رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 4 مارس، 2024 0 تعليق

دعاء السفر .. أين التخويف؟

  • عمد أحد الباحثين إلى الاستهزاء بدعاء السفر الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلا: إن الدعاء فيه تخويف، وأن الالتزام به -حال السفر- يعد تخلفا .. هكذا!
  • بداية نقول: إنه لا يجوز الاستهزاء بالدين أبدا، حتى لو كان من باب المزاح، قال -تعالى-: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة:65- 66).
  • ولو استعرضنا ألفاظ الحديث الشريف -التي خرجت من فم النبي  صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى-، لم نجد فيها أي تخويف أو تخلف، بل كلها تحمل معاني طيبة، يحتاجها المسافر؛ فإذا ركب المسافر وسيلة النقل قال ثلاثا: (الله أكبر)، وهذا استِشْعارٌ لكِبرياءِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وأنَّه أكبَرُ من كلِّ شيءٍ، فيُكبِّرُه ليَشكُرَ له ذلك؛ فيَزيدَه من فَضلِه.. فأين التخويف؟..
  • ثم يقول: {سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَما كنَّا له مُقْرِنين}، فيه ثناء واعتراف بنعمة الله -تعالى-؛ أن جعل تلك الوسائل المتنوعة -سواء من المخلوقات أم مما صنعه الإنسان- سهلة ومنقادة؛ ولهذا قال نوح  عليه  السلام للراكبين معه في السفينة: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}(هود:41)، مع علم نوح اليقيني بأن السفينة ستنجو بأمر الله، ومع ذلك أمرهم بأن يأخذوا في الأسباب، ويقولوا {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}... فأين التخويف؟..
  • ثم قال الحديث: (وَإنَّا إِلى ربِّنا لَمُنقلِبونَ) .. أي أن مآل الإنسان إلى ربه في كل أحواله، فكما تنقله هذه الوسيلة من مكان إلى آخر، فكذلك هو منتقل من الدنيا إلى الآخرة في سفره إلى الله -عز وجل-، وهو المقام الأزلي والنهائي. فأين التخويف؟..
  • ثم يدعو المسافر لنفسه؛ فيقول: (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى)، والبِرُّ: هو الْتِزامُ الطَّاعةِ، والتَّقْوى: البُعدُ عنِ المَعصيةِ، فيَمْتثِلُ الأَوامرَ ويَجتنِبُ النَّواهيَ .. فأين التخويف؟..
  • ثُمَّ يسَألَ ربَّه أنْ يَرزُقَه مِنَ العَملِ ما يَرضَى بِه عنْهُ؛ فيقول: (وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى).. فأين التخويف؟.
  • ثُمَّ سأَلَ الله أن يجعل سفره سهلا ميسورا، وأنْ يُقرِّبَ لَه مَسافةَ ذَلك السَّفرِ؛ فقال: (اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ)... فأين التخويف؟.
  • ثُمَّ أتْبَعَ دُعاءَه بقولِه: (اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ)، يَعني تَصحَبُني في سَفَري، فتُيسِّرُه وتُسهِّلُه عليَّ، (والخَليفةُ في الأَهلِ) مِن بَعْدي، فتَحوطُهم بِرعايتِكَ وعِنايتِكَ؛ فهوَ -جلَّ وعَلا- معَ الإِنسانِ في سَفرِه، وخَليفتُه في أَهلِه؛ لأنَّه -جلَّ وعَلا- بكُلِّ شَيءٍ مُحيطٌ... فأين التخويف؟.
  • ثُمَّ يستعيذ المسافر مِن بعضِ ما قد يُصيبُه في السَّفرِ، مثل (وَعْثاءُ السَّفرِ)، وهيَ شِدَّتُه ومَشقَّتُه وتَعَبُه، (وكآبةُ المَنظَرِ)، وهيَ تَغيُّرُ الوجهِ بسبب التعب البدني والنفسي في السفر ، ثم قال: (وسُوءُ المُنقلَبِ) بأنْ يَرجِعَ فَيَرى في أَهلِه وَمالِه ما يَسوؤُه. ... فأين التخويف؟.
  • وإذا رجع من سفره قال:  (آيِبونَ)، أي: نحنُ راجِعونَ مِنَ السَّفرِ بالسَّلامةِ، (تائِبونَ) مِنَ أي مَعصيةٍ إلى الطَّاعةِ، (عابِدونَ، لربِّنا حامِدونَ)، أي: مُثْنونَ عليه -تعالَى- بصِفاتِ كَمالِه وجَلالِه، وشاكِرونَ له على نِعَمِه وأفْضالِه. وأنه لما حفظنا الله وعدنا سالمين، فإننا نعاهد الله، أن تكون هذه العودة ليست من السفر فقط، بل هي عودة إلى الله  -سبحانه وتعالى. فأين التخويف؟.
 

م 3/4/2024 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك