رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 6 فبراير، 2024 0 تعليق

شباب تحت العشرين – 1207

حاجتنا إلى قدوات ونماذج عملية

لابد للشباب المسلم أن يتمثل العقيدة ويتشربها لتتحول إلى واقع عملي في حياته وفي تعامله مع الأنام، تأسياً بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، الذين تحولوا إلى نماذج فريدة سلوكاً وإخلاصاً وطهراً، وهو المطلوب اليوم في واقعنا؛ فالمطلوب إخراج نماذج وقدوات عملية تدعو بواقعها كما تدعو بلسانها، وتعيش بهذا الدين وتنعم به، وتُنعم غيرها برؤيته واقعا مُعاشا فتنجذب له النفوس وتَصلح به أخلاق وأحوال.

 

الخير كله في الشباب

اعتنى الإسلام بالشباب عناية فائقة، ووجههم توجيها سديدا نحو البناء والنماء والخير، واهتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالشباب اهتماما كبيرا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والعنت.

       قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما آتى الله -عز وجل- عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب»، ثم تلا قوله -عز وجل-: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وقوله -تعالى-: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وقوله -تعالى-: {وآتيناه الحكم صبيا}، وعمل - صلى الله عليه وسلم - على تهذيب أخلاق الشباب، وشحذ هممهم، وتوجيه طاقاتهم، وإعدادهم لتحمل المسؤولية في قيادة الأمة، كما حفزهم على العمل والعبادة، فقال -صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وعد منهم: «شاب نشأ في عبادة الله»، وحث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، فقال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»، غير أنه نوه إلى أن القوة ليست بقوة البنيان فقط، ولكنها قوة امتلاك النفس والتحكم في طبائعها، فقال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».  

المؤمن صاحب همة عالية

     إن المؤمن بالله ولقائه عالي الهمة سامي الهدف؛ ولذا يغتنم كل حال من أحواله، وكل لحظة من لحظات عمره فيما يقربه إلى الله -تعالى- ويرفع درجته عنده، ويحصل به مغفرته ورحمته، مهتديًا بالقرآن وبما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيان فيخلص التوحيد، ويحافظ على الصلوات المكتوبات، ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج ويعتمر، ويجاهد ويصبر ويصل الرحم ولو قطعت، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويعطي كل ذي حق حقه؛ فيفعل الخير ويعين على البر وييسر ولا يعسر، ويقول الكلمة الطيبة ويجود بالصدقة والنفقة ولو بالتمرة؛ فإن الله -تعالى- يقبلها ويربيها لصاحبها حتى تكون كالجبل العظيم، ويلهج بالباقيات الصالحات: (سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؛ فإنها غراس في الجنة، وبها تبنى قصور الجنة، ويرحم البهيمة حتى يسقى الكلب من العطش؛ لأنه من أسباب المغفرة، ويميط الأذى عن الطريق؛ فإنه سبب لدخول الجنة، ويصدق في بيعه وينصح لكل مسلم، ويحسن إلى أصحابه وجيرانه، ويهدي لإخوانه، ويحب للناس ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر كما يكرهه لنفسه.  

القرآن الكريم يدعونا لعلو الهمة

     دعا القرآن الكريم المؤمنين إلى علو الهمة في الأعمال الصالحة، قال -تعالى-:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، وقال -تعالى-:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}، ويقول ابن القيم: «وهمة المؤمن إذا تعلقت بالله-عز وجل- طلبا صادقا خالصا محضا، فتلك هي الهمة العالية»، «وعلى المؤمن أن يوجه همته لعلو الدين»، ويمدح القرآن الكريم رجالا لم تشغلهم تجارتهم، ولا بيعهم عن عبادة الله -عز وجل-؛ لهمتهم العالية، قال -تعالى-: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}، وآخرون دعتهم المضاجع للنوم والراحة، ولكنهم رفضوها مع نعومتها، واحتياجهم لها، يدعون ربهم خوفا وطمعا، قال -تعالى-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ}، وكان الجزاء على قدر الهمم، قال -تعالى-: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: «فكان الجزاء من شيء نفيس تقرّ به أعينهم وتسرّ».  

أثر عقيدة الإيمان في السلوك والأخلاق

       إن سلوك الإنسان وأخلاقَه وتصرفاتِه في الحياة مظهرٌ من مظاهر عقيدته في حياته الواقعية وممارساته اليومية، فإن صلَحت العقيدة الإيمانية صلَح السلوك واستقام، وإذا فسَدت فسد واعوجَّ، ومن ثَمَّ كانت عقيدة التوحيد والإيمان بالله ضرورةً، لا يستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيته، ويحقق إنسانيته، وقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد أول شيء قام به الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة المسلمة. فثمرة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثمرة طيبة تُؤتِي أُكُلَها في كلِّ حين بإذن ربها، والمؤمن كذلك لا يزال يُرفع له عمله الصالح في كل وقت حتى بعد مماته، وقد قال الله عنها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم: 24 - 25).  

غاية المسلم الأساسية من الأخلاق

       غاية المسلم الأساسية في أخلاقه، أن يحقق مرضاة ربِّه في الآخرة، قال -تعالى-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (الزلزلة: 7، 8)، كما أن المسلم يحقِّق سعادته في الدنيا قبل الآخرة، يقول -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، فالسرور ثمرة عملية لمن يتحلَّى بالأخلاق الفاضلة، والطمأنينة القلبية والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير، وهذه من ثمرات الانسجام بين الإيمان والأخلاق، وذلك نتيجة طبيعية؛ لأن الإنسان عندما يتصرَّف بمقتضى عقيدته يشعرُ بأنه إنسان خيِّر قويُّ الإرادة، يتغلب على نوازعه الشريرة وشهواته، ويرتفع بنفسه إلى ما يُرضِي ربه، هذا في الدنيا، فهو في كل عمل يعمله - سواء كان هذا العمل مع نفسه، أم مع ربه، أم مع الناس - يدرك أن الله معه، ويتذكر دائمًا أن الله مطَّلع عليه، يقول: «الله مطلع علي، الله يراني»، ويتذكر قوله -تعالى-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، رقابة من الله ومن الملائكة لحظة بلحظة، فهل يمكن أن يفكِّر أن يعصيه، أو يتمرد عليه وهو تحت رقابته؟ وإذا هو استطاع أن يفلت من عقوبة الدنيا ومحاكم الدنيا، فهل يمكنه أن يهرب من عقوبة الله في الآخرة؟ قال -تعالى-: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء: 47).  

حكم ترك الصلاة في جماعة

       قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: ترك الصلاة في الجماعة دون عذرٍ من باب المعاصي؛ لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة في جماعةٍ، وقال للأعمى لما قال له: إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، قال: هل تسمع النِّداءَ بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب.  

حال الناس مع الحق

        قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: الناس في تحري الحق وطلبه قسمان: قسم يريده ويطلبه وإذا ظفر به فرح وتلقاه بالقبول، وقسم آخر نفسه عازفة عن الحق وغير مقبلة عليه وإذا عرض له شيء من الحق تكلف في رده، ولكلٍّ منهما علامة، قال الدارمي -رحمه الله- في كتابه الرد على الجهمية: «الَّذِي يُرِيدُ الشُّذُوذَ عَنِ الْحَقِّ، يَتَّبِعُ الشَّاذَّ مِنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَيَتَعَلَّقُ بِزَلَّاتِهِمْ، وَالَّذِي يَؤُمُّ الْحَقَّ فِي نَفْسِهِ يَتَّبِعُ الْمَشْهُورَ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ، وَيَنْقَلِبُ مَعَ جُمْهُورِهِمْ».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك