رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم أحمد الناشي 18 أكتوبر، 2010 0 تعليق

في بحث عن قيـم الشـريعـة الإسـلاميـة بين الاقتصاد والفقر للباحثة نوال الفكهاني:الاقتصاد الإسلامي يجمع بين المرونة والثبات ويهدف إلى سد حاجات الفرد والمجتمع

 

أكدت الباحثة نوال الفكهاني أن الإسلام في نظامه المالي يقر الملكية الفردية ما دامت وسائل التملك مشروعة، ويقر حرية التصرف في الأموال ما دام ذلك التصرف متماشياً مع روح الشريعة، وما دامت مصلحة الفرد لا تطغى على مصلحة الجماعة، فإن حصل ظلم أو طغيان من قبل الفرد أو الجماعة أو بدأت مؤشراته تلوح في الأفق فإن في النظام الإسلامي من التدابير ما يكفل إيقاف الناس عند حدودهم، ومنع من تسول له نفسه التعدي على تلك الحدود.

قيـم الشـريعـة

وقالت في بحثها تحت عنوان: (قيـم الشـريعـة الإسـلاميـة بين الاقتصاد والفقر): إن الإسلام أوجد القواعد الضرورية لحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم عن طريق النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الظلم والفساد والغش والاحتكار، وتنهى عن الإفراط والتفريط، وتوجب للفقير حقاً في مال الغني، إن كان بالزكاة أو بالصدقات.

وبينت أن الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى سد حاجات الفرد والمجتمع الدنيوية طبقاً لشرع الله تعالى، الذي استخلف الإنسان في التصرف بالمال والانتفاع به؛ لذلك هدف المسلم من نشاطه الاقتصادي هو عبادة الله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77). فهذا هو التوازن الذي اتجه إليه الاقتصاد الإسلامي؛ حتى يحقق حاجات الفرد في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، بخلاف أي من المذاهب الأخرى التي تهدف من التعاملات المالية تحقيق الربح المادي دون النظر إلى مصدره أو شرعيته، فهذا ستالين يقول: «لن نكون ثوريين مناضلين بحق إلا إذا طبقنا دائماً ما تعلمناه من ماركس عن ضرورة استخدام كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية في كفاحنا من أجل الشيوعية..» ويقول: «إننا نستطيع أن نستخدم قوتنا الاقتصادية في تحقيق أهدافنا الدولية...».

وقالت: في أي نظام اقتصادي تكون هناك جهات لمراقبة تطبيق القواعد التي يقوم عليها، ويستطيع الناس مخالفة هذا النظام مادام أنهم بعيدون عن أعين الرقابة، أما في النظام الإسلامي فالنشاط الاقتصادي يخضع إلى رقابتين.

المرونة والثبات

وأوضحت الفكهاني أن الاقتصاد الإسلامي يجمع بين المرونة والثبات، ففيه أمور ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مهما تعاقب الزمان واختلف المكان، كتحريم الربا، والميسر والسرقة، وحل البيع وتقدير نصاب الزكاة وتوزيع التركة، ففيه الحلال بيّن والحرام بيّن، وما من أمة استبدلت بتشريع الله غيره إلا أُخذت بالدمار والهلاك؛ فقد قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا} (الطلاق: 8). فقد أراد الله تعالى بناء شخصية المسلم لتكون متميزة عن أي شخصية أخرى من خلال تحليل أمور، وتحريم أمور تستدعيها مصلحة الإنسان المسلم أولاً وأخيراً. والهدف هو بناء المجتمع الواحد، فالإسلام احترم الإنسان وأعلى قدره عندما نظر إلى الاقتصاد من خلال الإنسان، كرامة وكفاية وأمناً، لا من خلال قهره واستغلاله. فكان الحلال والحرام صوناً لكرامته، وقد قال رسول الله [: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُو حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا». ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.

وأشارت إلى أن التحليل والتحريم من حق الله تعالى وحده؛ فليس لأحد –أيّاً كان- أن يحرّم ما أحلَّ الله، ولا أن يحلل ما حرّم الله، فلا يقوى كائن أن يحرّم البيع الذي أحله الله، ولا أن يحلل الربا الذي حرمه الله؛ لأنه بذلك يكون قد تجاوز حقه واعتدى على حق الربوبية في التشريع،

فهذه من بعض الثوابت، أما المرونة فهي أن الاقتصاد الإسلامي يتسع للأساليب الاقتصادية المختلفة والمتجددة، وهي من خصائص الاقتصاد الإسلامي وحده، وليس كل حرام في الشريعة له بديل حلال، وإلا – مثلاً - أين بديل الخمر؟ فلا بد للمسلم من الإيمان والخضوع لتشريع الله تعالى، وقبول الحلال والابتعاد عن الحرام إيماناً بأن المشرع الحكيم قد أراد علوّه والارتقاء به من خلال التحليل والتحريم الذي فرضه عليه.

 مصلحة الجماعة

وأوضحت الباحثة أن الاقتصاد الإسلامي يوازن بين المادية والروحية بخلاف الاقتصاديات الأخرى؛ فقد قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).

وأشارت إلى أن الاقتصاد الإسلامي يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فهو يحقق مصلحة الفرد بما يكفل له مصلحته، ويحقق مصلحة الجماعة عندما تتعارض مع مصلحة الفرد، دون الإجحاف بحق الفرد.

وهكذا في الاقتصاد الإسلامي للمالك حق الانتفاع المشروع بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة، وليس له حق استخدام ما يملك بطريقة تسبب الضرر للآخرين، وليس له تعطيل الانتفاع تعطيلاً يضر بمصلحة الجماعة، وكل هذا وغيره رعاية لمصلحة الفرد والجماعة معاً، هذا التوازن لا نراه في أي مذهب آخر، فها هو لينين يقول: «يقع كثير من الناس في خطأ فاحش حيث يعتقدون أن القوانين يجب أن تحمي حريات الأفراد، إن القوانين توضع لحماية الدولة. يجب أن يكون مفهوماً أن العامل الذي يعمل في مصنع من المصانع لا يملك نفسه، فالمصنع هو الذي يملكه». ويقول ستالين: «نقابات العمال لا تحمي مصالح العمال التي تتعارض مع مصالح الحزب».

امتلاك الثروات

وأضافت: وبهذا يمتاز الاقتصاد الإسلامي عن غيره.. وإن التفاوت بين أوضاع الناس ليس في هذا الزمان فحسب، بل منذ أزمان سحيقة لم يكن الناس متساوين في امتلاك الثروات والأموال. فقد قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (الزخرف: 32). فالله تعالى بيّن أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال، لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، ورحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام: 165) أي: فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، المحاسن والمساوئ، والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك، ليختبركم في الذي أنعم به عليكم وامتحنكم به، ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره، وقال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} (الإسراء: 21). وإن ميزان التفاضل هو التقوى: قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

 وأكدت الباحثة الفكهاني أن ما تقدم هو جزء يسير من مميزات الاقتصاد الإسلامي، فلما ابتعد الناس عما شرعه الله لهم بدأ الناس يتعرضون للأزمات، تماما كما توعدهم الله - سبحانه- حين قال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا} (الطلاق: 65).

وقالت: إن استمرار ابتعاد الناس عن شرع الله، يستمر معه اشتداد الأزمات ومنها الأزمات الاقتصادية في العالم، وتتزايد خسارات رؤوس الأموال وإفلاس الشركات، وإغلاق البنوك، الذي نتج عنه المزيد من الغلاء في الأسعار المرهق للمواطن. هذا على الصعيد العام الخارجي، وليس للمرء المسلم قدرة في التغيير بهذا الاقتصاد العالمي، بل لابد له قبل ذلك من إعداد نفسه إعداداً إيمانياً سليماً؛ حتى تعود مهابته في قلب عدوه بعد أن نزعت منه، ولكن الآن هناك أسباب تهمنا وقد أسهم فيها الفرد إسهاماً فعالاً في هذا الغلاء.

غلاء الأسعار

وأشارت الباحثة إلى أن كثرة المعاصي والبعد عن شرع الله من أشد الأسباب التي كان لها تأثير في الغلاء، وكثرة الذنوب والإصرار عليها تسبب هلاك الحرث والنسل، وتسبب انتشار الفساد؛ فقد قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41)، فمن عصى الله في الأرض فقد أفسد فيها؛ لأن صلاح الأرض والسماء لا يكون إلا بالطاعة: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختباراً منه، ومجازاة على صنيعهم لعلهم يرجعون عن ذنوبهم إلى الطاعة.

وكذلك استشراء الغبن والغش والخداع والاختلاس، والتي عبر عنها النبي [ بقوله: «وأنقص الناس المكيال والميزان»، فظهر المحل والقحط وأجدبت الأرض وعم الفقر، وساد ظلم الحكام على البلاد والعباد؛ ذلك أن الأمة اعتمدت مقياس الغش معياراً لها في تعاملاتها، وفي هذا ما ينبئ عن حب الدنيا والتهافت عليها ونسيان أوامر الله بالأمانة والاستقامة لما في تركها من فساد وإفساد، وتناسي أمر الدار الآخرة.

والأخذ بالسنين نوع من البلاء، وهو أحد الأسباب في تردي الأوضاع الاقتصادية، هذه الأسباب وغيرها أدت إلى فقر الكثير من الناس، إما بسبب منهم أو لأسباب خارجة عن إرادتهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك