رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 7 أغسطس، 2023 0 تعليق

رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأطفال

بلغت رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - مبْلغًا عجيبًا في الكمال والسعة؛ حيث شملت تلك الرحمة الناس جميعًا، قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، والمتأمل في سيرته ومواقفه - صلى الله عليه وسلم - يجد أنه كان أرحم الناس بالأطفال، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «ما رأيتُ أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم » رواه مسلم.

 

      فكان - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال أبًا حنونًا، شفوقًا رحيمًا، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي، ومن ثم صنع من الأطفال والصغار رجالاً، وأنشأ منهم جيلاً مثاليًّا في إيمانه وأخلاقه ومعاملاته، كان لهم تأثيرهم الواضح في المجتمع الإسلامي الأول، مثل: عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر، ومعاذ بن جبل، ومعاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، وسمرة بن جندب وغيرهم -رضوان الله عليهم-، الذين كانوا على مر السنين نماذج مثالية لأطفال المسلمين، بل لكبارهم، وقد تجلّت رحمته وشفقته - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال في كثيرٍ من المظاهر والمواقف.

       ومن ذلك ما رواه عبدالله بن شداد عن أبيه قال: «خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعه، ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قال الناس يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله، حتى يقضي حاجته» رواه أحمد.

     وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «جاء أعرابيٌّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيان؟ فما نُقَبِّلُهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمةَ؟» رواه البخاري، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قبّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسًا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد، ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثمّ قال: من لا يَرْحم لا يُرْحم» رواه البخاري.

     وفي موقف النبي -صلى الله عليه وسلم - مع الأقرع بن حابس التّميميّ فوائد كثيرة، منها: عظيم شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال، ومن مظاهر تلك الشفقة قيامه - صلى الله عليه وسلم - بتقبيل حفيده الصغير الحسن بن علي - رضي الله عنه -، قال ابن بطال: «رحمة الولد الصغير ومعانقته وتقبيله والرفق به من الأعمال التى يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله -عليه السلام- للأقرع بن حابس حين ذكر عند النبي أن له عشرة من الولد ما قبَّل منهم أحدًا: «من لا يَرْحم لا يُرْحَم»؛ فدلَّ على أن تقبيل الولد الصغير وحمله والتحفي به مما يستحق به العبد رحمة الله».

     وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - وخوف كل من لا يرحم الأطفال بأنه لا يُرحم، ولم يقيد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم الرحمة بأناس معينين لتعم الفائدة؛ وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم»، وإن كان هذا الموقف النبوي خاصا برحمة الوالد ولده، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال النووي: «قال العلماء هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم».

     وفي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم - الكثير من المواقف التربوية التي تحتاج إلى وقفات من المعنيين بشأن التربية لاستخراج فوائدها والاقتداء بها، والتعامل من خلالها مع أطفالنا الذي هم رجال الغد والمستقبل، ومن يتأمل السيرة النبوية يعلم إلى أي مدى كان اهتمام نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- بالأطفال وتنشئتهم النشأة الصالحة، التي من أهم سماتها الحب والشفقة والرحمة، فهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه الترمذي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك