رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 28 مايو، 2024 0 تعليق

رسائل إصلاحية (٤) أدلة وجوب العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي

  • العمل المؤسسي يتيح فرصة للتعامل مع أنماط مختلفة من الشخصيات مما يكسب القدرة على التعامل مع أنماط المجتمع كافة
  • قال بعض أهل العلم بوجوب العمل المؤسسي الجماعي انطلاقا من القاعدة الفقهية ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

ما زال حديثنا مستمرا حول المفاهيم الإصلاحية؛ حيث ذكرنا أن الأعمال الإصلاحية الدعوية تنقسم -طبقا للواقع الحالي- إلى ثلاثة أنواع: عمل إصلاحي فردي، وعمل إصلاحي عبر ما المجموعات الوسيطة، وعمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان، وتحدثنا عن العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي، وأهميته من خلال الحديث عن الأسباب الشرعية له، واليوم نتكلم عن الأسباب العقلية التي تبين أهميته، وحكمه الشرعي.

ثانيًا: الأسباب العقلية للعمل الإصلاحي التعاوني

سيجد المتأمل أن جل سلبيات العمل الفردي أو العمل عبر المجموعات الوسيطة يعالجها العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي؛ فالعمل المؤسسي من أهم مميزاته ما يلي: (1)  العمل المؤسسي أدعي لاستمرارية الأعمال التطوعية الكفائية؛ لأن العمل وقتها لا يتوقف على فرد؛ فيموت بموته أو يمرض بمرضه أو يسافر بسفره. (2)  العمل المؤسسي يمكننا من القيام بأعمال لا يستطيع الفرد وحده أن يقوم بها (كإقامة صلوات الجمع والأعياد، وجمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء، وتعليم الصبيان والشباب والنساء، والمدافعة التشريعية عبر العمل البرلماني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل هموم الناس في تحسين الأحوال المعيشية... إلخ). (3)  العمل المؤسسي يفجر الطاقات ويوجه إلى حسن استغلال الإمكانيات؛ لأنه يتطلب تأثيرا في مساحات متعددة، فيجد كل واحد له دور يخدم فيه دينه ووطنه وأمته. (4) العمل المؤسسي يهذب سلوك الأفراد ويعلمهم التنازل عن آرائهم لرأي المجموع. (5)  العمل المؤسسي يتيح للفرد فرصة التعامل مع أنماط مختلفة من الشخصيات داخل فرق العمل المختلفة؛ مما يكسبك القدرة على التعامل مع أنماط المجتمع المختلفة والتأثير الإيجابي في أصناف كثيرة من الناس؛ فتزيد دائرة التأثير الإصلاحي المطلوب. (6)  العمل المؤسسي يعين الفرد على اكتساب صحبة الخير ويحميه من الفتور والإحباط والانتكاس.

ثالثا: حكم العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني

بناء على ما سبق ذكره من الأدلة العقلية والشرعية فحكم العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي مشروع، ودرجة المشروعية طبقا للتفصيل الآتي:-
  • إذا كان الأمر واجبا ومتي تُرك التعاون على إقامته ضاع، فالتعاون عليه واجب.
  • متي كان مستحبا فالتعاون عليه مستحب، إلا إذا كان في ضياع هذا المستحب ضياع لواجب آخر فيكون التعاون عليه واجبا، كأن يتسبب القائمون على المسجد في ترك الناس لصلاة العشاء مثلا في رمضان لعدم تعاونهم في ضبط صلاة التراويح.
  •  بل قال بعض أهل العلم بوجوب العمل المؤسسي الجماعي انطلاقا من القاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وقالوا: رقعة العالم الإسلامي قد اتسعت، والواجبات الكفائية قد كثرت، كنشر العلم ودحض الشبهات، ومعالجة الأمراض والبدع التي أُصيبت بها الأمة، والعمل على مدافعة الأعداء والماكرين بالأمة بكل أنواع الممانعة العلمية والمجتمعية والتشريعية والسياسية المتاحة..إلخ، وكل هذه الأغراض والواجبات لا يقدر ولن يقدر على القيام بها فرد أو مجموعة أفراد متناثرة؛ لذلك لابد أن يجتمع الدعاة والعلماء في كيان واحد إصلاحي أو كيانات إصلاحية متعددة تقوم على سد تلك الثغور والقيام بتلك الواجبات.

رابعا: شبهات وردود

        العجيب أنه بالرغم مما ذكرناه من الأدلة العقلية والشرعية على مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني وأهميته، إلا أننا نجد بعضا ممن يريد أن يصرف العاملين في الحقل الإصلاحي عن هذا المسار المؤسسي الذي قد يتعارض مع ميوله أو توجهاته أو قناعاته، يطرح العديد من الشبهات الشرعية التي قد تؤثر في قناعات المتحمسين لهذا المسار الإصلاحي المؤثر ومن هذه الشبهات التي تحتاج إلى رد:

الشبهة الأولى: الاستدلال بظاهر النصوص

       استدلالهم بظاهر النصوص التي تنهى عن الفُرقة كقول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء}، وقوله -تعالى-: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، وقوله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.

الرد على هذه الشبهة

       ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول: بالرجوع إلى كتب التفاسير المعتمدة لن نجد أحدا من المفسرين قال إن هذه الآيات تنهى عن اجتماع بعض المسلمين وتعاونهم على طاعة من الطاعات كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أو تعلم العلم أو قضاء حوائج المسلمين.. إلخ، وإنما نزلت هذه الآيات في التحذير من الابتداع في الدين أو التعاون على البدع والمنكرات مما يفرق المسلمين ويجعلهم شيعا وأحزابا كاليهود والنصارى والقدرية والخوارج وغيرهم من الفرق الضالة. قال الإمام الطبري في تفسيره: «اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إن الذين فرّقوا دينهم) فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى، وقال آخرون: عنى بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه» (تفسير الطبري 12/269). وقال الإمام الطبري أيضا: «وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا)، ولا تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه (وكانوا شِيَعًا) يقول: وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى» (تفسير الطبرى 20/100). وقال أيضا -رحمه الله- في قوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا): «(وَلا تَفَرَّقُوا) أي: ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه، من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والانتهاء إلى أمره» (تفسير الطبرى7/74).

الآية عامة في كل من فارق دين الله

     وقال الإمام ابن كثير -في تفسيره لقوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء}-: «والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وكانوا شيعا) أي: فرقا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات- فالله قد برأ رسوله مما هم فيه» (تفسير بن كثير 3/377). وقال ابن كثير أيضا -رحمه الله-: «وقوله: (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) أي: لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي: بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقرأ بعضهم (فارقوا دينهم) أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، مما عدا أهل الإسلام» (تفسير بن كثير 6/316). وقال الشيخ جمال الدين القاسمي -رحمه الله- في تفسيره: « (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي: اختلفوا فيه، مع وحدته في نفسه، فجعلوه أهواء متفرقة». (محاسن التأويل 4/550). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله في تفسيره-: (الذين فرقوا دينهم) أي: شتتوه وتفرقوا فيه، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيبا من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئا، كاليهودية والنصرانية والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئا ويجعله دينه، ويدع مثله، أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة» (تفسير السعدى 1/282). فهذا هو فهم السلف الصالح لهذه النصوص، ونحن مأمورون بفهم القرآن والسنة كما فهمه سلف الأمة، فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة الواهية من فهم السلف الصالح لهذه النصوص؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك