رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: م. علاء حامد 1 أبريل، 2024 0 تعليق

ذكاء الصائمين في تحصيل أجور المحسنين

  • الأحوال القلبية للإنسان هي التي تكسب العمل الصالح قيمة أكبر وتحقق له القبول والمضاعفة
  • مقارنة أعمالنا بالآخرين قد تسبب لنا الإرهاق النفسي الشديد والإحباط والشعور بالعجز وهذا أمر غير مقصود في الشرع بل إنه منهي عنه
  • الحساب على قدر الوسع والطاقة والله الحكم العدل {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فالحكم بحسب وسعك أنت وطاقتك وليس وسع من حولك وطاقتهم
 

أصل هذا المقال محاضرة ألقاها الشيخ م. علاء حامد، ضمن الفعاليات الرمضانية لمركز عبدالله بن مسعود بجمعية إحياء التراث الإسلامي، وقد ارتأينا أن نفرغها تعميما للفائدة ونشرًا للخير، وقد بين الشيخ في بداية محاضرته أن شهر رمضان قد أتى ووجدنا بين الصالحين تسابقا في فعل الخيرات وكسب الأجور في هذا الشهر العظيم، وهنا يقف الإنسان العادي موقف الحائر متسائلا: كيف يمكنه تحصيل مثل تلك الأجور، وكيف له أن يسابق أمثال هؤلاء الصالحين المواظبين على الطاعات ولا سيما في خضم تلك الحياة المليئة بالأعباء والمسؤوليات الحياتية من أسرة وأولاد ودراسة وعمل.. الخ

         وفي ظل مثل تلك الانشغالات يجد الإنسان نفسه عاجزا عن تحقيق طموحاته في طاعة الله من قراءة 3 أجزاء على سبيل المثال يوميا أو قيام الليل لساعات وما إلى ذلك، وهكذا يجد أن أحلامه وطموحاته التعبدية ذهبت أدراج الرياح، واليوم سنحاول أن نضع أيدينا على مثل تلك المشكلة والبحث عن الحل المناسب لها.

مناط التكليف

        بداية لابد لنا أن نفهم شيئا مهما ألا وهو قوله -سبحانه وتعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا}، ومن ثم فإن الحساب على قدر الوسع والطاقة، والله الحكم العدل، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، فالحكم بحسب وسعك وطاقتك، وليس وسع من حولك وطاقتهم، ذلك أن مقارنة أعمالنا بالآخرين قد تسبب لنا الإرهاق النفسي الشديد والإحباط والشعور بالعجز، وهذا أمر غير مقصود في الشرع بل إنه منهي عنه.

مقارنات غير عادلة

        فقد تجد شخصا لدية 10 ساعات من وقت الفراغ يوميا، أو أن لديه إجازة في رمضان، أو تلك التي لديها أسرة كبيرة ومسؤوليات تقارن نفسها بجارتها العزباء، والحقيقة أنني في المقابل أقوم بأمور لا يقوم بها الشخص الآخر الذي أقارن نفسي به؛ فأنا أسعى في طلب الرزق، وفلانة تقوم على شؤون بيتها وأبنائها وزوجها، وأنا أذهب إلى العمل وفلان جالس في المنزل، وفي المحصلة أجد أنه لم يتبق لدي من وقت الفراغ في اليوم سوى ساعتين على سبيل المثال، واجتهدت في أمور العبادة فيها بواقع ساعة، والشخص الآخر لديه 8 ساعات فراغ استثمر منها ساعتان في عبادة الله، ومن ثم أجد أنني استثمرت 50% من وقتي بينما استثمر الآخر 25% فقط من وقته في طاعة الله، وهكذا تكون المقارنة عادلة.

نحن ذوو بضاعة مزجاة

         ومن هذا المنطلق وما دام الوقت لدينا غير متاح بشكل كافٍ، ونحن ذوو بضاعة مزجاة في العبادة، وطاقتنا محدودة، فإن التاجر الحاذق عندما تكون بضاعته قليلة، ولا يبيع في اليوم سوى قطعة واحدة فإنه يكون بحاجة ماسة إلى تجويدها للحصول على أكبر مكسب، فصاحب وكالة السيارات الفارهة وغالية الثمن ربما يبيع في الشهر سيارة واحدة، ولكن مكسبه فيها يغنيه عن بيع غيرها في الشهر الواحد، وهكذا، لا يصلح أن تكون بضاعتنا قليلة ومكسبها قليل. وكما قال الإمام الشافعي:

أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم

                                                     لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَة

وَأَكرَهُ مَن تِجارَتُهُ المَعاصي

                                                 وَلَو كُنّا سَواءً في البِضاعَة

الكيف وليس الكم

        كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول -في قراءة القرآن الكريم-: «لا تهذوا القرآن هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة»، وكان وهيب بن الورد -رحمه الله- وهو من أعلام السلف يقول: «لا يكن همّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكنْ همّه في إحكامه وتحسينه؛ فإن العبد قد يصلّي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه» فالمقصود والمطلوب التركيز على الجودة وعلى نوعية العمل الصالح وعلى تحسينه كما قال ابن الورد، وهذا يشبه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سبق درهم ألف درهم»؛ فإذا كان هنالك شخص لديه درهمان فأنفق أحدهما وأبقى الآخر، وغيره مليونير وأنفق 1000 دينار أيهما يكون عطاؤه أكبر؟ الأول بالتأكيد.

الأحوال القلبية هي المعيار

         فألاحوال القلبية للإنسان هي التي تكسب العمل الصالح قيمة أكبر وتحقق له القبول والمضاعفة، فالأول أنفق درهما وهو نصف ثروته فعليا، وقد فكر كثيرا قبل أن ينفقه، ولكنه تغلب على نوازعه البشرية، وكانت لديه دوافع ضخمة جعلته ينفق نصف ماله، وآثر غيره على نفسه رغم حاجته، ومن ثم استحق الأجر الكبير من الله، بينما الثاني قد لا يشعر بالألف دينار التي أنفقها؛ لأن لديه المزيد منها، فالصدق والرحمة والرغبة فيما عند الله والإخلاص هي مفاتيح مضاعفة الأجور. وكان أحد السلف الصالح يقول: إن الرجلين ليقومان في الصف، وما بين صلاتهما كما بين السماء والأرض»، وهنا يكون التحدي كيف أصلي صلاة بألف صلاة؟ وكيف أنفق نفقة تكون بألف نفقة؟ فالصحيح أن أهتم بتجويد العمل وتحسينه وإتقانه؛ بحيث يقبل ويضاعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف إلى سبعمائة ضعف والله واسع عليم، فالتركيز في العمل والأداء العالي يجعلك في مصافّ الطائعين المخبتين الصالحين الأتقياء وهذا هو الهدف من الصيام، كما قال -عزوجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

نافس بترك المنكرات

       وفي رمضان على سبيل المثال الكل يبادر إلى صلاة التراويح والصيام وقراءة القرآن.. الخ، فأين هي ميزتك؟ ستكون بلا شك في ترك المنكرات حتى لا تتراكم عليك الذنوب وتصبح مفلسا، فميزان الآخرة قائم على العدل، والنجاة تكون لمن رجح ميزان حسناته ولو بحسنة عن سيئاته؛ فاحرص في هذا الشهر المبارك وما تبقى منه، ونافس على ترك المنكرات الذي لا يكلف مالا ولا وقتا ولا جهدا، وهذا ما تبلغ به أعلى درجات التقوى والإخلاص، وهي درجة الإحسان بالخوف من الله وتعظيمه في ترك المنكرات والمعاصي ابتغاء مرضاته والفوز بجنانه -عز وجل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك