رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 12 مارس، 2024 0 تعليق

رمضان ووحدة الأمة

  • من أهم أسباب الوحدة الإسلامية طاعة أولياء الأمور وأهل العلم الثقات الذين يطيعون الله ورسوله
  • تحقيق الوحدة الإسلامية من أهم الفرائض الواجبة التي يغفل عنها كثير من المسلمين وهي فريضة مغيبة لها أهمية كبرى في حياتهم
  • الذين يفرقون الأمة عليهم أن يراجعوا أنفسهم وإيمانهم ويتخلوا عن أهوائهم فالعلم لا يفرِّق وإنما البغي والتعدي في التعامل معه هو الذي يفرق
  • إن أهم ما يوحد الأمة هو الإيمان بالحق والاعتقاد السليم وذلك يضم المسائل الاعتقادية التي لم يختلف فيها أحد
  • نهانا الله تعالى عن التفرق والشقاق والنزاع والاختلاف الذي يسبب التفرق فقد علَّمنا الحقائق وأرسل إلينا البينات التي يجب أن تجمعنا
 

من أهم معالم الوحدة في شهر الصيام أن الله -تعالى- عندما فرضه، نادى المؤمنين عامة بقوله -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة: 183)، فنداء الله للمؤمنين تكريم لهم وتشريف، ودعوة لهم إلى وحدة صفهم، وتآلف قلوبهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى؛ فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود.

      وفي ظل ما تعيشه أمتنا الإسلامية من نكبات وويلات وفرقة وشتات وتسلّط الأعداء في بقاع كثيرة منها، لا شيء يوحدها مثل شهر رمضان المبارك؛ فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتفقون على تعظيمه، يجتمعون فيه على العبادة والطاعة، كما أمرهم الله -عز وجل- وإن اختلفت مظاهر الاحتفاء.

وحدة ربانية

       ولا شك أنَّ الوحدة الإسلامية هي وحدة ربانية، نصت عليها الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، كقوله -تعالى-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، فوصف الله -تعالى- هذه الأمة بأنها «أمة واحدة»؛ لأنها تؤمِن بنبي واحد، ولها كتابٌ واحد، وشريعةٌ واحدة، وعبادتها لربها عبادةٌ واحدة، ولها مقوِّمات إيمانية ومكارم أخلاقية واحدة.

من أهم الفرائض الواجبة

     وتحقيق الوحدة الإسلامية من أهم الفرائض الواجبة التي يغفل عنها كثير من المسلمين، وهي فريضة مغيبة لها أهمية كبرى في حياتهم، لا تقل أهميتها عن الشهادتين والصلاة والصيام والحج والزكاة، فهي مقصد أساسي من مقاصد الدين؛ فالاتحاد والاجتماع والاتفاق والتكامل، وعدم التفرق والتنازع فريضة شرعية وضرورة اجتماعية.

وحدة الاعتقاد والإيمان

       وهذه الفريضة تقوم على وحدة الاعتقاد والإيمان بين المسلمين، فما دام الفكر واحدًا والمرجع واحدًا فينبغي أن يجتمع عليه أهله ويتوحدوا ويتحابوا، والعبودية لله يجب أن تجمعنا وتجعلَنا أمةً واحدة كما أرادنا الله، قال -تعالى-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92)، وقال -سبحانه-: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(المؤمنون: 52).

الحبل الذي نستمسك به

       فالأمة إسلامية يجمعها دين الله وشريعته وأحكامه، وهو الحبل الذي نستمسك به ونتوحد عليه، قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران: 103)، أَلَّف بين قلوبنا بالفكر الواحد والإيمان بالحق، وأنقذنا بذلك من النار أيضاً، فقوله {أصبحتم بنعمته} أي بهذا الدين العظيم وهدايتكم إليه. ولو تأملنا في كتاب الله لوجدنا النصوص الكثيرة التي تأمرنا بالأخوة والحب في الله، والتعاون والإصلاح بين المؤمنين، وكلها تقتضي وجوب الوحدة بين المسلمين، منها قوله -تعالى-: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الحجرات: 10).

الواجب الشرعي المضيع

       وهذا الواجب الشرعي المضيع (واجب الوحدة) له أثر عظيم على أحوال المسلمين، تقدمهم وتأخرهم؛ لأن الأمة تتقدم وتقوى بمقدار التزامها بهذه الفريضة، وإهمال العناية بها يؤدي إلى فساد حال الأمة وذهاب بأسها وقوتها وتأخرها، قال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 46)، ومن نظر في حال الأمة اليوم يجد عمق هذه الآية؛ فإن تضييع الإخاء والمحبة والوحدة سببٌ في كل مشكلةٍ.

تزكية الأمة وقوتها

        وإذا كانت الفرائض لها أثرها في تزكية النفس، فإن فريضة الوحدة بين المسلمين لها أثر في تزكية الأمة وقوتها، بأفرادها ومجموعها، وما يترتب على هذه الفريضة من قوة وتناصر، له أثره في دعوة الأمم الأخرى إلى الله وهدايتها إلى دين الله وإصلاحها.

إقامة الدين

        ولا تقل أهمية هذه الفريضة عن أهمية إقامة الدين، بل هي الركن الركين والأساس المتين في إقامته، لذلك أمرنا الله -تعالى- بالأمرين معاً، فقال -سبحانه-: {شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(الشورى: 13)، فكما أن إقامة الدين فرض من الفرائض، كذلك عدم التفرق فيه فرض أيضًا.

النهي عن عمل المشركين

         والله -سبحانه وتعالى- نهانا -معشر المسلمين- عن أن نعمل عمل المشركين الذين يفرقون الناس بأهوائهم وباطلهم، قال -تعالى-: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(الروم: 31-32)، وقوله -تعالى-: {فرقوا دينهم} دليل على أن التفرقة فيها تضييع لإقامة الدين.

ضعف الدين وكثرة الجهل

        وحينما يضعف الدين ويكثر الجهل، فإن الأرضية التي تصنع الوحدة والمودة تكون قد ضعفت، فتحصل الفرقة، قال -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً (118) وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(هود: 118- 119)، فالخلاف ناشئ عن فقد رحمة الله، والله ما خلقهم ليختلفوا ويتفرقوا، بل خلقهم ليكونوا أمة واحدة، لكن جعل من حكمته ابتلاءهم بذلك، والواقع أنه سيكون كثير من الناس مسيئين في ذلك فيكونون من أهل النار(والعياذ بالله)، أما الذين رحمهم الله فيجتمعون على الحق، ويكونون أمة واحدة، والله يرحم المحسنين أهل الإيمان والتقوى والاستقامة، قال -تعالى-: {إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ}(الأعراف: 56).

تحريم التفرق والنهي عن أسبابه

        نهانا الله -تعالى- عن التفرق والشقاق والنزاع والاختلاف الذي يسبب التفرق، فقد علَّمنا الحقائق وأرسل إلينا البينات التي يجب أن تجمعنا، قال -تعالى-: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: 105). فالذين يتسببون في تفرقة الأمة، عليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويصححوا علومهم، ويتخلوا عن أهوائهم، فالعلم لا يفرِّق، وإنما البغي والتعدي في التعامل معه هو الذي يفرق، فإما فهم خطأ، وإما نفوس ذات أهواء، قال -تعالى-: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}(الشورى: 14)، وواجبنا أن نحذر من كل من يفرق كلمة الأمة وشأنها، فهم مسيئون باغون بأهوائهم أو جهلهم، أو هم أعداء للإسلام يدَّعون الانتساب إليه.

كيف تتحقق وحدة الأمة؟

      إن أهم ما يوحد الأمة هو الإيمان بالحق والاعتقاد السليم، وذلك يضم المسائل الاعتقادية التي لم يختلف فيها أحد من المسلمين، مما ورد في كتاب الله وصح في هدي رسول الله، ولم يكن عليه خلاف في فهمه وقطعيته، أما ما اختلف المجتهدون في فهمه، فتلك مسائل لا يجوز أن تكون سببًا للتفرقة والنزاع.

طاعة الله ورسوله

     ومن أسباب الوحدة: طاعة الله ورسوله؛ فإن الناس إذا انحرفوا عن منهج الله لا بد أن يختلفوا؛ لأنه ليس وراء منهج الله إلا الهوى والباطل، والأهواء لا تجتمع، وأهلها لا يتوافقون، قال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا} (الأنفال: 46)، فجاء النهي عن التنازع بعد الأمر بطاعة الله ورسوله، لينبهنا إلى أن التنازع نابع من ترك الطاعة لله ولرسوله.

التفرق وأهم سبب فيه

     وقد ذكر الله -تعالى- آثار التفرق وأهم سبب فيه؛ حيث حدثنا الله -تعالى- عن حال بعض الأمم السابقة؛ لنحذر أن نصير مثلهم، فقال -سبحانه-: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}(المائدة: 14)، فبين أن نسيان جزء وحَظٍّ من الدين هو سبب العداوة بينهم.

طاعة أولياء الأمور وأهل العلم

     ومن أسباب الوحدة: طاعة أولياء الأمور وأهل العلم الثقات الذين يطيعون الله ورسوله، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء: 59)، ومن أشد ما يفرق الناس ويفسد اجتماعهم الطاعة في معصية الله، قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله». وللعلماء دور مهم في مخاطبة الناس وإقناعهم وتوحيدهم، قال -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}(النساء: 83).  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك