محكمة لاهاي رغم طابعه الرمزي.

 

جهود دبلوماسية

ومن البديهي أن الجهود الدبلوماسية لساسة بريشتينا ستتضاعف خلال المرحلة القادمة مدفوعة بالاعتراف السعودي خصوصًا في الدول العربية والإسلامية والأفريقية؛ حيث أزال الاعتراف السعودي غصة في حلق الألبان من تردد الدول العربية والإسلامية في الاعتراف باستقلالها منذ اللحظات الأولى لإعلانه؛ حيث لم يبد الكوسوفيون أي تفهم لمسوّغات الدول العربية ومخاوفها من اعتبار الاستقلال من جانب واحد عن صربيا سابقة في القانون الدولي تؤشر لإمكانية تكرارها في المستقبل في دول مثل السودان ولبنان والعراق، رغم تقديرهم لدعم عديد من الدول العربية والإسلامية لمساعيهم لتقرير مصيرهم في السابق، ونقلوا للعديد من العواصم وجهة نظر مفادها أن استقلال كوسوفا سيكون من عوامل الاستقرار في البلقان وليس عامل توتر، مع الحرص على تأكيد مساعي بريشتينا لتوثيق الصلات مع العالمين العربي والإسلامي.

 

خطوات مماثلة

وقد نقل العديد من ساسة كوسوفا وعلمائها لدى زيارتهم لعواصم عربية وإسلامية استياءهم من استمرار هذا الموقف المتردد، ولكن يبدو أن هذه الزيارات قد نجحت في تبديد مخاوف عدد من الدول العربية من تداعيات الاعتراف بالاستقلال، بل وشهدت تقديم وعود من عديد من الدول العربية بالاعتراف بكوسوفا في وقت لاحق، وهو ما انسجم مع ورود أنباء عن قرب اعتراف كل من ليبيا وجزر القمر ونيجيريا بالكيان الوليد، وهو ما أخبرني به الشيخ نعيم ترنافا مفتي كوسوفا، مرجحًا أن تشهد المرحلة القادمة مزيدًا من الاعتراف العربي بكوسوفا ومن دول ذات وزن ومكانة إقليمية دولية، معتبرًا حينذاك أن اعتراف القاهرة والرياض بالاستقلال سيسقط جبل الجليد العربي ضد إعلان الاستقلال.

وتابع ترنافا: رغم استغرابنا الشديد للموقف العربي من إعلان الاستقلال إلا أننا نتوقع أن يشهد النصف الثاني من العام الحالي اعترافًا عربيًا وإسلاميًا بدولتنا.

 

عامل توازن

وقد تعزز تفاؤل مفتي كوسوفا بالطبع بالاعتراف السعودي، ولاسيما أن تداعيات الأخير لن يقف عند حث الدول العربية والإسلامية أن تحذو نفس الحذو، بل سيضخ الكثير من الدماء في عروق الكيان الحديث، ويقدم دعمًا غير محدود لاستقرار الدولة الفتية وسيادتها ومعه استثمارات ضخمة ستكون بمنزلة رافعة للاقتصاد الكوسوفي المعتل بفعل سياسات التهميش والحرمان الصربية، بل إن هذه الخطوة التي ستتبع بخطوات عربية وإسلامية مماثلة ستقدم إشارة لساسة بلجراد مفادها أن قطار استقلال كوسوفا قد انطلق ولن يستطيع أحد إيقافه أو إعادته للوصاية الصربية مهما فعلت صربيا وحليفتها روسيا.

وتتجاوز أهمية الخطوة السعودية أنها ستعيد الاعتبار داخل كوسوفا للتيار المطالب بتوثيق الصلات مع الدول السلامية وعدم الرهان فقط على العلاقات الوثيقة مع واشنطن والأوروبين، في ظل الصلات الدينية والحضارية مع العالم الإسلامي، وستحد من سطوة التيار العلماني المتنفذ حاليا في كوسوفا الذي نجح في صياغة دستور للدولة الوليدة ينحو منحا علمانيا تغريبيا، رغم أن أكثر من 84%من مواطني كوسوفا مسلمون.

 

تبديد شكوك

من جانبه أكد السفير عبد الله الأشعل نائب وزير الخارجية المصري السابق ضرورة أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من الاعتراف العربي بكوسوفا، ولاسيما أن الخطوة السعودية قد جاءت بعد دراسة متأنية، وبمشاورات مع عدد من الدول العربية التي ستكرر الخطوة نفسها في المستقبل بعد أن نجحت جهود مارستها حكومة كوسوفا في تطويق التشكك العربي من الاعتراف بها.

ولفت الأشعل إلى أن التحرك السعودي وما سبقه من اعتراف الإمارات ضروري للحفاظ على الوجود العربي، وعدم ترك هذه البقعة من العالم نهبا لوجود دول لا تضع المصالح العربية الإسلامية نصب أعينها، بل على العكس تماما تحاول التصدي لأي دور عربي في منطقة استراتيجية مثل البلقان.

واعتبر الأشعل الخطوة السعودية في محلها تماما؛ حيث تتواكب مع متغيرات مهمة أهمها اقتراب الجولة المهمة لحسم الصراع القضائي في لاهاي ومع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهما متغيران سيحددان وجهة كوسوفا المقبلة، مشددا علي أن الاعتراف السعودي ستكون له تداعيات سياسية واقتصادية؛ حيث سيؤدي الدعم السعودي دورا مهما في إنعاش اقتصاد البلاد، وسيدعم إنشاء مؤسسات تعيد ربط هذا الشعب بالإسلام، فضلا عن إعطاء ضوء أخضر للمؤسسات الاقتصادية الإسلامية لتمويل مشروعات تنموية تضخ الدماء في عروق الاقتصاد وتقدم دعما حقيقيا لخطوة الاستقلال.

 

كوسوفا في سطور

 

تبلغ مساحة كوسوفا حوالي 10900 كيلومتر مربع، وهو تقريبا مساحة بلجيكا، أو بحجم ولاية كونيتيكيت الأمريكية، ولها حدود مع ألبانيا ومقدونيا، ومعظم أراضي كوسوفا عبارة عن مرتفعات ووديان ما عدا العاصمة برشتينا والمنطقة المحيطة بها؛ إذ هي عبارة عن سهول وأراض منبسطة منخفضة.

ويبلغ عدد سكان كوسوفا زهاء مليوني نسمة، منهم نحو 90٪ من ذوي الأصول الألبانية غالبيتهم الساحقة من المسلمين، باستثناء أقلية صغيرة جدا من الكاثوليك، أما الصرب الأرثوذوكس فيشكلون نحو 10 % من إجمالي سكان الدولة الحديثة، وتتحدث الأغلبية اللغة الألبانية فيما ينطق الصرب بلغاتهم الأم.

أما التاريخ فيقول: إن كوسوفا هي موقع أول معركة كبرى بين الصرب والأتراك في عام 1389؛ ولهذا يعدها الصرب أرضا شبه مقدسة، ومسقط الرأس التاريخي لهويتهم القومية الصربية، بينما يقول الألبان من سكان كوسوفا: إنهم أول من سكن هذه الأرض من الأقوام الآرية التي وطئت تلك التخوم.

وحتى استقلال كوسوفا ظل الإقليم من الناحية الرسمية إحدى محافظات صربيا الكبرى، لكنه تحول إلى الإدارة الدولية برعاية الأمم المتحدة وحلف شمالي الأطلسي منذ إخراج قوات الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيش عام 1999 لوضع حد للقمع الذي كانت تمارسه القوات الصربية على الانفصاليين الكوسوفيين المتمثلين في جيش تحرير كوسوفا.

ويعاني اقتصاد كوسوفا مشكلات هيكلية ولاسيما أنها عانت من التهميش الصربي، ويعاني ما يقرب من40% من سكانها البطالة رغم امتلاكها لثروات مثل الفحم والحديد والمنجنيز تؤهلها لحل عديد من المشكلات الاقتصادية التي يعانيها الإقليم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك