رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 19 أغسطس، 2010 0 تعليق

سلب التاريخ والذاكرة والوجود.. في حي الشيخ جراح!!

 

«حي الشيخ جراح».. أحد معالم مدينة القدس، وأكثر أحيائها ارتباطا بالتاريخ؛ منذ 900 عاماً سمي الحي باسم طبيب صلاح الدين الأيوبي «الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي»، وهو من الأحياء الراقية في شرقي القدس، التي سقطت بيد الاحتلال الصهيوني عام 1967م.

ويعد حي الشيخ جراح من الأحياء الفلسطينية العربية التي تحيط بالبلدة القديمة للمدينة، وله مكانة علمية وثقافية عبر التاريخ.. فهو يتسم بالعراقة والرقي فقد سكنته عائلات مقدسية مشهورة بالعلم والأدب، وهو ما جعله مقصدا للعديد من المثقفين والأدباء والشعراء؛ فقد استذكره الشاعر العراقي «معروف الرصافي» في إحدى زياراته إلى مدينة القدس، فقال:

وكان فيها النشاشيبي يسعفني

وكنت فيها خليلا للسكاكيني

حيٌ تفوح منه رائحة الأدب والثقافة حتى أسماه الكثيرون «ذاكرة القدس الثقافية»، فمن معالمه الثقافية القصر الذي كتب وعاش فيه أديب العربية إسعاف النشاشيبي 1882-1948م، وكان مقصدا للكثير من الأعلام والعلماء إلا أنه بفعل الاحتلال أصبح مهددا بفقدان هويته في ظل استمرار السيطرة على بيوته بيتا تلو الآخر.

بدأ المخطط الصهيوني بتهويد الحي بعد احتلاله يتسارع خلال خمس سنوات مضت، فقد أسكنوا في البداية سبع عائلات يهودية في المكان بعد إخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم، وتحولت المنازل الفلسطينية إلى منازل يهودية، ونصبت أبراج حراسة، يداوم فيها جنود الاحتلال على مدار الساعة، وبدت الأمور ممهدة لإقامة حي يهودي في حي الشيخ جراح، والكثير من العائلات الفلسطينية تتعرض لمضايقات مستمرة من قبل المغتصبين؛ فهناك بيوت عربية أصبح مدخلها ملاصقا للمنازل التي اغتصبها سكان يهود، ومنذ الاستيلاء يخشى أصحابها النوم خوفا من اقتحام المنزل عليهم ليلاً من قبل المغتصبين.

 

المشروع.. من يدعمه ويموله؟

تزعّم الجماعات اليهودية التي تسعى لإقامة حي يهودي في حي الشيخ جراح عضو الكنيست بيني إيلون الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الوطني «المفدال»؛ مبرراً ذلك بأنه «لخلق تواصل سكاني يهودي يحيط بالبلدة القديمة» - حسب تعبيره – حيث تزعم بنفسه، عندما كان وزيرا للسياحة عمليات طرد السكان الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، كما حدث في شهر 4/ 2003، عندما تم طرد 20 شخصا من عائلة غاوي من منازلهم، وصرح إيلون بوضوح بأنه من أجل تنفيذ المخطط «ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، ووجوب ضم المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة»!!

ومما يذكر أن تمويل هذا المشروع تبناه رجل الأعمال الأميركي اليهودي إيرفينغ موسكوفيتز الذي يمول خصوصا منظمة عطيريت كوهانيم التي تريد «تهويد» أجزاء كبيرة من القدس ومنذ سنوات يتعرض الحي إلى هجمة «إسرائيلية» تهدف للسيطرة عليه وكسر الحلقة العربية التي تشكلها هذه الأحياء حول البلدة القديمة من مدينة القدس، وبلغت أشدها في الربع الأول من عام 2009 وكان أحدثها تسليم الاحتلال 28 أسرة فلسطينية إخطارات للرحيل عن بيوتهم.

وللآلة العسكرية الصهيونية مقاصد في تهويد الحي؛ لأنه من الأحياء العربية الملاصقة للبلدة القديمة، وكذلك السيطرة عليه يتحقق للصهاينة قطع التواصل السكاني بين الأحياء العربية وكسر طوق الأحياء العربية حول البلدة القديمة للقدس؛ ففي الحي نحو 55 عائلة فلسطينية من بينها عائلة النشاشيبي، وعائلة حنون، والقاسم، والسكاكيني، والكثير من العائلات الفلسطينية المشهورة، ويبلغ عدد سكان الحي نحو 600 مواطن فلسطيني أغلبهم تعود أصولهم إلى عائلات تم تهجيرها من الأراضي المحتلة عام 48.

 

اللاجئون الجدد :  

عمدت سلطات الاحتلال قبل أيام إلى طرد عائلتين فلسطينيتين من منزلين في حي الشيخ جراح، وكان المشهد مؤلماً ، فبينما كان عدد من المغتصبين اليهود ينقلون أغراض العائلتين المطرودتين في كراتين إلى شاحنة كبيرة، كان آخرون يسارعون إلى وضع اليد على المنزلين وبدء الإصلاحات فيهما!! ويقول ماهر حنون بعد أن طرد من منزله في حي الشيخ جراح: «ولدت في هذا المنزل وأولادي أيضا وكنت أقيم بشكل قانوني، والآن أصبحنا في الشارع عبارة عن لاجئين»!!

ونفذ أمر طرد سكان المنزلين الفلسطينيين والبالغ عددهم 53 شخصا، بعد رفض المحكمة العليا العبرية طلب استئناف تقدمت به عائلتا الغاوي وحنون لوقف تنفيذه،  والذي تقدم بطلب الطرد إلى المحكمة منظمة خاصة بالمغتصبين تدعى «نحالات شيمون إنترناشونال».

وعلى الرغم من وجود 19 طفلا بين السكان المطرودين، ومخالفة هذه الممارسات للقوانين الدولية والإنسانية؛ إلا أن ردود الأفعال العربية لا شيء، أما الأجنبية فإنها تصريحات وتنديدات وتأسفات لا تقدم ولا تأخر فالممارسات مستمرة والتهويد قائم، فقد وصف دبلوماسي أميركي في القدس الشرقية طرد العوائل العربية بأنه عمل «استفزازي»، ونطق المتحدث باسم القنصلية البريطانية – التي أقامت المشروع اليهودي على أرض فلسطين - «بأن هذه الأعمال لا تتناسب مع الرغبة في السلام التي تعبر عنها «إسرائيل»؛ وندعو لعدم السماح للمتطرفين بفرض مواقفهم»!!

 

تصريحات يهودية:

وأتى الرد الصهيوني سريعاً وحاسماً بأن الأمر غير قابل للنقاش، مع التهديد بإجراءات عقابية للساكنين الفلسطينيين في حال امتناعهم من الخروج ، حيث تصل الغرامة المالية إلى نحو 50 ألف دولار !!

وعلق رئيس الحكومة الصهيوني «بنيامين نتانياهو» على المواقف الغربية المنددة بسياسة الاستيطان بالقول: « لن نقبل بأن يمنع اليهود من حق العيش والبناء في أي مكان يريدونه في القدس الشرقية «!!

 

شهادة على التهويد:

ما يحدث في حي الشيخ جراح يعد نموذجا على إصرار الكيان الصهيوني على تحقيق ما يسمى بالحسم الديموغرافي لصالح اليهود, حيث تتسارع وتيرة عمليات الهدم والإخلاء لمنازل الفلسطينيين، ويرافقها صمت المجتمع الدولي منذ ستين عاما والنتيجة واضحة: الحسم الديموغرافي !! فالكيان اليهودي يتبع خطة أعدها ونشر أجزاء منها لتكون القدس عام 2020 خالية من السكان العرب؛ فقد أعلن رئيس بلدية القدس المتطرف نير بركات الخطة المستقبلية القاضية بهدم 7000 منزل داخل القدس، ومصادرة الأراضي وسحب الهويات، وتقليص نسبة العرب في القدس إلى 12% من أصل 35%!!

وحسب ما يخطط له فقد يواجه اليوم قرابة 550 مقدسيا هم سكان الحي الواقع في قلب الجزء الشرقي للقدس خطر الطرد بفعل التعنت الصهيوني القاضي ببناء حي استيطاني من 200 وحدة؛ ليحققوا مشروعهم الرامي لتكون القدس العاصمة الحضارية لهم .

 

ممارسات تهويد القدس:

خلال ما مضى من  عام 2009 دُمر 868 منزلا، وأخرج ألف مقدسي، وذلك بسحب هويتهم، والجدار عزل 125 ألف فلسطيني خارج مدينتهم، وتبع ذلك الإجراءات التي تنتهجها سلطات الاحتلال لإسكات أصوات المحذرين من ممارسات المؤسسات العبرية العاملة في مشروع تهويد معالم القدس والمسجد الأقصى والبلدة القديمة وتفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية عبر الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها: «طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس»!!

 

والمؤسسات التي لم يصبها داء الإغلاق، ساهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسراً!! ونقلت مقراتها من القدس وضواحيها لتستطيع تحقيق ولو جزءا يسيرا من أهدافها التي أنشئت من أجلها، بعد أن منع أعضاؤها من الوصول للقدس ممن لا يحمل هوية مقدسية.

 

ما العمل؟!

الأمر الذي يحدث في القدس في غاية الخطورة وحالنا وأحوالنا أعطت المؤسسات اليهودية الفرصة الذهبية لتحقيق أهدافهم؛ فالمطلوب من حكوماتنا العربية والإسلامية العمل ضمن استراتيجية واضحة ومحددة لحماية القدس ومقدساتها ووجود المسلمين في أحيائها، وتنسيق جهود المؤسسات والجهات الداعمة والمسؤولة والمؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج مالية لدعم ومساعدة الأسر التي ترغب في ترميم أو توسيع مساكنها للتقليل من حدة الازدحام، واستثمار الطاقات وتسخيرها لتوفير فرص العيش الكريم لأهله ولتمكينهم في رباطهم على تلك الأرض المقدسة بكفالة اليتيم، وحلقات العلم، والمشاريع الإنتاجية.

ووسائل الإعلام مطالبة كذلك بالاهتمام الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى وإيجاد الآليات اللازمة لذلك، وإبقاء هذه القضية ضمن القضايا الأساسية في مختلف أنواع التغطيات الحوارية والوثائقية والثقافية؛ لحمل عبء قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء من أخبار وآثار إسلامية؛ ليتحصن المسلم من شبهات وأكاذيب اليهود، وتوظيف القلم للدفاع عن المسجد الأقصى ورد الشبهات والأساطير.

وكل مسلم مطالب بدعاء الله تعالى؛ فهو السلاح الذي تملكه أمة الإسلام والذي يصيب كبد السماء، ومن بخل بالدعاء فسيبخل بالأموال والدماء؛ فإن الله سبحانه قادر أن يسخر لهذه الأمة رجالاً مخلصين يقودون الأمة إلى الطريق الصحيح، كما قاد الأمة في السابق القائد صلاح الدين رحمه الله ودافع عن مقدساتنا وحرر أرض المسلمين من كيد النصارى؛ وقبل هذا وذاك لا بد من اليقين أن النصر للإسلام والمسلمين والعاقبة للمتقين؛ لبث روح التفاؤل في أنفسنا وبين أبنائنا وأجيالنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك