رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 15 أبريل، 2014 0 تعليق

{فبهداهم اقتده}


والأسوة الحسنة تربية عملية على امتثال أحكام الشرع المطهر، والتخلق بأخلاقه وآدابه؛ إذ إن المعاني والقيم إذا لم تترجم على أرض الواقع سلوكا وأخلاقا، تبقى أوهاما

 

من المعلوم أن النفس البشرية مجبولة على التقليد والمحاكاة والتأسي، ويتأثر الناس بالمواقف العملية أكثر من المواعظ القولية والخطب الكلامية، وإن كان للبيان بالقول أثر لا ينكر في نشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد ورد في الكتاب العزيز آيات كريمة تناولت مفهوم الأسوة الحسنة ببيان أهميتها، ومن يستحق التأسي به، وخطورة القدوة السيئة وعظيم ضررها.

     فقد نصب سبحانه وتعالى سيد المرسلين وإمام المتقين قدوة صالحة ومثالا يحتذى في كل شؤون الدين وأعمال الإسلام فقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، قال ابن كثير: «هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله  صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله».

وجعل الله تعالى أفضل البشر وهم الأنبياء والمرسلون أسوة للناس، فقص أخبارهم وحكى أحوالهم ثم أمر بالاقتداء بهم فقال عز وجل: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.

قال الطبري: «يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبِالْعَمَلِ الَّذِي عَمِلُوا وَالْمِنْهَاج الَّذِي سَلَكُوا وَبِالْهُدَى الَّذِي هَدَيْنَاهُمْ وَالتَّوْفِيق الَّذِي وَفَّقْنَاهُمْ, اِقْتَدِهِ يَا مُحَمَّد: أَيْ فَاعْمَلْ وَخُذْ بِهِ وَاسْلُكْهُ, فَإِنَّهُ عَمَل لِلَّهِ فِيهِ رِضًا وَمِنْهَاج مَنْ سَلَكَهُ اِهْتَدَى».

     وقال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، قال الطبري: «يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه  صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أُسْوَة حَسَنَة: يَقُول: قُدْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن, تَقْتَدُونَ بِهِ, وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه». وذهب الألوسي إلى أن من مع إبراهيم عليه السلام هم أتباعه المؤمنون.

وقال الشيخ ابن سعدي في تفسير الآية: «قد كانت لكم يا معشر المؤمنين أسوة حسنة، أي: قدوة صالحة وائتمام ينفعكم في إبراهم والذين معه من المؤمنين، لأنكم أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا».

     وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، قال ابن كثير: «فقام بجميع الأوامر وترَك جميع النواهي، وبلَّغ الرسالة على التمام والكمال، ما يستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يُقتدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله».

ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يقول شيخ الإسلام: «أي: فاجْعَلنا أئمَّة لِمَن يَقتدي بنا ويأْتَمُّ، ولا تَجعلنا فتنة لمن يضلُّ بنا ويشقى».

     ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: «أي: أَوْصِلنا يا ربَّنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصِّديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتَّقين في أقوالهم وأفعالهم، يُقتدى بأفعالهم، ويُطمَأَنُّ لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون».

وقد جاءت النصوص الشرعية تحذر من مخالفة الأقوال للأفعال، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

قال ابن سعدي: «فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه».

     وقال تعالى عن شعيب عليه السلام: {قال يا قوم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}، قال الطبري: «يَقُول : وَمَا أُرِيد أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْ أَمْر ثُمَّ أَفْعَل خِلَافه, بَلْ لَا أَفْعَل إِلَّا بِمَا آمُركُمْ بِهِ وَلَا أَنْتَهِي إِلَّا عَمَّا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ».

     وقال النبي  صلى الله عليه وسلم : «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: «كنت آمرك بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه» أخرجه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم : «أتيت ليلة أُسري بي على قومٍ تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلَّما قرضت وفت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباءُ أمتكَ الذين يقولون ما لا يفعلون كتاب اللَّه ولا يعملون به»، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني

ويبين ابن القيم الأثر الخطير للقدوة السيئة فيقول: «علماء السوء جلسوا على باب الجنة، يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويصدون عنها بأفعالهم، كلما قالت ألسنتهم : هلموا إليها، قالت أعمالهم: لا تصدقوهم، فلو كان خيرا لكانوا أول عامل به».

     والقدوة الحسنة من أنفع أساليب الدعوة إلى الله وأكثرها تأثيرا، وإنما دخل كثير من الناس في دين الله تعالى لما رأوا من حسن أخلاق المسلمين، وطيب معاملتهم، وصدق أحوالهم، وتطابق ظاهرهم مع باطنهم، وتوافق أفعالهم مع أقوالهم، فالأسوة الحسنة تربي في نفس المسلم تقوى الله تعالى، لأن قدوة المسلم هم الأنبياء والمرسلون، وأولئك كانوا سادة المتقين وأئمة المؤمنين، فمنهم يتعلم المسلم التقوى والاجتهاد في الطاعة، والتفاني في العبادة، وذلك له أعظم الأثر في بناء الشخصية الإسلامية.

     والتأسي دليل الحب لرسول الله  صلى الله عليه وسلم ، لأنه القدوة المثالية الذي أمرنا الله تعالى بالاقتداء به في كل أحواله، ولاشك أن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع هديه أصل من أصول الدين وركائزه الرئيسة، وكلما كان المسلم أكثر محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ان أكثر تمسكا بهديه وسنته، ظاهرا وباطنا مما يعود على شخصيته بالتهذيب والتزكية لتكون شخصية إسلامية فريدة.

     والأسوة الحسنة تربية عملية على امتثال أحكام الشرع المطهر، والتخلق بأخلاقه وآدابه، إذ إن المعاني والقيم إذا لم تترجم على أرض الواقع سلوكا وأخلاقا، تبقى أوهاما ومثاليات، فوجود القدوة الصالحة الذي يحقق في نفسه أحكام الدين وأخلاقه يقدم للناس البرهان على أن هذه المفاهيم حقيقة يمكن تطبيقها وليست فرضيات خيالية، أو أوهام مثالية.

     فعلى المسلم أن يكون أسوة صالحة، يمتثل بنفسه قبل أن يدعو غيره، ويدعو بأفعاله قبل أقواله، ويتحلى بالأخلاق الفاضلة، ويتخلى عن الصفات السيئة، كما قال الحسن البصري: «عظ الناس بفعلك، ولا تعظم بقولك»، وقال: «الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله». وكان رحمه الله إذا أراد أن يأمر بشيء بدأ بنفسه ففعله، وإذا أراد أن ينهى عن شيء انتهى عنه .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك