رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 26 سبتمبر، 2023 0 تعليق

دورة تدريبية أقامها  مركز عبدالله ابن مسعود التابع لجمعية إحياء التراث –  المقومات الأساسية لمعلم القرآن الناجح  (٢)

   

  • من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها معلم القرآن أن يرى كل الطلاب بقدرات واحدة دون أن يأخذ تفاوت قدرات الطلاب بعين الاعتبار
  • من أسباب نجاح حلقات التحفيظ أن يكون المعلم مهتما بالطلاب جميعهم ولا يحمله احترام شخص على أن يظلم الآخرين لأجله أو يقدمه عليهم لشيء في نفسه
  • قال النووي: ينبغي للمعلم أن يشفق على الطالب ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه
  • معلم القرآن الكريم كبير في عيون طلابه والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به لذلك كان لزامًا على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال
  • معلِّم القرآن يحتاج إلى الصَّبر في رسالته العظيمة فهو من أئمَّة الدِّين الذين يحتاجون للصَّبر واليقين وهما ركنا الإمامة
  • معلم القرآن الناجح هو الذي يرتقي بنفسه علميا ولاسيما العلوم الأساسية كعلم التوحيد والاعتقاد ويجب عليه أن يسعى دائمًا لطلب العلم شرعي وتحصيله

استكمالا لما بدأناه من عرض للدورة التي أقامها (مركز عبدالله بن مسعود لتعليم القرآن الكريم)، التي كانت بعنوان: (المقومات الأساسية لمعلم القرآن الناجح)، وقدمها الداعية وأخصائي الإرشاد الأسري والتربوي محمود عمارة؛ حيث استعرضنا أربعة مقومات من مقومات معلم القرآن الناجح وهي: التوفيق، والإخلاص، والاحتساب، ووضوح الهدف، واليوم نستكمل الحديث عن هذه المقومات

 

المقوم الخامس: أن يتحلى بالرفق واللين

        وهذا المقوم مهم جدا في شخصية كل مربٍّ وكل داعية إلى الله -سبحانه وتعالى-، أن يتحلى بالرفق واللين؛ فالله -سبحانه- خاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم - قائلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، فالله -سبحانه وتعالى- يبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يربي أصحابه، ويرشده إلى هذا المقوم الأساسي الذي لا ينبغي أبدا لمن يقوم بالتربية أن يفتقده؛ لأن النتيجة الطبيعية للإنسان الفظ أن ينفض الناس من حوله، وكذلك النتيجة الطبيعية للمعلم الفظ أن ينفض الأولاد من حوله، ولذلك فقضية الرفق مهمة جدا، اهتم بها الشرع على أعلى مستوى في الجزء التربوي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رغبنا كثيرا في قضية الرفق واللين وهي الأصل، وإن كنا نحتاج للحزم في بعض المواقف ونحتاج للعقاب في مواقف أقل. وهناك أحاديث شريفة يحثنا فيها النبي -صلى الله عليه وسلم - على الرفق واللين، قال - صلى الله عليه وسلم -»: ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه»، فأي شيء يفتقد الرفق واللين فهو مفتقد الصواب والبركة والخير، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق»، وعندما جاء رجل لرسول الله يسأل: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجبه، فكرر السؤال عليه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: في كل يوم سبعين مرة» وهذا أصل من الأصول المهمة. قال النووي -رحمه الله-: وينبغي للمعلم أن يشفق على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه، ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان؛ فإن الإنسان معرض للنقائص ولا سيما إن كان صغير السن.

كان - صلى الله عليه وسلم - أرفق الناس

         لقد كان - صلى الله عليه وسلم - أرفق الناس بالناس، وكان - صلى الله عليه وسلم - يراعي نفسياتهم وأحوالهم، كيف لا؟ وهو الذي قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله -عز وجل- يحب الرفق في الأمر كله»، والرفق هو: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، والنفس البشرية تميل إلى الرفق ولين الجانب وطيب الكلام وتأنس به، وتنفر من الجفوة والغلظة؛ ولذا كان حريا بالمعلمين والمربين أن يعوا هذا الجانب ويطبقوه على تلاميذهم وطلابهم.

المقوم السادس: أن يكون المعلم قدوة صالحة

        معلم القرآن الكريم كبير في عيون طلابه، والطلاب مولعون بمحاكاته والاقتداء به؛ لذلك كان لزامًا على المعلمين أن يتصفوا بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاق والأعمال؛ فهم أحق الناس بذلك وأهلُه؛ لما تميزوا به من العلوم التي لم تحصل لغيرهم، ولأنهم قدوة للناس، فإذا كانوا كذلك أثَّروا على طلابهم، وانطبع من تحت أيديهم على أخلاق متينة، وعزائم قوية، ودين  صحيح، وإن المعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان فاضلًا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان بنفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين، ولقد كان السلف الصالح -رضي الله عنهم - يستعينون بالعمل على العلم؛ لأن العلم إذا عُمِل به نما، واستقر، وكثرت بركته، وإذا ترك العمل به ذهبت بركته، وربما صار وبالًا على صاحبه؛ فروح العلم، وحياته، وقوامه إنما هو بالقيام به عملًا، وتخلقًا، وتعليمًا، ونصحًا؛ فالشرف للعلم لا يثبت إلا إذا أنبت المحامد، وجلب السعادة، وأثمر عملًا نافعًا.

المقوم السابع: أن يتحلى معلم القرآن بالأخلاق الكريمة

نذكر منها على سبيل الحصر ما يلي: (1) العدل مع الطلاب إن من الصفات التي ينبغي على معلم القرآن الكريم التحلي بها، سواء كان يدرس في المسجد أم غيره: صفة العدل بين الطلاب، وإن من أسباب نجاح حلقات التحفيظ، أن يكون المعلم مهتما بجميع الطلاب، لا يحمله احترام شخص على أن يظلم الآخرين لأجله، أو يقدمه عليهم لشيء في نفسه، وفرق بين العناية بطالب من الطلاب، وبين أن يهضم آخرين حقهم، فمن حق الطالب المثابر الذي يداوم على الحضور أن يحظى بعناية المدرس واهتمامه، ولكن تكمن أهمية العدل بين الطلاب المتساويين في المثابرة والحضور، فينبغي هنا أن يراعي مسألة العدل بينهم. والعدل يكون بأمور:
  • أولاً: في توزيع وقت التلاوة والتسميع لهم إذا كانوا متساويين في الحفظ؛ لأن زيادة وقت طالب على الآخر يؤدي إلى الحقد عليه من قبل الآخرين.
  • ثانياً: العدل في الدرجات والمكافآت، فلا يفضل أحداً على أحد بمقتضى العاطفة، أو العلاقة الخاصة بينهما، وإنما يكون بحسب ما عند الطالب من إتقان ومثابرة.
  • ثالثاً: العدل في العقوبة إن احتاج إليها كردع وزجر، فلا يتغاضى عمن بينه وبينه ألفة وود لو أخطأ، ويعاقب الآخرين بمجرد صدور الخطأ منهم.
  • رابعاً: وقد يكون العدل في توزيع الابتسامات والكلمات الطيبة للجميع من خلال حثهم على مواصلة التعليم، والدعاء لهم.
(2) الصبر وضبط النفس خلُق الصَّبر من الأخلاق العظيمة التي مَنْ تحلَّى بها نال العلا، ومعلِّم القرآن يحتاج إلى الصَّبر في رسالته العظيمة، فهو من الهداة إلى الله -تعالى-، المتمسِّكين بكتابه، فهو من أئمَّة الدِّين الذين يحتاجون للصَّبر واليقين، وهما ركنا الإمامة، كما قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24). (3)  التواضع للمتعلم التواضع خلق حميد، يضفي على صاحبة إجلالاً ومهابة، ومن ظن أن التواضع خلق مرذول ينبغي تجنبه وترك التخلق به فقد أخطأ وأبعد النجعة، وحسبك بإمام الأتقياء مثلاً - صلى الله عليه وسلم - قال -تعالى-: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}(المائدة: من الآية54)، والمعلم في أمس الحاجة إلى التخلق بهذا الخلق العظيم؛ لما فيه من تحقيق الاقتداء بسيد المرسلين، ولما فيه من نفع عظيم للمتعلمين، وإذا كان الإنسان المسلم يحتاج إلى التواضع للنجاح في علاقته مع الله ثم مع المجتمع، فإن حاجة المعلم إلى التواضع أشد وأقوى؛ لأن عمله العلمي والتعليمي والتوجيهي يقتضي الاتصال بالمتعلمين والقرب منهم؛ حتى لا يجدوا حرجاً في سؤاله ومناقشته والبوح له بما في نفوسهم؛ لأن النفوس لا تستريح لمتكبر أو متجبر أو مغتر بعمله.

المقوم الثامن: مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب

       ومن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها معلم القرآن أن يرى كل الطلاب بقدرات واحدة دون أن يأخذ تفاوت قدرات الطلاب بعين الاعتبار، ومن هدي معلم البشرية - صلى الله عليه وسلم - أنه كان شديد المراعاة بين المتعلِّمين من المخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، وكان -صلى الله عليه وسلم - يحافظ على قلوب المبتدئين، فلا يعلمهم ما يعلِّم المنتهين، ويجيب كل سائل عن سؤاله يما يهمه ويناسب حاله، ويوصي كل واحد - ممن طلبوا منه الوصية - بغير ما أوصى به الآخر، لاختلاف أحوالهم، وأعطى أجوبة حول أفضل الأعمال أو أحبها إلى الله -تعالى- بحسب، وهذا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه  - الذي قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إنك غليِّم معلَّم». والممارس لمهنة التعليم يلحظ فروقاً بارزة بين الطلاب، ومن مهام المدرس أن يستطيع معرفة نفسية كل طالب واستعداده، وما يقدر عليه، وهي خصيصة من خصائص المدرس الناجح، وقد قرر الآجري هذه القاعدة بقوله - عن مقرئ القرآن -: «وينبغي له أن يستعمل مع كل إنسان يلقنه القرآن ما يصلح لمثله»، ففي جانب حفظ القرآن الكريم تجد بعض الطلاب لديه قدرة على حفظ خمس آيات في اليوم، وبعضهم لديه قدرة على حفظ صفحة، وبعضهم لديه قابلية لحفظ ثلاثين آية أو أكثر، ولنا شاهد في عز الدين بن جماعة (ت: ٨١٩ هـ)، الذي كان يحفظ كل يوم حزبين من القرآن الكريم، فحفظه في شهر واحد. وفي جانب الفهم، تجد بعض المتعلمين يفهم بتقرير يسير من المدرس، وبعضهم يحتاج لبسط وتوضيح وإعادة، وبعضهم يحتاج لأمثلة بيانية.

في جانب علم التجويد

       وفي جانب علم التجويد يكتفي بعض المتلقنين بما يلقى إليه من تقويم وتصحيح، وبعضهم عنده قابلية لحفظ القاعدة والأمثلة عليها، وبعضهم لديه قدرة على حفظ المتون المساعدة، كحفظ متن الجزرية، أو (تحفة الأطفال) للجمزوري، أو (لآلئ البيان في تجويد القرآن) للشيخ إبراهيم بن علي بن علي شحاتة السمنودي المعاصر، أو ما شابهها من المتون السائرة الشهيرة في هذا العلم. فعلى المعلِّم ملاحظة هذا التباين الواضح، ومراعاة الفروق البارزة بين المتعلمين، ومن الخطأ الجلي لدى بعض معلمي القرآن، المساواة بين الطلاب، وتحميل الضعيف حملاً عنيفاً ليبلغ إلى مستوى الطالب اليقظ النبيه، وهذا لا يعني ترك التحفيز أو رفع الهمم، أو مكافأة المحسن، وعقاب المقصر، بل المقصود أن ترك الأخذ بمبدأ مراعاة الفروق في التعليم والتوجيه، يوجد نشأً متفسخاً، ويبرز نوعيات من الطلبة نافرة، أو يؤدي إلى ظهور طبقة تحملت فوق ما تستوعب.

المقوم التاسع: الحد الأدنى من العلوم الأساسية لمهمته

       معلم القرآن الناجح هو الذي يرتقي بنفسه علميا ولاسيما العلوم الأساسية كعلم التوحيد والاعتقاد، فيجب عليه أن يسعى دائمًا لطلب العلم الشرعي وتحصيله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - « من سلك طريق يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»، ويعدُّ العلم بأصول الاعتقاد الذي كان عليه السَّلف الصَّالح، وبراءة المرء من المُحدَثات والبدع مطلبا شرعيا، ومن أوَّلِ الصِّفات التي ينبغي أن يتحقَّق بها معلِّم القرآن ومتعلِّمه، فالعقيدة الصحيحة من المقوِّمات الأساسيَّة لمعلِّم القرآن، الذي يتصدَّى للتَّعليم والتَّربية في حَلَقات القرآن؛ لأنَّ ذلك يُثمر الاستقرار القلبي، فيصبح اعتقاده القلبي متوافقاً مع قوله اللَّفظي، وسلوكه العملي، فمعلم القرآن الكريم الذي لديه علم بهذه الأصول، يستطيع أن يحقِّق أهداف الحَلَقات القرآنيَّة، بغرس بذرة الإيمان في نفوس النَّاشئة، وبناء لبنة عقيدة التَّوحيد الخالصة؛ بحيث يجتمع تعلُّم القرآن مع نقاء الفطرة، فتنمو الثَّمرة، وتؤتي أكلها، فيحصل النَّفع بإذن الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك