رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد السنين 29 أغسطس، 2023 0 تعليق

فقه الدعوة (3)  حسن الخلق من أهم أصول الدعوة ومرتكزاتها

ذكرنا فيما سبق اثنين من أصول الدعوة وهما العلم والإخلاص، واليوم نتكلم عن أصل من أهم الأصول والمؤهلات التي يجب أن يتصف بها الداعية، وهي حسن الخلق، فهناك ارتباط وثيق بين فقه الدعوة وفقه الأخلاق.

        فشأن مكارم الأخلاق عظيم جدا في مجال الدعوة إلى الله -عزوجل-؛ لأن الدعوة إلى الله تقوم على أساس التعامل مع الناس في إقناعهم بالحق الذي لديك، وبِحَثّهم على ما فيه مصلحتهم في أمور دينهم، وهذا لا يكون إلا باستمالة القلوب ابتداء، فإذا استُميلت القلوب أمكنك من الوصول إلى إقناع الناس بما لديك؛ لأنه -في الواقع- لا يمكن استمالة القلوب بشيء مثل حسن الخلق، والنبي -[- يقول: «وخالق الناس بخلق حسن»، وجاء في الحديث الحسن «إنكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأموالِكم، فَلْيَسَعْهُم منكم بَسْطُ الوَجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ».

مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب

        كما أنك لا تستطيع أن تستديم الصحبة والعشرة إلا بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، فكذلك لا تستطيع أن تستميل القلوب إلا بحسن الخلق، والناس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومجبولة كذلك على بغض من أساء إليها، هذا مغروس في الفِطَر. يقول الماوردي -رحمة الله عليه في أدب الدنيا والدين-: إذا حَسُنت أخلاق المرء كَثُر مصافوه، وقلّ معادوه، وتسهلت عليه الأمور الصعاب، ولانت له القلوب الغلاظ؛ فالناس لا ينظرون إلى عبادتك، كم تصلي من الليل؟ وكم تصوم من أيام الشهر؟ ولا كم تحفظ من القرآن؟ فهذا لا يعني الناس، إنما الذي يعني الناس هو كيف تعاملهم؟ كيف تخالقهم بالخلق الحسن؟ هذا الذي يعني الناس، وهذا الذي يستميل القلوب. أما عبادتك فهي أمر بينك وبين ربك -سبحانه وتعالى-، لكن الذي بينك وبين الناس هو الخلق الحسن.

مدرسة في مكارم الأخلاق

        ومن تأَمل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها يجدها مدرسة، مدرسة في مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق». وفي رواية (مكارم الأخلاق)، َوهذا الحصر في هذا السياق المبارك دلالة عظيمة على مكانة الأخلاق، ويقول ابن القيم -رحمة الله عليه-: الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الدين.

فضل محاسن الأخلاق

والأحاديث في فضل محاسن الأخلاق والتحذير من مساوئها تحتاج إلى محاضرة، لكن حتى تعرف مدى عناية الإسلام بهذا المقام العظيم تأمل في قول الله -عزوجل في وصف نبيه-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. يقول صاحب فيض القدير عبدالرؤف المناوي: هذا الحديث فيه بشارة على أن كل من جاء بمكارم الأخلاق من قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يتمها، إنما أتمها الله -تبارك وتعالى- ببعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي كان يدعو ربه دائما «اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها؛ فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت»، وفي الحديث الحسن يقول - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي»، من غير زيادة النظر في المرآة؛ لأن هذه فيها نظر.

دعوة متواصلة لتحسين الأخلاق

        إذًا مع إكرام الله له بتحسين أخلاقه وأنه على خلق عظيم، وأنه بُعث بمكارم الأخلاق، وهذه الدعوة المتواصلة على تحسين الأخلاق، ومع ذلك لا يفتر - صلى الله عليه وسلم - من تكرار هذا الدعاء «اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق»، نحن بحاجة إلى هذا الدعاء، نسأل ربنا -تبارك وتعالى دائما في كل وقت- أن يُحسّن أخلاقنا.

حاجة الداعية لحسن الخلق

        أنت داعية؟ فأنت في أمَسْ الحاجة إلى أن تكون على درجة وعلى مستوى من الخلق الحسن حتى تستميل قلوب الناس إليك، فإذا استملت القلوب واطمئنت إليك، قَبِلَت ما تدعوهم إليه، وإذا لم يرتاحوا ويطمئنوا إليك، فإنهم سيصدون عنك ويعرضون عنك، لذلك احرص على هذا المقام، مقام الأخلاق فإنه من أهم المقامات أن تربي نفسك، والكلام كثير في هذا الموضوع، كيف نصل إلى هذا المستوى من مكارم الأخلاق.

أول ما بدأ به - صلى الله عليه وسلم 

        لما وصل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أول ما بدأ به، تقول صفية أم المؤمنين -رضي الله عنها قبل أن تُسْلم-: نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس: أيها الناس،»أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام» هذه كلها من مكارم الأخلاق «وصَلّوا بالليل والناس نيام»، وهذه من تخلق العبد مع ربه -سبحانه وتعالى-، لكن هذه في الأخلاق لبيان أهميتها، وأن القلوب لا تجتمع إلا على مثل هذا، قد تجتمع على عقيدة سليمة نعم، لكن يبقى حصول التصافي والتواد يحتاج إلى مكارم الأخلاق، نحن نجتمع اليوم مع ناس كثيرين في عقيدة واحدة ومنهج واحد، لكن بيننا من التخاصم -نسأل الله سبحانه وتعالى- أن يكشفه وأن يزيله عنا وأن يؤلف بين قلوبنا، والسبب هو افتقارنا إلى هذا المقام وهو مقام الأخلاق.

الكرم والجود والسخاء

       يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء إلا أعطاه، حتى لو أعطى رجلا غنما بين جبلين، وكان في غزوة حنين كما هو معلوم في السيرة غنائم كثيرة، وأعطى أبا سفيان مئة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مئة، وأعطى معاوية، وأعطى الأقرع بن حابس، هذا الرجل الذي أعطاه ماذا قال؟ رجع إلي قومه مسرعا قائلا: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، يقول أنس بن مالك - وهذه كلمة عجيبة -: إن كان الرجل يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يريد إلا أن يصيب شيئا من الدنيا، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من ماله وولده، وهذا ما يكون إلا من مكارم الأخلاق، الكرم والجود والسخاء والعطاء هذا له أثر في النفوس. لا تكن داعية وأنت بخيل؛ فهذه أهمية مكارم الأخلاق، وكلما ارتقيت في مراتب مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، كانت القلوب تهفو إليك وترغب فيك وتميل إليك.

أمور لا تليق بالداعية

     وهناك أمور لا يليق بإنسان داعية إلى الله -عزوجل- أن يفعلها مثل الكذب، أو خيانة الأمانة، أو أن يقصر في واجباته الوظيفية، إن الداعية عليه أن يقوم بواجباته على أكمل وجه، فهذه الأخلاق من شأنها أن تشينك بين الناس، فتفقدك المصداقية بينهم، ومع الأسف هذا الشيء لا يقف عندك وحدك، بل ينسحب على كل من يسمونهم بالدعاة والملتزمين؛ فأنت تضر نفسك وتضر غيرك.

حاجتنا لمراجعة النفس

        وهذا المقام يحتاج إلى بسط طويل، لكن الخلاصة أننا بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا، وأن نحسّن أخلاقنا، اجلس مع نفسك وخذ ورقة وقلما، واكتب كل القصور والمعايب التي فيك، وابدأ في مجاهدة نفسك، وكلما تخلصت من عيب من هذه العيوب اشطب عليه، حتى تنتهي، وهذا يحتاج إلى جهاد {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، والله -سبحانه وتعالى- إذا علم منك صدق النية، وسلامة الطوية، وصدق الإقبال عليه، والرغبة في إصلاح نفسك، والله سيعينك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك