رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 26 أغسطس، 2010 0 تعليق

رغم التوتر وتسرب «سيناريوهات» للمواجهة بين الغرب وطهران واشنطن تتردد في الدفع بالخيار العسكري مع طهران إلى صدارة المشهد

 

شهدت المواجهة بين إيران والغرب على خلفية الرفض الغربي لامتلاك طهران قدرات عسكرية نووية، تطورات دراماتيكية خلال الفترة الأخيرة كان أبرزها تأكيد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة  الجنرال مايك مولين وجود خطط أمريكية جاهزة لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى المنشآت النووية الإيرانية، رغم إشارته إلى عواقب وخيمة على المصالح الأمريكية وأمن منطقة الخليج  لمثل هذه الضربة، وتفضيل واشنطن حتى الآن  خيار الحل الدبلوماسي رغم صدور إعلانات عن جهات أمريكية لإنشاء محطات رادار في كل من تركيا وبلغاريا لمواجهة خطر الصواريخ الإيرانية.

وجاءت تصريحات الجنرال مولين بعد فترة قصيرة من قيام واشنطن وحلفائها الأوروبيين بفرض حزمة من العقوبات الإضافية على طهران تتجاوز عقوبات مجلس الأمن الأخيرة، وهو ما اعتبره المراقبون أقسى عقوبات تفرض على الدولة بعد عراق صدام حسين، بل تعد تمهيدًا لعمل عسكري موسع ضد طهران يشن في التوقيت المناسب بعد فشل الغرب حتى بعد الوساطة التركية - البرازيلية في انتزاع تنازلات من إيران تبدد مخاوفه من البرنامج النووي الإيراني واحتمالات تطوره بشكل يمكّن إيران من امتلاك قنبلة نووية باعتبار ذلك مشروعًا وطنيًا للإيرانيين سواء الإصلاحيين أو المحافظين.

دق طبول الحرب

وزاد من أجواء التوتر صدور تصريحات صارمة من عدة عواصم غربية تدق طبول الحرب وتعلن بشكل حاسم عدم قبولها لامتلاك إيران قوة نووية في المستقبل، والإشارة إلى أن الخيارات جميعها بما فيها الخيار العسكري مطروحة على طاولة المفاوضات.

وعزز من هذه الأجواء المتوترة صدور تصريحات من عدد من المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك  ورئيس الأركان جابي أشكنازي يعلنون فيها عزم إسرائيل توجيه ضربة عسكرية مدمرة إلى الطموحات النووية الإيرانية باعتبار أن الطموحات النووية الإيرانية تمثل تهديدًا لوجود الكيان الصهيوني، بل إن إيهود باراك أطلق خلال زياراته لواشنطن تأكيدًا مفاده  أن خيار القوة العسكرية ضد حزب الله في لبنان وضد إيران لا مفرّ من اللجوء إليه وتوقيته خاضع لإعداد المسرح السياسي والإعلامي، بل زاد أن تل أبيب حصلت من واشنطن على ضوء أخضر للقيام بهذه العملية.

إيران من جانبها لم تقف مكتوفة الأيدي حيال هذه التصريحات حيث أطلق مسؤولوا موجة من التصريحات على لسان أكثر من مسؤول كان أبرزها تهديد مساعد قائد الحرس الثوري  للشؤون السياسية العميد يد الله جواني «بأن قيام الأمريكيين بأي مغامرة سيعرض  أمن المنطقة للخطر، فأمن الخليج للجميع و ليس لأحد»، وسبقته تصريحات مماثلة من كبار الساسة والعسكريين الإيرانيين بأن موقف القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان لن يكون أفضل حالاً في حالة قيام واشنطن أو تل أبيب بمغامرة ضد إيران، بل أن ساسة إيرانيين هددوا الدولة العبرية بالفناء في حالة استهدافها المنشآت النووية الإيرانية.

حرب ناقلات

وفاقم من أجواء التوتر بين إيران والغرب خلال الأيام القليلة الماضية تعرض ناقلة نفط يابانية عملاقة كانت تبحر من ميناء الفجيرة الإماراتي إلى ميناء سعيد القطري محملة بأكثر من مليوني طن من النفط لانفجار أدى إلى إصابتها إصابة بالغة نتيجة تعرضها للغم بحري أجبرها على العودة للميناء الإماراتي لإصلاح العطب الذي أصابها، وهو ما اعتبره البعض رسالة من إيران للغرب بتعرض مصالحه للضرر البالغ في حالة إقدامه على القيام بعمل عسكري ضد منشآت إيران النووية أو ربما أقدمت إيران على هذا العمل كرد مباشر على العقوبات الإضافية التي فرضتها واشنطن وبلدان أوروبية على إيران.

وقد طرح عدد من مراكز الدراسات السياسية في واشنطن وباريس وعواصم غربية عديدة «سيناريوهات» للمواجهة بين إيران والغرب تبدأ مع قصف قوات أمريكية للمنشآت النووية الإيرانية مثل نتانز وبوشهر بقاذفات بي 2 الإستراتيجية القادمة من حاملات الطائرات الأمريكية في المياه الدولية، حيث ستحرص واشنطن في الساعات الأولى للمواجهة على عدم استخدام قواعدها الموجودة في بلدان الخليج أو العراق لتجنيب هذه المناطق التعرض لقصف إيراني مماثل وإبقاء المواجهة شبه ثنائية مع طهران، غير أن طهران لن تقتنع بهذا الأمر حيث ستلجأ لتوسيع رقعة المعركة سواء بشكل مباشر عبر القصف الصاروخي لعدد من بلدان الخليج أو مصافي وآبار النفط بها أو إشعال ما يمكن أن نطلق عليه حرب الناقلات؛ للإضرار بالمصالح الغربية والوصول بأسعار البترول إلى أرقام قياسية انسجامًا مع تأكيد وكالة الطاقة الدولية تجاوز أسعار البترول لـ200 دولار لدى اندلاع نذر المواجهة بين واشنطن وطهران.

ضربة قاتلة

وستركز واشنطن على توجيه ضربات قاتلة ومدمرة للبرنامج النووي، آخذة في الاعتبار التحصينات المنيعة الضاربة في عمق الأرض  وشبكة الدفاع الجوي الإيراني المتطورة بشدة ولاسيما إذا صحت التقارير عن إمداد موسكو لطهران بصواريخ «إس إس 300» القادرة على إزعاج القاذفات الأمريكية مع احتمالات توجيه ضربات للمنشآت النفطية الإيرانية وإصابة الاقتصاد الإيراني بالشلل بشكل قد يعجزه عن تمويل آلة الحرب الإيرانية فضلا عن إمكانية إقدام واشنطن على استخدام أسلحة نووية تكتيكية في حالة إبداء طهران مقاومة أو قدرة على الحد من ضربات واشنطن لبرنامجها النووي.

ورجح مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن قيام طهران بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يشحن عبره أكثر من 30 % من نفط العالم، الأمر الذي يتسبّب فوراً في ارتفاع أسعار النفط وأزمة نفط عالمية تربك الاقتصاد العالمي.

ولم يستبعد كذلك قيام إيران بإشعال الآبار النفطية في دول الخليج القريبة، الأمر الذي يفاقم الأزمة، فضلاً عن إصدار تعليمات للميليشيات الشيعية المؤيدة لها في العراق بتكثيف الهجمات على القوات الأمريكية والإيقاع بها بين المطرقة والسندان والدفع بالعناصر الانتحارية التابعة لحزب الله لشن عمليات ضد القوات الأمريكية في وسط وجنوب العراق.

ولم يستبعد «السيناريو» الأمريكي للأحداث قيام عناصر موالية لإيران في بلدان الخليج باضطرابات شديدة وعمليات عنف وتفجير في عواصم خليجية ولاسيما إذا شعرت طهران بتواطؤ من بعض بلدان الخليج مع القذف الأمريكي أو الصهيوني مع احتمال اشتعال جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان ضد العدو الإسرائيلي، غير عابئة بما يمثله ذلك من تهديد لأمن واستقرار لبنان أو المأساة التي يعانيها الشعب الفلسطيني ولاسيما في قطاع غزة.

تعقيدات وصعوبات

ورغم أن جميع المهتمين والمراقبين لشؤون المنطقة يرون أن المواجهة العسكرية بين واشنطن وطهران أصبحت قريبة أكثر من أي وقت آخر، إلا أن هناك تعقيدات وصعوبات تواجهها  قد تجبر واشنطن على تأجيل هذه المواجهة إلى حين انتهاء عملية السحب الجزئي لقواتها من العراق المقررة في منتصف العام القادم، رغم الرفض القاطع لهذا التأجيل من جانب إسرائيل التي تعتبر أن هذا التأجيل قد يسمح لإيران بالمضي قدمًا لامتلاك قدر أكبر من اليورانيوم يكفي لصنع قنبلة نووية مما يضع العربة أمام الحصان ويجعل توجيه ضربة إلى أحدث دول النادي النووي عبثًا لن تستطيع إدارة أوباما القبول به  في ظل أزماتها المستمرة في العراق وأفغانستان.

ومن «السيناريوهات» الرائجة في هذا الصدد ما يتردد عن احتمال شن إسرائيل حربًا بالوكالة ضد المنشآت النووية الإيرانية عبر تكرار «سيناريو» الضربة التي وجهت إلى مواقع سورية يعتقد أنها نووية، حيث استخدمت الطائرات العسكرية الصهيونية تكنولوجيا فائقة استطاعت مغافلة الرادارات التركية واستخدمت أراضيها في موقع دير الزور، وهو أمر قد يتكرر رغم أن توتر العلاقات بين إسطنبول وتل أبيب قد لا يسمح بتكرار المغامرة وصعوبة مرور 90 طائرة مجهزة لتوجيه ضربة صهيونية بالوكالة عن الغرب دون أن تلفت أنظار الرادار التركي، فضلا عن عدم ضمان إلحاق مثل هذه العملية ضربة قاتلة بالبرنامج النووي الإيراني وإمكانية استغلال طهران لتعرضها لهذه الضربة للإفلات من كل التزاماتها وعلى رأسها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بشكل يؤدي إلى صعوبة التفاهم معها في المستقبل.

سيف العقوبات

التعقيدات والصعوبات التي تواجه الاستهداف العسكري الأمريكي أو الغربي أو الإسرائيلي جعلت كثيرًا من الخبراء في شؤون المنطقة يستبعدون حربًا غربية علي طهران في القريب العاجل ومنهم اللواء نبيل فؤاد أستاذ العلوم الإستراتيجية المتفرغ، حيث يرى أن وقوع القصف الغربي للمنشآت النووية الإيرانية يحتاج إلى وقت طويل لتهيئة مسرح العمليات لمثل هذا القصف، فضلاً عن ترتيب الأوضاع في العراق وأفغانستان أولاً قبل التفكير الجدي في بدء هذه العملية، مشيرًا إلى أن أغلب الدول الست المهتمة بملف إيران النووي لا تفضل الحل العسكري ضد طهران، اقتناعًا منها بأن القصف الجوي المركز للمواقع النووية لن يدمر البرنامج النووي الإيراني بل سيؤخره فقط فضلا عن إمكانية استفادة طهران من هذه الضربة للانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووي وطرد مفتشي الوكالة.

ويرى اللواء فؤاد أن وجود محطات نفوذ لإيران في العراق وأفغانستان وقدرتها على تفجير الساحة اللبنانية سيؤخر هذه الحرب مدة ليست بالقصيرة، بالإضافة إلى إمكان اندلاع مواجهات بين حزب الله وحماس من جانب وإسرائيل من جانب آخر، قد يخلق حالة من التريث قبل اندلاع المواجهة، لافتًا إلى أن قيام إسرائيل منفردة بقصف المواقع النووية الإيرانية عملية غير مضمونة العواقب؛ فالتحصينات الشديدة لهذه المواقع وشح المعلومات عنها بالإضافة إلى افتقاد إسرائيل للقدرات القتالية واللوجيستية القادرة على تأمين عبور أكثر من 90 طائرة قاذفة للأجواء الإيرانية تشير إلى وجود وقت طويل قبل اندلاع هذه المواجهة.

واعتبر فؤاد أن اللجوء لسيف العقوبات الاقتصادية المشددة سيخلق صعوبة أمام النظام الإيراني لاستمرار تحدي المجتمع الدولي والقبول بتقديم تنازلات تمنع تصاعد التوتر وصولاً إلى إمكانية اندلاع حرب قد تكون شاملة تمتد إلي دول الجوار الخليجي وإسرائيل في حالة دعمها المباشر أو غير المباشر للعمليات.

قلق وتحفظ

أما اللافت في مثل هذا الصدد فهو موقف دول الخليج وإمكانية وقوعها بين المطرقة والسندان في حالة توجيه ضربة عسكرية أمريكية أو غربية إلى طهران في ظل جود ما يشبه الإجماع بين هذه الدول على النأي بنفسها عن هذا الصراع وتفضيلها عدم تقديم أي تسهيلات  للقوات المهاجمة، رغم أن العديد من دولها لم تخف قلقًا من مخاطر تنامي القدرات النووية على توازن الأوضاع في المنطقة، إلا أن أغلب التكهنات تشير إلى اعتزام هذه الدول عدم المشاركة بأي شكل من الأشكال في الأزمة؛ حرصًا على تلافي أي هجمات قد تتعرض لها في حالة حاولت طهران الرد على مصادر الهجوم، فضلاً عن عدم استغلال نظام «الملالي» في طهران لوجود أعداد كبيرة من الشيعة في بلدان الخليج العربي لإشعال اضطرابات، ومن ثم فمن البديهي التأكيد أن دول الخليج ستعمل بكل الطرق من أجل ضمان حل سلمي للأزمة عبر تشجيع التفاوض بين جميع أطرافها لعدم اللجوء للحل العسكري باعتبارها أكثر المتضررين من أي مواجهة  قريبة بين إيران والغرب في ظل ما يتردد عن احتمال توجيه طهران ضربات لآبار النفط ومصافيه في الخليج، لخنق الاقتصاد العالمي وإلحاق خسائر فادحة بدول الخليج والغرب على حد سواء.

سابقة لأوانها

ويؤيد الطرح السابق د. محمد سعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس في مصر، حيث يرى أن دول الخليج ستكون الأكثر تضررًا  في حالة توجيه أي ضربة عسكرية غربية إلى المنشآت النووية الإيرانية، سواء أكان ذلك قريبًا أم في المستقبل المنظور، وهو ما سيجبر هذه الدول على التحرك في أكثر من اتجاه لضمان حل الأزمة سلميًا وعدم اللجوء لخيار الحرب، مشددًا على أن توسيع نطاق الحرب يعد من الأوراق الأساسية في يد طهران للضغط على الغرب لإعادة النظر في إمكانية استخدام الحل العسكري كسبيل لتطويق طموحات إيران النووية.

ويرى أستاذ الدراسات الإيرانية أن المخاطر على دول الخليج لا تقف عند حد التعرض لهجمات انتقامية ستستهدف في الأغلب الأعم القواعد العسكرية الأمريكية فيها، بل يمكن أن تمتد لاستهداف مواقع نفطية فضلاً عن إغلاق مضيق هرمز الذي يستخدم في عبور أكثر من 30% من نفط العالم مما سيسدد ضربة قوية لبلدان دول الخليج والاقتصاد العالمي بشكل متساو.

واعتبر د. عبد المؤمن أن نأي دول الخليج بنفسها عن أي مواجهة بين إيران والغرب هو السبيل الوحيد للابتعاد عن هجمات انتقامية أو استهداف مواردها النفطية أو استخدام إيران للوجود الشيعي لخلق اضطرابات أو القيام بتفجيرات وعمليات اغتيال، ومع هذا فلا يعتقد د. عبد المؤمن أن الحرب على وشك الوقوع فالتصريحات الأمريكية المتتالية ما هي إلا مسعى لانتزاع أكبر قدر من التنازلات من جانب إيران فيما يتعلق بالملف النووي وملفات أخرى، فضلاً عن أن النظام الإيراني الحالي يعتبر الحفاظ على وجوده وعلى الثورة في مقدمة أولوياته ومن ثم فهو مستعد لتقديم أي نوع من التنازلات من أجل الحفاظ على بقائه، فضلاً عن أن استمرار الأوضاع المتدهورة في العراق وأفغانستان لا يغري إدارة أوباما بفتح جبهة ثالثة وملتهبة ضد إيران.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك