رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 13 مايو، 2024 0 تعليق

رسائل إصلاحية  (2) ضوابط المسار الإصلاحي المناسب

  • رؤية التغيير الهادفة لابد أن تبنى على بصيرة ومسار واضح له مقومات تحقق العبودية لله رب العالمين في المجتمع بمكوناته
  • العمل الفردي بيئة غير مهيأة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة نظرا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل
 

لا شك أن رؤية التغيير ليست مقصودة لذاتها، بل هي رؤية مقصودة لغيرها، أعنى بذلك أن الرؤية المقصودة الهادفة للتغيير هي تلك الرؤية المبنية على بصيرة أو مسار واضح له مقومات رئيسة، تدفع في زيادة تحقيق العبودية لله رب العالمين في المجتمع بمكوناته، وإلا فكل تغيير لا يؤدى إلى ذلك لا يصح أن يطلق عليه تغيير إصلاحي أو رؤية هادفة.

      كما أنه من البديهي إدراك أن عدم التحرك على مسار استراتيجي واضح المعالم يحقق الرؤية الهادفة والرسالة الشاملة للتغيير، أو عدم وضوح هذا المسار بتفاصيل محاوره الرئيسية ومقوماته اللازمة عند الأفراد والكيانات التي تنشد الإصلاح، يتسبب بلا شك في تبديد الجهود وضياع الأعمار واضطراب الأحوال وتنازع الأفراد والانحراف عن تحقيق الغايات.

تحديد المسار المناسب

       وكما أنه من البديهي أيضا أن نعترف أن هناك الكثير ممن قد يتفق على الرؤية والرسالة، قد يختلفون فيما بينهم في تحديد المسار المناسب طبقا للأيدولوجيات أو القناعات العقلية التي قد تؤدي إلى التفرق والبعد عن تحقيق الغايات الصحيحة المطلوبة؛ لذلك فالنظر للمسار الإصلاحي المناسب ضروري جدا لتنفيذ رؤية التغيير الهادف الناجح واللازم لتحقيق رسالة العبودية التي هي الغاية الكبرى للحياة الدنيوية، وهو ما يحتاج منا إلى بسط للطريقة المناسبة وبيانها؛ للقيام بالمهمة المنوطة بنا في تحقيق العبودية على أتم نهج يساعد في إيجاد مجتمعا صالحا يرضي رب البرية، ويحقق السعادة للبشرية؛ ولهذا سنستعرض -معا بإذن الله في الحلقات التالية- بعض هذه الرسائل الإصلاحية التي تشمل الضوابط اللازمة للنجاح في الغاية الإصلاحية، ونبدأ فيها بالعمل الإصلاحي الفردي وضوابطه، والعمل عبر المجموعات الوسيطة.

(1) العمل الإصلاحي الفردي

       العمل الإصلاحي الفردي هو نموذج من نماذج الأعمال الإصلاحية الذي قد يرفع عن صاحبه العذر في دفعه للفساد من حوله؛ فصاحبه يبذل فيه جهده الذي يتاح له في دائرته الضيقة، ويتوقف أثره الناتج على قدرات الشخص الفردية ومدى توفيقه في عمله، ولكن -مع الأسف- فإن هذا العمل الإصلاحي الفردي له سلبيات عديدة تجعله ليس هو النموذج الأمثل المطلوب لتحقيق الإصلاح المنشود؛ فمن هذه السلبيات المعروفة والمشاهدة في الواقع الحالي:
  • سهولة الانقطاع والتوقف: فالعمل متوقف على الحالة النفسية أو الصحية أو الحياتية للشخص؛ فيفتر بفتوره ويمرض بمرضه ويتوقف بسفر أو حتى ينحرف بانحرافه.
  • تحديد الأولويات الإصلاحية المطلوبة للمجتمع تتوقف على الرؤى الشخصية للفرد التي قد تغفل مصالح الأمة الحقيقية وحاجاتها.
  • ضعف الأثر الإصلاحي الشمولي للعمل الفردي في المجتمع؛ حيث يُقتصر على جانب واحد من الجوانب طبقا لاهتمام القائم على العمل الفردي وإمكاناته.
  • العمل الفردي بيئة غير مهيئة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة؛ نظرا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل الفردي الذي -مع الأسف- ينبني عليه التقييم للأفراد؛ من حيث الكفاءة أو القرب والبعد.
  • كثرة التنازع بين رؤوس العمل الفردي وأتباعهم والتراشق المستمر بينهم؛ مما يسبب في نفرة الكثيرين من المستهدفين بالإصلاح من هذه النماذج الإصلاحية المتراشقة فيما بينها.
  • يسهل وقوع التأثير الإيديولوجي أو الانحراف الفكري لصاحب العمل الفردي طبقا لقوة الضغط عليه من الاتجاهات الفكرية المنحرفة المحيطة به وقدرتهم على استغلال نقاط ضعفه أو فهمهم لمفاتيح شخصيته.
  • سهولة محاصرة العمل الفردي والتضييق عليه ومنعه.

(2) العمل الإصلاحي عبر المجموعات الوسيطة

       المجموعات الوسيطة: هي نموذج جديد ما بين العمل الفردي والعمل المؤسسي الشامل، أو -إن شئنا لقلنا-: هي فكرة أُوجدت لجذب الأفراد والانتقال بهم من العمل المؤسسي الإصلاحي الشمولي المؤثر إلى العمل الفردي ضعيف التأثير تحت شعار التخصصية عبر مجموعة وسيطة، مع العلم أن بعض من يمارس العمل فيها قد يدعي العكس من أنها محاولة للانتقال بالأفراد من الرؤية الفردية إلى المؤسسية، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي مع ما ظهر بوضوح واقعيا؛ ففكرة المجموعات الوسيطة تعتمد على اجتماع مجموعة من أصحاب الفن أو التخصص الواحد أو المتفقين على فكرة ما في مجال ما، معا في تجمع واحد حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية أو رؤيتهم الإصلاحية بغرض خدمة هذا الفن والتخصص أو تحقيق هذه الفكرة الجزئية.

نموذج جاذب

وهذا النموذج قد ينجذب إليه عدد كبير من الشباب والفتيات تحت دعوى البحث عن التميز والتخصص، إلا أن سلبياته كبيرة جدا؛ حيث إنه يؤدي إلى:
  • التعصب للتخصص أو الفكرة الجامعة للمجموعة وتحقير كل المجهودات المبذولة من أي أحد خارج هذا الإطار بل ومهاجمته وتسفيهه.
  • التنازع الفردي الذي يحدث بين رموز التخصص الواحد المختلفين فيما بينهم في أمور عدة أخرى، والتنافس فيما بينهم على مقدار التأثير فيمن حولهم أو فيمن هم أحق بالصدارة في هذا التخصص؛ مما يزكي الحالة التنازعية أو التنافسية التراشقية داخل تلك المجموعة الوسيطة مع مرور الزمن؛ مما يسهل هدمها.
  • الجمع بين رموز تيارات فكرية مختلفة كثيرة جدا داخل المجموعة الواحدة مما جمعهم التخصص أو الفكرة الجزئية، يؤثر -بشدة- على تشوش الرؤية الإصلاحية عند الأفراد والشباب المتأثرين برموز هذه المجموعات؛ حيث إن الإعجاب بالحال التخصصية يؤدي إلى الانبهار والتأثر ثم المتابعة والموالاة لتلك الرموز، باختلاف مشاربهم الفكرية التي تظهر أثارها بوضوح عند وقوع الفتن والمدلهمات في المجتمع؛ مما يؤدى إلى تحويل المجموعة الوسيطة إلى قنبلة موقوته، أفرادها متنازعون فيما بينهم، يتبع بعضهم رمزا ما برؤيته الفكرية المختلفة، ويتبع أخرون رمزا أخر برؤيته الأخرى المتباينة، ومن ثم يؤول الأمر إلى نموذج الفردية لكن بعد فترة من الزمن.

فكرة التخصصية

التخصصية فكرة رائعة نافعة للأمة، تُسد بها الثغور المطلوبة بلا شك، لكنها لا تحقق غرضها الكامل المراد إلا في إطار من الإصلاح المؤسسي المتكامل المبنى على وضوح الرؤية الإيدلوجية الإصلاحية المتفق عليها عند الجميع، بعيدا عن الفردية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك