رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 20 مايو، 2024 0 تعليق

رسائل إصلاحية – 3 – العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي

  • العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى فقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين في كتابه لذلك في غير موضع
  • العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو اقتداء بفعل الأنبياء فقد طلب موسى عليه السلام وهو من أولى العزم من الرسل من ربه أن يدعمه بأخيه هارون
 

ما زال حديثنا مستمرا حول المفاهيم الإصلاحية؛ حيث ذكرنا أن الرؤية الهادفة للتغيير هي تلك الرؤية المبنية على بصيرة ومسار واضح، له مقومات رئيسة تدفع إلى تحقيق العبودية لله رب العالمين في المجتمع بمكوناته كافة، وكل تغيير لا يؤدي إلى هذا المسار فلا يصح أن نطلق عليه تغييرا إصلاحيا، فتحقيق العبودية هي الغاية الكبري التي خلق الله -عزوجل- الخلق من أجلها، كما قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

        كنا قدر ذكرنا أن الأعمال الإصلاحية الدعوية تنقسم -طبقا للواقع الحالي- إلى ثلاثة أنواع: عمل إصلاحي فردي، وعمل إصلاحي عبر المجموعات الوسيطة، وعمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان، وتحدثنا عن العمل الإصلاحي الفردي والعمل عبر المجموعات الوسيطة بالتفصيل واليوم نتحدث عن العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي.

أولا: تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي

التعريف العام: هو تعاون مجموعة من الأفراد لتحقيق أهداف إصلاحية مشروعة، لا يمكن للفرد تحقيقها بمفردِه طبقا لرؤية ومنهجية صحيحة واضحة. التعريف الاصطلاحي: هو تعاون مجموعة من المسلمين فيما بينهم على القيام بما يستطيعون من فروض الكفايات اللازمة لتحقيق الإصلاح المنشود .

ثانيا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملا مؤسسيا؟

العمل الإصلاحي المؤسسي التعاوني عبر كيان يأخذ أهمية قصوى في خضم الظروف والأحوال الإسلامية العالمية، وذلك لأسباب عقلية ظاهرة وشرعية موجبة:

أولا: الاسباب الشرعية

(1) استجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد وجه الله -تعالى- عباده المؤمنين في كتابه لذلك في غير موضع ومن ذلك: قوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}؛ قال الشيخ السعدي في هذه الآية: « أي ليعن بعضكم بعضا على البر، وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين»؛ والعمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني المؤسسي في حقيقته نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى. وقوله -تعالى- أيضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؛ والخطاب هنا للأمة وعموم المسلمين، وهو واجب شرعي ليس مُعلقا علي الإمام كشخص وإنما كنائب عن الأمة؛ لأن الإمامة شُرعت لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فإذا كثرت فروض الكفايات أو غابت فالناس يجب عليهم أن يقوموا بها، والواجبات لا تُقام إلا بالتعاون ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وترتيب وجماعية وهذا ما نسميه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي.

إقامة الفروض والواجبات الكفائية الكبرى

     ونحن بلا شك لا ننكر إمكانية القيام ببعض هذه الأمور دون مؤسسية أو ترتيب جماعي كغسل ميت وتكفينه، ولكن هل يتصور إقامة الفروض والواجبات الكفائية الكبرى -كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس ومدافعة أهل البدع والضلال...الخ- دون ذلك؟ وقد حث الله -عزوجل- المسلمين بالعمل ضمن طائفة متعاونة تعمل على نشر الخير وتحقيق المعروف وتنهي عن المنكر كما في قوله -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، قال الآلوسي في تفسيره: «وَالْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ وَالطَّائِفَةُ»، وقال الطبري في تفسيره: «يعني بذلك جل ثناؤه: {وَلتَكُن مِّنكُم} أيها المؤمنون {أُمَّة} يقول: جماعة».

جماعة تتصدى للدعوة

        وقال السعدي في تفسير هذه الآية: «وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه ... كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله: {وَلتَكُن مِّنكُم أُمَّة} أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في تحقيق فروض الكفايات، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فكل ما يتوقف تحقيق فروض الكفايات عليه فهو مأمور به» أ.هـ (بتصرف يسير)، ولا شك أن هذه الأمور لا توجد في الأمة بين يوم وليلة بل هي من أشق الأمور التي لا بد من السير علي مبادئها للوصول إلي غاياتها.

(2)  استجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم 

       العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لذلك كما في حديث: «إذا كنتم ثلاثة بفلاة فأمروا عليكم أحدكم»، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث، وكذلك الإمام الشوكاني على أن إمارة العشرات أو المئات او الآلاف من الدعاة المجتمعين على عمل دعوى أولى وأعظم شأنا من إمارة ثلاثة في سفر، فهذا الحديث في أقل جمع لمصالحهم الخاصة، فمصالح الأمة المتعددة الأفراد أولى وأولى.

توجيه للترتيب والتنظيم

       كما أن الأمر هنا أوسع أيضـا من مجرد التأمير، بل هو توجيه للترتيب والتنظيم والتطاوع اللازم لتحقيق المصالح، ويشهد لذلك خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى الاشعري ومعاذ بن جبل - رضى الله عنهما- لما أرسلهما لليمن لدعوة الناس وهما أقل من ثلاثة؛ حيث قال لهما: «تطاوعا ولا تختلفا».

(3)  اقتداء بفعل الأنبياء

     العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو اقتداء بفعل الأنبياء؛ فقد طلب موسى -عليه السلام- وهو من أولى العزم من الرسل من ربه أن يدعمه بأخيه هارون كما جاء ذلك في كتاب الله {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}.

(4) سلوك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم 

     العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك أصحاب النبي -رضوان الله عليهم-؛ فقد كان هذا مرتكزاً في حسهم وديدنهم لحفظ مصالح الأمة، كما حدث ذلك منهم في غزوة مؤتة، وهي من أوضح الأدلة علي مشروعية هذا الأمر فالصورة في هذه الغزوة جماعة من المسلمين يقومون بفرض من فروض الكفايات وهو قتال العدو، والاتصال بينهم وبين الإمام العام منقطع وقد قتل القادة الثلاثة، فهذه الحال كحال غياب الإمام، فماذا فعلوا؟ اصطلحوا على أن يؤمروا عليهم أحدهم ويتعاملوا مع هذا الموقف بطريقة مؤسسية، فأمروا خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، وقام خالد بتنظيمهم ليتمكن من مدافعة الروم والانسحاب بما تبقى من المسلمين حفاظا عليهم -ولم يقوموا بالقتال أو الانسحاب فرادى بعد موت القادة الثلاثة، وقد أقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ بل وسمى ذلك فتحا.

(5) سلوك أهل الصلاح والإصلاح

       العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك أهل الصلاح والإصلاح عبر القرون والأزمنة مهما تميزت القدرات أو تفاوتت الإمكانات، كـما جاء ذلك في بيان قصة ذي القرنين عند بنائه للسد حين أراد أن يمنع فساد يأجوج ومأجوج عن الناس إصلاحًا منه في الأرض وقصدًا منه للخير، ولقد سجل القرآن له هذه الكلمات التي قالها؛ لما في هذا الموقف من تأصيل للعمل الإصلاحي الجماعي اللازم لتحقيق الإصلاح المنشود ودفع الظلم والفساد الموجود، فقد جاءت تلك الكلمات {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} على لسان ذي القرنين، وهو مَن هو في قدرته وقوته وتمكنه من النفوذ في أقطار الأرض وقيادة الناس؟ كما قال الله -تعالى واصفًا إياه-: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}، أي أنه قد حاز كلَّ أسباب القدرة والقوة الفردية لبسط نفوذه وسلطانه وامتداد تأثيره فيمن حوله، لكنه مع كل هذا قد أصل لقاعدة تأسيسية في أهمية العمل الإصلاحي الجماعي بطلبه التعاون مع قوم أقل منه بكثير في القدرات والمهارات والإمكانيات كما وصفهم الله -تعالى- بقوله: {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك