شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان معرفة شعب الإيمان وفقهها (الحلقة الأولى)
- إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة يبتغي الوصول إلى الرُشد والهداية والعلوّ في درجات الدنيا والآخرة
- شُعب الإيمان منها ما يزول الإيمان بزوالها إجماعًا كالشهادتين ومنها ما لا يزول بزوالها إجماعا كترك إماطة الأذى عن الطريق
- اتفق أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من الصحابة والتابعين على أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي
- أصل الإيمان الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله تصديقًا به وانقيادًا له فهذا هو الأصل الذي من لم يأت به فليس بمؤمن
إن معرفة شُعَب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف كثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شُعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك قمت بشرحها بأسلوب سهل مختصر مدعّم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا.
معنى «شُعَبُ» لغة: شعب جمع شعبة، والشُّعْبَةُ بالضَّمِّ: الفِرْقَةُ والطَّائِفَةُ من الشَّيْءِ. وفي يَدِه شُعْبَةُ خَيْرٍ مَثَلٌ بِذلِكَ. ويقال: اشْعَبْ لِي شُعْبَةً مِنَ الْمَالِ، أَي أَعْطِنِي قِطْعَةً مِنْ مَالِك. وفي الحديث: «الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الإِيمان» أَي: طَائِفَةٌ مِنْه وقِطْعَة. معنى «الإيمان»: الإيمانُ: مصدر آمَنَ يُؤْمِنُ إيمانًا فهو مُؤْمِنٌ، واتَّفق أَهلُ العلم من اللُّغَويّين وغيرهم: أَن الإيمانَ معناه التصديق، قال الله -تعالى-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات: 14). ومعنى شعب الإيمان: أي أجزاء وطوائف وفرق الإيمان؛ ولهذا نجد الإمام البيهقي جمع هذه الأجزاء والشعب وهي متنوعة ما بين التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والإذعان والانقياد بعمل الجوارح، من هنا نعرف أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة له شعب متعددة، وليس كُلًّا لا يتجزأ، ومعلوم أيضًا أنَّ الناس ليسوا في درجة إيمانهم سواء، فإيمان أبي بكر الصديق ليس كإيمان آحاد الناس، وليس كإيمان الأعراب.حديث شعب الإيمان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»، والرواية الأتم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».المعنى الإجمالي للحديث
في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعبٍ وأجزاء، له أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلّها والحقيقة تقتضي جميع شعبه وتستوفي جملة أجزائه، كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء والاسم يتعلق ببعضها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء شعبة من الإيمان»، وفيه إثبات التفاضل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاته. ويدل الحديث على أن التزام الطاعات وضم هذه الشعب، هو من جملة التصديق والدلائل على الإيمان، وأنها خُلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي، ولا عن معناه اللغوي، وقد نبه النبيُّ -[- على أن أفضلها: التوحيد المتعين على كل أحد، الذي لا يصح شيء من الشُّعب إلا بعد صحته، وأدناها: ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، يبقى بين هذين الطرفين أعداد لو تكلَّف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن، وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، ويصعب الحكم بأن ذلك مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان؛ إذ أصول الإيمان وفروعه معلومةٌ محققةٌ، والإيمان بأنها بهذا العدد واجب في الجملة، هذا كلام القاضي عياض.حرص العلماء على تتبع شعب الإيمان
أمثلة على حرص العلماء على تتبع شعب الإيمان في مصنفاتهم:- المثال الأول:
- المثال الثاني:
ذكر من أحصى خصال الإيمان
«وقد انتدب لعدِّ شعب الإيمان طائفة من العلماء كالحليمي، والبيهقي، وابن شاهين وغيرهم، فذكروا أن كل ما ورد تسميته إيمانًا في الكتاب والسنة من الأقوال، والأعمال، وبلغ بها بعضهم سبعًا وسبعين، وبعضهم تسعًا وسبعين، وفي القطع على أن ذلك هو مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هذه الخصال عسر، كذا قاله ابن الصلاح -وهو كما قال-»، وقد تكلم الراغب في كتاب: «الذريعة» له على حصرها في هذا العدد، ذكره ابن عبدالبر.مسألة مهمة
مسألة: إذا كانت خصال الإيمان تزيد على البضع والسبعين، فلماذا جاء الحَصْر بهذا العدد؟ ويمكن أن يُجاب عن هذا بأجوبة:- أحدها: أن يُقال إن عَدَّ خصال الإيمان عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كان منحصرًا في هذا العدد، ثم حدثت زيادة فيه بعد ذلك، حتى كملت خصال الإيمان في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
- والثاني: أن تكون خصال الإيمان كلها تنحصر في بضع وسبعين خصلةً، وإن كان أفراد كل نوع تتعدّد كثيرًا، وربما كان بعضها لا ينحصر.(أقول: وهذا قول له وجه).
- الثالث: أَنَّ ذكر السبعين على وجه التكثير للعدد، لا على وجه الحصر كما في قوله -تعالى-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة:80)، والمراد تكثير التعداد من غير حصوله هذا في العدد، ويكون ذكره للبضع يشعر بذلك، كأنه يقول هو يزيد على السبعين المقتضية لتكثير العدد وتضعيفه، وهذا ذكره أهل الحديث من المتقدمين، وفيه نظر.
- الرابع: أنَّ هذه البضع وسبعين؛ هي أشرف خصال الإيمان وأعلاها، وهو الذي تدعو إليه الحاجة منها، (أقول: وهذا له وجه).
تعريف الإيمان
قبل الشروع في شرح شعب الإيمان شعبةً شعبةً أحببت أن أقدم بمقدمة عن تعريف الإيمان عند أهل السُنَّة والجماعة والفرق المخالفة مع تنبيهات لطيفة أضفتها.- أولًا: مذهب أهل السنة والجماعة في مُسمَّى الإيمان
- ثانيًا: مذاهب المخالفين في مسمى الإيمان
لاتوجد تعليقات