رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عمر شحات 13 يوليو، 2010 0 تعليق

داء القلــوب 2

 إن حياة القلوب وسعادتها مرهونتان بمعرفة الله تعالى ومحبته وطاعته، وإن موتها وغلظتها وقسوتها مرتبطة بمعصيته تعالى وكره ما أمر جل وعلا، وأفعال العباد وصلاحها مبنية على عمودين  مجتمعين: الأول: متابعة السنة، والثاني: إخلاص النية لله تعالى.  والنية محلها القلب، فإذا صح القلب وبرأ من العلل والآفات والأمراض خلصت نيته واستقامت سريرته وعلانيته. وإن فسدت النية حبط القول والعمل  وخسر الإنسان خسراناً مبينا؛ حيث إن صلاح الأعمال لا ينفك عن صلاح القلوب وصحتها وسلامتها وما زلنا نستكمل موضوع داء القلوب..

منشأ أمراض القلب شعبتان هما: الشبهات والشهوات، فإذا مرض القلب بالشبهات  فلا يرى  الحق حقاً، أو يراه على خلاف ما هو عليه؛ بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار، ويصل به الحال الى الشرك بالله والكفر ورد دعوة الرسل؛ قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}(إبراهيم: 10).

وقد فسر بعض أهل العلم مرض الشُبهة  بالشك والريب  والتردد.

أما الشهوات فإنها تُسبب حب  المحرمات  كالكذب والسرقة  وشرب الخمر.. وسائر الذنوب والمعاصي.

والقلب الفاسد المريض  قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما تحبه النفس دون أن يكون لديه وازع أو رادع أو محبة أو رهبة من الله تعالى، ويأتي بالأعمال التي حرمها الله، كما أنه يُفسد على صاحبه نيته حتى لو فعل أعمالا موافقة للشرع.

وإذا تمكن المرض من القلب واستولى عليه؛ ينجذب إلى المعاصي ويدبر عن الطاعات حتى لم يعد يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً  ولا يرغب ولا يرهب فيما عند الله تعالى، ولا يفرق بين الوعد والوعيد، والخير والشر، والظلمات والنور.

أما  إذا كان القلب سليماً ليس فيه إلا محبة الله ومحبة رسوله[ واتباعه، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه الله، صلحت حركات الجوارح، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات والمنهيات، و يحمل صاحبه ويدفعه  الى كل خير  ويردعه عن كل شر،  ويفعل المأمورات ويترك  المنهيات، ويصبح ورعاً حاله بين الخوف والرجاء، والمحبة والرهبة فلا تضره فتنة وتزيده المحنة بهاء وتثبيتا.

ذلك إذا صح القلب من اعتلاله ومرضه  فإنه يرفل بثوب الصحة والعافية وتتبعته الجوارح، ليفرح الإنسان بفضل الله وبرحمته ثم بثواب عمله  ويسعد في دنياه وآخرته.

وقد أثنى الله تبارك وتعالى على خليله إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى:ٍ {إذ جاء ربه بقلب سليم} (الصافات:84)، قال المفسرون: «أي سليم من الشرك والشُبه والشهوات المانعة  من تصور الحق والعمل به» وقال أيضاً: {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}  (الشعراء:89)، قيل: هو القلب السليم المحب للسنة الكاره للبدعة، وقيل: قلب المؤمن هو القلب السليم، جاء في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». فالقلب محل للنية، وهي أحد ركني  صلاح الأعمال وقبولها، وفساد النية محبط للعمل مفسد له كما يفُسـدُ الخلُ العسل.

وعموماً فالمرض والداء ُ يتسبب في ضعف المريض بجعل قوته ضعيفة لا تطيق ما يطيقه القوي، والصحة تحفظ بالمثل وتزال بالضد، والمرض يقوى بمثل سببه، ويزول بضده.  فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه ووهنت قوته  حتى ربما يهلك، وإن حصل له ما يقوي القوة ويزيل المرض كان بالعكس؛ لذلك فإن القلب المريض لا يقوى على مقاومة الفتن ولا الصمود أمام المحن  سواء الدينية أم الدنيوية، فإذا ما تعرضت له فتنة وقع في حبائل الشيطان ومكره، وأما إذا أصابته مشكلة دنيوية كخسارة تجارة أو فَقْد منصب أو فوات عَرَضِ زائل  فإنه ييأس ويقنط ولا يصبر  ولا يقدر على مقاومة الفتنة؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين} (الحج: 11).

والقلب الفاسد هو المخذول المشحون بالهوى المدنس بالأخلاق المذمومة والخبائث المفتحة فيه أبواب الشياطين والشر، والمنقاد لخاطر  الهوى فيستفتي عقله وحُكمهُ, ومن كان عقله  قد ألف خدمة الهوى فإنه يستنبط الحيل فتتزين له الأماني والغرور وزخرف القول والعمل، ويقوى عليه سلطان الشيطان وتخبو أو تنطفئ أنوار  الإيمان.

و"أمراض القلب" أنواع متعددة منها: ما يصيب العصاة والمذنبين: كالكذب والجهل وحب الفواحش؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}(يونس: 57)، جاء في التفسير: يقول تعالى ممتناً على عباده  بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم} أي زاجر عن الفواحش {وشفاء لما في الصدور} أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس. {وهدى ورحمة} أي يحصل بها الهداية والرحمة و دواء لما في الصدور من الجهل, يشفي به الله جهل الجهال, فيبرئ به داءهم ويهدي به من خلقه من أراد هدايته ورشاده.

وقلوب  الكفار والمنافقين مريضة وليست  صحيحة  كصالح قلوب المؤمنين؛ ذلك أنها استوطنت بها أمراض الشبهات  والشهوات؛  فإن القلب الصحيح لو عُرضت عليه الفتنة لا يلتفت اليها  ولا تضره، بخلاف القلب المريض فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه   وتشرب القلب لهذه الأمراض ومدى مقاومته لها وصلابته في مواجهتها.

والظلم كله من أمراض القلوب وهو دليل على مرض  القلب، وإذا وقع الإنسان في الظلم فإنه  إما أن يكون ظالما لنفسه  أو لغيره،  والظلم العظيم هو الشرك بالله تعالى؛  قال: عز - وجل -: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13).

ومن أدلة صلاح القلب الحياء؛ ولهذا قال النبي[: «الحياء من الإيمان»؛ فإن الحي يدفع ما يؤذيه، بخلاف الميت الذي لا حياة فيه توجب حياءه ، وامتناعه من القبح؛ ولهذا فإن الحيي يظهر عليه التأثر بالقبح وله إرادة تمنعه عن فعل القبح فالقلب السليم  إذا  حيي عاش حياة طيبة، وإذا مات القلب ماتت الحياة الطيبة {أولئك كالأنعام بل هم أضل}.. فصلاح القلب هو حياته واستنارته، والقلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح؛ فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك