رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسن الأشرف-المغرب 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

دعاة مغاربة: تسميته بالحجاب تجنٍّ على الشرع “الحجاب المتبرج” يجد أرضاً خصبة للانتشار في المغرب

 

 

"الحجاب المتبرج"، "حجاب الموضة"،  "الحجاب المودرن"، "حجاب شوفوني".. تتعدد الأسماء والنعوت لكن المقصود واحد..إنه تلك القطع من الأثواب الملونة بالغة التنسيق التي ترتديها العديد من الفتيات والنساء في كثير من البلدان الإسلامية ومن ضمنها المغرب الذي انتشر فيه هذا الصنف من اللباس انتشار النار في الهشيم ولاسيما في السنوات العشر الأخيرة، حيث تكاثرت محلات مختصة في بيع "موضة الحجاب"  كالفطريات، فضلا عن تأسي الفتيات عن هوى أو جهل بمغنيات ومذيعات "تحجبن" وأضحين نماذج للحجاب "العصري" تقدمهن بعض القنوات الفضائيات التي تُصنف في قائمة الفضائيات الدينية،  يرتدين فساتين مزركشة مع غطاء للرأس يكاد يبين لون الشعر وحجمه والأذنين، مع التزين بمساحيق تجميلية تناسب ألوان الثياب.

ويكاد يُجمع العلماء والدعاة المخلصون على أن هذا النوع من "الحجاب" لا يؤدي وظيفة الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى على نساء المؤمنين في آيات كريمات في سورتي النور والأحزاب ودلت عليه السنة النبوية المطهرة؛ باعتبار أن هذا "الحجاب المتبرج" يفتقد الشروط  التي أوجبها الله في الحجاب؛ وهي أن يكون ساترا ولا يكون كاشفا ولا واصفا و لا ثياب شهرة.

ويرى باحثون إسلاميون أن انتشار حجاب الموضة في المغرب يُعزَى أساسا إلى وجود جهات تحاول إفراغ الحجاب من شروطه الشرعية في الستر وعدم التجسيد، داعين إلى "تكاتف الجهود في البيت والأسرة والمسجد والمدرسة و الإعلام  لإحداث صحوة داخل الصحوة الدينية الحالية، والاستمرار في الإقناع  بأحكام الدين وآدابه في مختلف مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، ومن ضمنها آداب الإسلام في الستر واللباس والعفة".

 

لباس متهتك

ويعد الشيخ يحيى المدغري، من العلماء المستقلين والدعاة المعروفين بالمغرب، في حديث مع “الفرقان” ارتداء تلك الأزياء وتسميتها حجابا تجنيا على المصطلحات الشرعية، مضيفا أن المسلم يعيش بلبلة علمية حين يسمع بتسمية هذه الملابس حجابا، والواقع أنها مجرد ثياب تلبسها المرأة وتتشكل من ألوان مزركشة وفاتنة تُضاف إلى وضع المساحيق على الوجه ونمص الحاجبين، فيعطي كل هذا  تشكيلة نسائية تساهم في إثارة الفتنة واقتراف عدم غض البصر.   

ووصف المدغري “حجاب الموضة” بأنه  لباس متهتك، ولا يؤدي وظائف الحشمة والستر المطلوبة في ارتداء الحجاب، قائلا: إنه لو تمت المقارنة بين ما ترتديه الفتاة أو المرأة مما يسميه بعضهم تجاوزا “حجابا”، وبين ما تلبسه نساؤنا المغربيات البدويات والصحراويات من “جلباب” نسائي تقليدي بالفطرة، لوجدنا لباس الأخيرات أقرب إلى مواصفات الحجاب؛ لكونه يجسد خصلة الحياء والستر، عكس تلك الأزياء المفضوحة التي تنعت ظلما وزورا بأنها حجاب وما هي بحجاب”.

 

عوامل الانتشار

وحول أسباب انتشار “الحجاب المتبرج” في المغرب أكد الشيخ المدغري أن الإعلام يؤدي دورا مؤثرا في ذلك؛ حيث إن سيلا جارفا من المسلسلات المشرقية غزت بيوتنا تظهر فيه فتيات ونساء يضعن مناديل مزوقة على رؤوسهن بدعوى أنها حجاب، ويتناقشن حول أمور الدين أو يحضرن محاضرة دينية للداعية فلان أو الشيخ فلان، فتم الترويج لمثل هذا “الحجاب” عبر الفضائيات؛ حتى إن بعض الناس في المغرب  صار يطلق على هذا الصنف من “الحجاب” حجاب قناة “اقرأ”، كناية على المذيعات اللائي يظهرن على القناة ويضعن غطاء للرأس لا يكاد يستره؛ وقد تظهر الأذنان أيضا، أما التجميل والنمص فحدث ولا حرج.

وأضاف الداعية المغربي سببا آخر في ذيوع “الحجاب المتبرج” قد لا ينتبه إليه الكثيرون، حين عزا ذلك الانتشار إلى بعض الحركات الإسلامية بالمغرب التي ناصرت هذا الصنف من “الحجاب” وأيدته وروجت له بعض الشخصيات المحسوبة على الصف الإسلامي بالبلاد من خلال مقالاتها ومحاضراتها.

ومن العوامل أيضا التي أسهمت في انتشار هذا النوع من “الحجاب”: الجهل بأمور الدين؛ فكثير من فتياتنا, كما يقول الشيخ يحيى المدغري، قد يكون قصدهن سليما حين يرتدين ما يسمى بالحجاب المتبرج؛ ذلك أنهن يقعن ضحية التغرير والجهل بفرائض الدين ومقتضيات الحجاب الشرعي، ومنهن من تعتبر لباس ذلك النوع من الحجاب أفضل من ألا تلبسه وتكون متبرجة.

واسترسل الداعية المغربي بالقول: إن السبب في هذا الجهل والتردد في حسم المسألة يعود إلى كوننا صرنا نعيش زمن “البلبلة في الفتاوى”، فالفتاة التي لا تستطيع التمييز بين الغث والسمين وتسمع داعية أو شيخا يفتي بجواز هذا النوع من اللباس باعتباره هو الحجاب بعينه، أو حين ترى زوجة هذا الداعية أو ذاك ترتدي “حجابا” متبرجا؛ فإنها (أي الفتاة) تعتقد أن ذلك الحجاب التي تلبسه هو عين الستر، وهو المطلوب في الشرع؛ فالناس يتأثرون أكثر بالأفعال أكثر من الأقوال”.

وأكد إدريس كرم، الإخصائي في علم الاجتماع الديني والثقافي وعضو رابطة علماء المغرب، أن الحجاب بشتى أصنافه اكتسح المجتمع المغربي، وصار هناك نوع من الحنين إلى ارتداء الحجاب، مستدلا على تلك الهيمنة بأنه “حتى داخل التنظيمات اليسارية والعلمانية توجد نساء محجبات”.

لكن عضو رابطة علماء المغرب عزا  عوامل انتشار حجاب الموضة إلى كون مرتدياته يرغبن بواسطته في تحقيق مآرب كثيرة منها نيل فرصة للزواج، وأيضا إلى وجود جهات علمانية تحاول إفراغ الحجاب من شروطه الشرعية في الستر وعدم التجسيد، موضحا أن الحجاب الحالي الذي يصف ويشفّ يعد شكلا من أشكال التبرج؛ بحيث يكون الجسد مغطى ولكنه ليس مستورا”.

 

صناعة اللباس

ومن عوامل انتشار موضة الحجاب: الآلة الصناعية التي تنتج مئات الآلاف من نماذج هذا اللباس لترويجه أوساط الفتيات والنساء بغية ضرب عصفورين اثنين بحجر واحد، الأول تحقيق أرباح تجارية ومكاسب مادية مهمة؛ باعتبار أن لهذا الصنف من الحجاب «زبوناته» اللواتي يفضلنه لأسباب خاصة أحيانا بدعوى مسايرة العصر، وأحيانا لتفادي مشكلات مهنية واجتماعية خاصة بالنسبة للموظفات والعاملات في ظل بعض الشروط الضمنية وغير الصريحة التي “تفرضها” إدارات وقطاعات حكومية وأخرى خاصة تتعلق بكيفية ارتداء الموظفات لحجابهن. 

أما الهدف الثاني فيرتبط باستهداف الحجاب الحقيقي من خلال تمييع هذا اللباس النسائي الذي فرضه الله على المرأة المسلمة، ومحاولة إفراغه من مضمونه وتخليه عن وظيفته السامية المتمثلة في إسدال الستر والحشمة على المرأة وعدم  إبراز مفاتنها حتى لو غطت رأسها، لكن بالطريقة الجديدة حيث يُحزم الشعر بمنديل ملون زاهي الألوان تبرز بعض خصلات شعر مقدمة الرأس أو تظهر أقراط الأذنين مع فستان ضيق يكشف أعضاء المرأة ومفاتنها الجسدية, وبالتالي يصير هذا النوع من “الحجاب” مطلوبا ومحببا لدى شريحة من النساء بدعوى أنه أفضل من ألبسة العري المستفحل في الشوارع، وذريعة تحت قاعدة  “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، أو أن “العمش” خير من العمى، وهي أفكار مغلوطة تماما؛ لأن الشارع الحكيم كان واضحا في تحديد مواصفات الحجاب الذي ارتضاه الله سبحانه لنساء المؤمنين، وأن دونه من لباس لا يرضيه عز وجل.

 

الحجاب الحق

ويفتقد هذا “الحجاب المتبرج”، وفق الشيخ يحيى المدغري، للشروط التي شرعها الله تعالى، وهي أن يكون ساترا ولا يكون كاشفا ولا واصفا ولا ثياب شهرة، فهو للأسف يعري أكثر مما يغطي ويصف أكثر مما يستر، مستدلا بحديث النبي[ الذي أخبر بأنه من أهل النار “نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها”، فوصف الرسول الكريم[ لباسهن بأنه: “كساء وعري” في الوقت نفسه؛ لأنه لا يحقق الستر المطلوب شرعا.

وقال المدغري: إن الحجاب هو أعم  وأكبر من هذه الثياب التي يسمونها “حجابا”، فالأصل أن تحتجب المرأة عن الظهور سافرة أمام الآخرين؛ فقد قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، وإذا ما احتاجت المرأة إلى الخروج لضرورات معينة فحينها يأمرها الشارع الحكيم بارتداء لباس شرعي محتشم؛ حتى لا تكون سببا في فتنة أو ضلالة أو معصية قصدت ذلك أو لم تقصده.

وخلص الداعية المغربي إلى أنه يجب على طلبة العلم والدعاة المخلصين أن يتقوا الله تعالى في أعراض المسلمين، وأن يحرصوا على تبيان الحق وإبراز مواصفات الحجاب الشرعي الحقيقي، دون الخوف من أن يُشار إليهم بأصابع الاتهام بكونهم رجعيين أو ظلاميين أو متخلفين عن العصر، مضيفا أن عليهم ألا يخافوا في قول الحق لومة لائم؛ ذلك أننا “صرنا في أمس الحاجة لربط نساء أمتنا بقيم العفة والحشمة والستر”.

 

الخطوات الصحيحة

ومن جهته، مسوّغ الدكتور محمد بولوز، الواعظ في مساجد الرباط والباحث في العلوم الشرعية، ارتداء “حجاب الموضة” بكون التأثر في بداية لبس الحجاب قد يكون  بكلمة مؤثرة ومحاضرة بليغة لأحد الدعاة، ثم لا يعقب ذلك تعلم لأساسيات الدين ولا لمقاصده في العفة والأخلاق وجملة الآداب التي وجب التزامها، ومع ضغط خطاب الحداثة والمعاصرة يكون هناك انصياع نفسي لهذا الضغط وميل لنوع من التوفيق والجمع أحيانا بين المتناقضات”.

واعتبر بولوز أنه يجب بث الوعي في صفوف المحجبات بكون اللباس الشرعي عبادة من العبادات لها مقاصد وأهداف وشروط، وليس مجرد عادة تتقاذفها أهواء الموضة ويتلاعب بها مصممو الأزياء، مضيفا أنه لا بد فيه من تجديد النية بابتغاء وجه الله في ذلك ومقاومة نوازع الهوى في إظهار الزينة لغير المحارم وتطويع الزي الإسلامي لمسايرة ذلك، ومراعاة كونه ساترا لجميع ما يجب ستره، من غير أن يكون مجسدا لمواطن العورة ولا رقيقا يكشف ما تحته، مع ما يجب معه من عفة وترك  الزينة، وتجنب الخضوع بالقول، وكذا استحضار قول الله عز وجل: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}، وتجنب الخلوة وعموم مظاهر التهتك، والتي اخترقت -للأسف الشديد -  صفوف العديد من المحجبات.

وأضاف بولوز  أنه ينبغي  تكاتف الجهود في البيت والأسرة والمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي وجمعيات المجتمع المدني والهيئات التربوية والدعوية، والعمل على إحداث صحوة داخل الصحوة الدينية الحالية، والاستمرار في الإقناع بأحكام الدين وآدابه في مختلف مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، ومن ضمنها آداب الإسلام في الستر واللباس والعفة.

وأفاد بولوز بأنه على قدر البدايات المبكرة في حياة الأطفال يكون قدر رسوخ تلك القيم وتجذرها، مردفا أن القدوة العملية من الأمهات والمربيات والمحجبات من الأخوات الكبيرات في الأسرة وكذا القريبات تشجع الصغيرات على السير في ركابهن، وتظهر عدم الاكتفاء بالدعوة إلى لبس الحجاب فقط، وإنما بيان كونه عبادة من العبادات يتقرب بها من الله عز وجل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك