رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد السنين 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

فقه الدعوة (2) الإخلاص.. من أهم مقومات الداعية

ذكرنا في المقال السابق أن أهم الأصول في الدعوة إلى الله -عز وجل- هو العلم، والعلم الذي نعني هو العلم الذي يقوم على قال الله، قال الرسول، قال الصحابة عقيدةً وعبادةً ومعاملةً وخلقًا وسلوكًا وفهمًا لهذا الدين، ومن سلك هذا السبيل هُدِيَ إلى الصراط المستقيم، هذا هو الأصل الأول من أصول الدعوة إلى الله وهذا من أهم مقومات الداعية، أما الأصل الثاني من أصول الدعوة فهو الإخلاص.

لماذا الإخلاص؟

      الدعوة إلى الله -عز وجل- عبادة وقربة من أجلّ القربات، ولابد فيها من الإخلاص لله {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وهذه الدعوة دعوة إلى عبادة الله وحده واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}.

كيف السبيل لتحقيق الإخلاص؟

      الإخلاص هو تجريد العبادة من كل حظ من حظوظ النفس؛ بحيث تكون كلها لله وحده، ولكي نحقق هذا الإخلاص في نفوسنا، هناك أمور لابد أن نستحضرها في نفوسنا ونحن في طريقنا إلى الله، وفي طريق الدعوة إليه.
  • أولا: الاستجابة لأمر الله -تبارك وتعالى
لابد للداعية أن ينطلق في هذه الدعوة استجابة لأمر الله -تبارك وتعالى- في قوله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، وقول النبي -[-: «بلغوا عني ولو آية»، فأنت مأمور بالدعوة كتابا وسنة، فتنطلق في الدعوة إلى الله استجابة وامتثالا لأمر الله -عز وجل-، ولأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم .
  • ثانيا: طلب الثواب
والثواب لن تُؤتاه إلا من عند الله -عزوجل-، هو الذي سيثيبك، فاطلبه من الله، وأجره الدعوة إلى الله من أعظم الأجور، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا»، فأنت بهذا ستضع لنفسك وقفا من الحسنات تستدر منه الأجور والثواب إلى أن تلقى الله بهذا العمل، وستأتيك حسنات لم تتعب فيها، كل إنسان أرشدته إلى خير أو دعوته إلى سنة أو حذرته من بدعة، أو دعوته إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وحذرته من أضدادها، فإذا عمل بما دعوته إليه فسينالك من أجر عمله وثوابه إلى أن تلقى الله يوم القيامة. تصور إذا رأيت إنسانا لا يحسن يصلي، فجلست معه في زاوية من زوايا المسجد، وأخذت تعلمه كيف يصلي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هكذا كان يكبّر، وهكذا كان يركع، وهكذا كان يسجد، وهكذا كان يقرأ سورة الفاتحة، هذا إذا مضى فيه العمر بعد تعليمك له سنوات فكل صلاة يصليها سينالك أنت من أجرها، فطوبى لإنسان مات وخلّف خلفه وقفا من الحسنات يناله من هذه الأجور التي لم يتعب فيها.

حادثة فتح خيبر

     وفي حادثة فتح خيبر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - أن يذهب ويدخل عليهم كما جاء في الحديث: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَأُعطِيَنَّ الرَّايةَ غدًا رجُلًا يفتَحُ اللهُ على يدَيْهِ» قال: فبات النَّاسُ ليلتَهم أيُّهم يُعطاها؟ فلمَّا أصبَح النَّاسُ غدَوْا على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كلُّهم يرجو أنْ يُعطاها، فقال: «أين علِيُّ بنُ أبي طالبٍ؟» قالوا: تشتكي عيناه يا رسولَ اللهِ، قال: فأرسِلوا إليه، فلمَّا جاء بصَق في عينَيْهِ، ودعا له فبرَأ حتَّى كأنْ لَمْ يكُنْ به وجَعٌ، وأعطاه الرَّايةَ؛ فقال علِيٌّ: يا رسولَ اللهِ، أُقاتِلُهم حتَّى يكونوا مِثْلَنا؟ قال: «انفُذْ على رِسْلِك حتَّى تنزِلَ بساحتِهم، ثمَّ ادعُهم إلى الإسلامِ، وأخبِرْهم بما يجِبُ عليهم مِن حقِّ اللهِ فيه؛ فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، وحمر النعم هي الإبل الأصيلة الفخمة عندهم؛ لأن يهدي بك الله رجلا واحدا، خير لك من أن تجمع هذه النوق وتتصدق بها.
  • الأمر الثالث: استحضار نفع الناس
أن تستحضر أيضا بأنك تريد بهذه الدعوة نفع الناس، وأن تدلهم على الخير، وأن تنقذهم من الضلال إن كانوا في ضلال، وضع هذه النية في قلبك، هذه نية المخلص، إذا استحضرت هذه المعاني في نفسك، واستظهرتها واستصحبتها معك دائما وأنت في طريق الدعوة، فهذا سيهديك إلى طريق الإخلاص، وسيحقق في نفسك الإخلاص.
  • الأمر الرابع: أن تنوي بذلك نشر الإسلام
من النوايا المهمة جدا -فيمن يتحرك بأمر هذه الدعوة- أن ينوي بذلك نشر الإسلام في أرجاء المعمورة، وإقامة الحجة على الناس، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء165)».

تحقق هذه المعاني

      فمن تحققت فيه هذه المعاني واستحضرها في قلبه عند قيامه بدعوة الناس إلى دين الله -عز وجل- واستصحبها معه فهو المخلص، ولابد أن تثمر دعوته ويوفق في سعيه، أما من شغله حب الظهور والرغبة في ثناء الناس، أو الترأس أو الزعامة في إحدى هذه الأحزاب أو الجماعات أو الوصول إلى كرسي البرلمان، إن كان هذا سعيه فقد بطل عمله وخاب سعيه ولم ينجح في دعوته؛ لأنها لغير الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث القدسي: قال الله -تعالى-: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه»؛ فهذا جهد متعوب فيه، ضاع كله سدى لا قيمة له إن كانت هذه نيتك وقصدك من عملك.

الأنبياء أول المخلصين

     وتأمل في ذكر الأنبياء في كتاب الله -تبارك وتعالى-، وهنا السؤال: لماذا الإخلاص؟ ما من نبي أرسله الله -تبارك وتعالى- إلا وأمره أن يؤكد لقومه أنه لا يريد من دنياهم شيئا، في سورة الشعراء ذكر الله -سبحانه وتعالى- نوحا ثم ذكر هودا ثم ذكر صالحا ثم ذكر بعد ذلك شعيبا ثم لوطا، وكل ما ختم بنبي بعد ذكره، ذكر {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء - 164)، فهذه الآية تكررت بألفاظها نفسها بعد ذكر كل نبي؛ لأن الناس إذا علموا أن لك غرضا ومصلحة ترجوها من وراء دعوتك فقدوا الثقة فيك، وأعرضوا عنك وتركوك، وإذا علموا أنك أتيت لدعوتهم إلى الله لا تريد من دنياهم شيئا، أحبوك ورغبوا فيك ومالوا إليك، ولذلك هذا السبب في الإخلاص أن تقول ذلك وأن تفعله وأن يُرى عليك. والسبب الثاني في لماذا الإخلاص؟ لأنه يخلصك من الملال والكلال، ولا يجعلك تنقطع عن الدعوة؛ لأنك تعمل لله، لكن إذا كنت ربطت هذه الدعوة بمصالح وبأغراض شخصية ودنيوية، فمتى ما انتهت وانقطعت هذه المصالح انقطعت دعوتك وتوقفت. بعض الناس تجده يمل إذا صده الناس وأعرضوا عنه، أو تكلموا فيه أو انتقدوه أو كتبوا عنه أو قالوا فيه، تجده يتوقف عن دعوته، لكن الذي يعمل لله لا يضره شيء، لا يضره ولا يعنيه ما قال الناس؛ لأنه يعمل لله وحده، فينفي عنك الملل والكلل والتعب، لأنك تعمل تريد أن تجمع هذه الحسنات، وتجمع أكبر عدد من المهتدين بسببك، مما سينالك من أجر عملهم وسعيهم إلى أن تلقى الله يوم القيامة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك