رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 4 مارس، 2024 0 تعليق

خواطر  الكلمة الطيبة – لماذا لا ندعو إلى الله عز وجل؟

  • الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفروض والواجبات على المسلمين عموما وعلى العلماء خصوصا وهي منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام
  • الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أجل الأفعال وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه ويحتسبها لأخراه
 

إخواني الكرام، سؤال قد عرضته على نفسي، وأعرضه عليكم الآن، والجواب عنه في نفس كل منا: لماذا لا ندعو إلى الله؟ لماذا اليوم كثير من أبناء الأمة قد تقاعسوا عن هذه المهمة العظيمة التي تعد من الفرائض التي فرضها الله -عز وجل- على النبي -صلى الله عليه وسلم - وأتباعه؟

  وحتى أجيب عن هذا السؤال، إذا لابد وأن نعرف أسباب العزوف عن هذه الفريضة:

(1) الجهل بحكم الدعوة إلى الله -تعالى

        السبب الأول يرجع إلى الجهل بالحكم والأمر؛ حيث إنني لا أتصور إنسانا مسلما يعرف بأن الله --عز وجل-- فرض عليه شيئا ويتركه، وقد قال الله -عز وجل- للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ}، وهذا أمر والأمر يفيد الوجوب، وقال الله -عز وجل-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125)، هذه كلها أوامر، وقال الله -عز وجل-: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108).

أمر واجب

       إذًا أمر الدعوة إلى الله -عز وجل- أمر واجب، على كل أحد من أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فابتداءً هو واجبٌ عليه، وواجبٌ على أتباعه، ولكن هذا الواجب نظر له العلماء نظره أخرى: هل هو واجب على الأعيان؟ أم هو من فروض الكفايات؟ يعني إذا قام به بعضهم واكتفت الأمة بهم، سقط الإثم عن الكل، وأظن أن جمهور أهل العلم على هذا القول، وإن كانت ظواهر النصوص تدل على أنه واجب على كل أحد بعينه، ولكن يكون واجبا عليك بالعين في أحوال معينة، عندما تكون أنت الموجود فقط في هذا المكان، أنت الشاهد على هذه الواقعة، أنت من رأى أو سمع هذا الحدث، إذًا هو واجبٌ عليك الآن، أما من حيث العموم، فإذا قامت جماعة به من أمة الإسلام، وتحدث بها الكفاية، يسقط عنك الإثم.

هل هناك اكتفاء في الدعاة؟

ولكن السؤال الآن هل الساحة اليوم اكتفت بمن دخلها من الدعاة إلى الله ومن طلبة العلم ومن المفتين ومن القضاة؟ الجواب لا، فالساحة كبيرة والوقائع كثيرة، والجهات أكثر وأعداء الإسلام قد شمروا عن ساعد الجد لمحاربة الدين وأهله من كل جانب، فأيًّا من هذا الجهات قد تحققت فيها الكفاية؟ أخبروني وقولوا تلك الجهة قد تحققت فيها الكفاية وما نبغي فيها أحدا؟ لذا فلابد وأن تشمر ساعد الجد، وأن تحسب نفسك أحد الجنود الذين يدخلون ميدان الدعوة حتى ترفع الإثم عن نفسك.

(2) الجهل بفضل الدعوة إلى الله

        السبب الثاني من أسباب العزوف عن الدعوة إلى الله -تعالى- هو الجهل بفضل هذه الدعوة وثوابها، فبعض الناس لا يشارك في الدعوة، قد يكون عنده العلم ولكن ليس عنده ما يشجعه ويحفزه كقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: 111)، والنفس ترغب وترهب والله -عز وجل- خلقها وهي هكذا، فما الأشياء التي تجعل الإنسان يندفع نحو تلك القضية الشريفة؟

أنت مأمور بالتبليغ

        خذ الأمر الأول الذي تجد فيه تعلقا بالتبليغ فقط، بمجرد أن تبلغ الدين أنت مأجور، والنجاح يبدأ بالتبليغ، بعض الناس ينظر إلى الجهة الأخرى ناحية الأثر، الأثر ليس عليك قال -تعالى-: {ليس عليك هداهم}، يقولها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، {لست عليهم بمسيطر} يقولها للنبي -صلى الله عليه وسلم -، {إن عليك إلا البلاغ}، فقط هذا الذي عليك يا محمد -صلى الله عليه وسلم - الأشياء الأخرى ليست بيدك؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، نحن وسائل للتبليغ فقط ووسيلة تأثير أما النتيجة فليست علينا. لذلك اجعل كل همك وكل مهاراتك وكل قدراتك وكل فنونك فيما يخص قضية التبليغ والدعوة إلى الله -عز وجل-، ادفع من مالك، أدخل دورات، صاحب النشطاء والفاعلين، واعرف كيف تكون مبدعا؟ وكيف تشارك في الدعوة إلى الله؟ وكيف تنشر دين الله -عز وجل؟ اتعب على هذا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نضَّرَ اللَّهُ امرَءًا سمعَ مقالتي فأداها كما سمعها، فربَّ مبلَّغٍ أوعى لَهُ من سامِعٍ».

أجرك بالتبليغ

       لم يتكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التأثير والنتائج، وما قال لابد وأن تكون سببا في دخول أحدهم الإسلام، أو لأن يستقيم أحد من الناس، أو يهتدي لكي يكتب الله لك الأجر، فأجرك الآن كتب بالتبليغ؛ لذا فكثير من الناس عندما يُسأل لماذا لم يدخل ميدان الدعوة؟ يقول: أنا إنسان غير مؤثر، أنا ما عندي الإمكانيات الموجودة عند فلان الذي كسب قلوب الناس وكان سببا في إسلام بعض الناس واستقامة آخرين، أنا ما عندي هذه القدرة. من أخبرك أنَّ هداية الناس بيديك، ما نحن إلا أسباب لهداية بعض الناس، وهل نحن أفضل من نبي من أنبياء الله يأتي يوم القيامة وليس معه أحد؟ هل هذا النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- سقط في الاختبار؟ هل فشل في دعوته؟ لا، أبدًا، وإنما هذا النبي أدى ما عليه وما كلف به من رب العزة، وهو تبليغ الناس دين الله -عز وجل-؛ فالله -عز وجل- رفع عنه الإثم، بل أُجر، وكان له مقام عظيم عند الله -عز وجل- كنبي مرسل، وأصبحت الحجه قائمة على الناس.

إقامة الحجة على الناس

        لذلك عليك أن تبلغ دين الله -عز وجل- لتقيم الحجة على الناس، حتى إذا جاؤوا يوم القيامة وليس لهم حجه، فيقول أحدهم: يا رب، ما أدري عن الرسالة، وما أدري عن الدين، وما أدري عن القرآن، وما أدري عن السنة، ما أدري عن فهم السلف، ما أدري، ما أدري، فيقال له: قد جاءك فلان ونصحك، وجاءك فلان ودعاك، وفلان بلغك، ولكن أنت ما أخذت بهذا البلاغ ولا انتصحت، ولا تذكرت، فأصبح من أهل العقوبة الذين يستحقون عقوبة الله -عز وجل- عدلًا.

هذا مقامك في الدعوة إلى الله -عز وجل

         إذًا أنت مقامك في الدعوة إلى الله -عز وجل- أنك تقوم بإيصال العدل الذي سيكون لله يوم القيامة وحجة الله في أن جعلك مبلِّغا عن الله -عز وجل-؛ لأن كثيرا من الناس قد جهل هذا الموضوع، وما شارك في الدعوة يحسب أنه لابد من أن يتأثر به الناس، أبدًا ولكن الأمر الثاني في الفضل هو إذا تأثر بك الناس فأنت أولًا قد حصلت فضل البلاغ وإيصال عدل الله وإقامة حجته، ثم إذا تأثر بك الناس بإرادة الله -تعالى- وفضله فهناك فضلٌ عظيم أيضًا.

أجر الداعي إلى الله -عز وجل

         ويأتي الأمر الثاني في فضل وأجر الداعي إلى الله -عز وجل- إذا تأثر بك الناس، وجعلك الله -عز وجل- سببًا في هدايتهم واستقامتهم، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فواللهِ لَأنْ يهديَ اللهُ بكَ رجُلًا واحدًا خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ»، وحُمُر النعم هي أغلى ما وُجِدَ في هذه الأرض من إبل وأنواعها، أي ما في الأرض كلها من حُمُر النعم أنت تملكها، بأي شيء؟ ذلك إن هدى الله -عز وجل- على يديك رجلًا واحدًا، وإذا ما هدى الله -عز وجل- على يديك أحدا، فإن لك من الأجر ما لا يعلمه أحد إلا الله، فقد تركه مجهولًا لعظمه والفضل بيد الله -عز وجل- وحده، ولعظم أجر الصابرين على الحق وهذا الذي تقوم به من البلاغ دون أن ترى أثر ذلك في هداية الآخرين أو تأثرهم هو صبر، وقد قال الله -عز وجل في الصبر وأهله-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10).

من أعظم الأعمال

        خلاصة القول هو أن الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- من أجل الأفعال، وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه، ويحتسبها لأخراه، ويضعها في ميزان حسناته؛ لذلك يجب أن يجعلها الإنسان من الهموم التي تقعده وتقيمه، ويفكر فيها ليل نهار، فالدعاة إلى الله يقومون بمهمة بالغة الشأن، عظيمة الأهمية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك