رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عمر شحات 17 يوليو، 2010 0 تعليق

داء القلــوب (3)

إن حياة القلوب وسعادتها مرهونتان بمعرفة الله تعالى ومحبته وطاعته، وإن موتها وغلظتها وقسوتها مرتبطة بمعصيته تعالى وكره ما أمر جل وعلا، وأفعال العباد وصلاحها مبنية على عمودين  مجتمعين: الأول: متابعة السنة، والثاني: إخلاص النية لله تعالى.  والنية محلها القلب، فإذا صح القلب وبرأ من العلل والآفات والأمراض خلصت نيته واستقامت سريرته وعلانيته. وإن فسدت النية حبط القول والعمل  وخسر الإنسان خسراناً مبينا؛ حيث إن صلاح الأعمال لا ينفك عن صلاح القلوب وصحتها وسلامتها وما زلنا نستكمل موضوع داء القلوب..

ومن أمراض  القلوب داء الكبر: وهو  احتقار الناس وازدراؤهم ودفع الحق ورده، أخرج الإمام  مسلم من حديث ‏عبد الله بن مسعود  أن النبي[‏ ‏قال:‏ «‏لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال ‏ ‏رجل: ‏ ‏إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر ‏ ‏بطر ‏ ‏الحق ‏ ‏وغمط ‏ ‏الناس».

كذلك من أمراض القلوب : قطيعة الأرحام:   فإما أن يقطع صاحب القلب المريض  رحمهُ ولا يصلها،  أو يتغير لديه معنى صلة الأرحام ومفهومها؛ بحيث لا يرى مانعاً من معاداتها أو يرى أن قطيعتها هي الصواب والحكمة.ويتغير وينقلب لديه المفهوم الصحيح لصلة الأرحام.

ومن أمراض القلوب:  الشح  والبخل: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء: 290) يأمر تعالى بالاقتصاد في العيش ذاما للبخل ناهيا عن السرف، أي لا تكن بخيلا. وجاء في سنن أبي داود من حديث ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏قال: «خطب رسول الله[‏ ‏فقال: ‏ ‏إياكم ‏ ‏والشح؛ ‏ ‏فإنما هلك من كان قبلكم ‏ ‏بالشح، ‏ ‏أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم ‏ ‏بالفجور ‏ ‏ففجروا".

والشح أبلغ في المنع من البخل، قال ابن الأثير: الشح أشد البخل، وهو أبلغ في المنع من البخل, وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: البخل بالمال، والشح بالمال والمعروف وقال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}0

  ومن أمراض القلوب: الغضب  ما كان للنفس، وقد جاء النهي عنه وفساد خلق صاحبه؛ قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}(التوبة: 58).

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه‏-: أن رجلا قال للنبي[: ‏ ‏أوصني، قال:‏ «لا تغضب» فردد مرارا قال: "لا تغضب".    

ولكن في هذا المقام تجدر الإشارة الى وجود نوع من الغضب المحمود، وهو ليس دليلاً على مرض القلب، وهو  ما كان لله تعالى وذلك عندما تنتهك حرمة من حرمات الله تعالى، وهو دليل على حياة القلب وشدة إيمانه، ويجب ألا يختلط الغضب لله مع الغضب  للنفس أو للهوى. 

ومن أمراض القلوب: الحسد:  وهو  تمني زوال النعمة عن المحسود، وإن لم يحصل  للحاسد مثلها، والحسد هو البغض والكراهة لما يراه  الحاسد من حسن حال المحسود، وهو من صفات قلوب اليهود؛ قال تعالى: { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } أي يتمنون ارتدادكم حسدا فجعل الحسد هو الموجب لذلك. أما  الغبطة فإنها تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط.

والحسد  نوعان :

1 - الأول : كراهة الحاسد  للنعمة وأيضا للمحسود، فهذا هو الحسد المذموم، وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه؛ وهو من صفات اليهود.

2 - الثاني: أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه، فهذا وإن دخل في اسم الحسد لكنه لا يتمنى زوال النعمة عن صاحبها، بل يحب أن يكون له مثلها ليكسب بها الأجر والحسنات ومرضاة الله تعالى والتنافس في أعمال البر والخير؛ قال تعالى: {ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، فالتنافس هنا  للفوز بالجنة وليس لزخرف الدنيا الزائل، وهذا موافق لحديث النبي[ فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه، ومن أوتي المال فهو ينفقه. جاء في الحديث المتفق عليه  قال: «لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق»، وفي لفظ «رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه في الحق آناء الليل والنهار» رواه البخاري. 

 فأما من أوتي علما ولم يعمل به ولم يعلمه لغيره، أو أوتي مالا ولم ينفقه في طاعة الله فهذا لا يحُسد ولا يتمنى أحد مثل حاله؛ لأنه ليس في خير بل هو بخيل شحيح  معرض للعذاب ومقت الله وغضبه، فضلاً عن بغض الخلق له.

ونهى رسول الله[ عن الحسد؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي[ قال: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا...»  الحديث.

كذلك فإن من أمراض القلوب: الغش، جاء في مسند الإمام أحمد قول رسول الله[: «من غش فليس منا»، ونقص الكيل والميزان:{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}، إلى آخر هذه الأمراض وهي كثيرة.

لذلك حري بكل مسلم ومسلمة أن ينظر في أمر قلبه إن كان مرتكباً للمعاصي غير تائب منها فعليه بأسباب  النجاة وعلاج هذه الأمراض قبل فوات الأوان، قال ابن القيم:   إن الله تعالى لم ينزل من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم  ولا أنجع  في إزالة الداء من القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء: 82)، والقرآن شفاء لما في الصدور  ففيه من البينات ما  يزيل أمراض الشبهات المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ،  وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره؛ فيبقى القلب محبا للرشاد مبغضا للغي، بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد. فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده، كما يغتذي البدن بما ينميه ويقومه؛ فإن زكاة القلب مثل نماء البدن .

وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب، وأيضاً  ترك المعاصي فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، والتوبة من الذنوب  والبعد عنها وعدم التعرض لأماكنها تقوي القلب وتخلصه من الأدران، وبها يزكو القلب بحيث ينمو ويكمل؛ قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}، وقال تعالى: { قد أفلح من تزكى} وقال تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}، فالتزكية وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل بإزالة الشر، والتوحيد والإيمان يزكي القلب وهذا أصل ما تزكو به القلوب، والتزكية: جعل الشيء زكيا: إما في ذاته، وإما في الاعتقاد والعمل.

والعمل الطيب أيضاً له أثر مبارك في صلاح القلب،  قال بعض السلف: إن للحسنة لنورا في القلب وقوة في البدن وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق.

وإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده، لكن تفسد فطرته من مرضه كأبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وهذه كلها تغير فطرته التي فطره عليها وإن كانت بقضاء الله وقدره.

وإذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين لم يُبتَل بحب غيره قوي إيمانه وزاد بالطاعة، فكلما فعل العبد الطاعة محبة لله وخوفاً منه، وترك المعصية حباً له وخوفا منه ومن عقابه وعذابه، أزال اللهُ تعالى ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره. فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل وهو ما يورث القلب إيماناً من العلم النافع والعمل الصالح فتلك أغذية له.

وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء ويتخير أوقات الإجابة مثل:  ثلث الليل الآخر، وبين  الأذان والإقامة، وفي سجوده وفي أدبار الصلوات، وآخر ساعة في يوم الجمعة.. إلى آخره.

وختاماً نسأل الله تعالى أن يُصلح نياتنا  وأعمالنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يرزقنا والمسلمين العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك