رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 19 فبراير، 2024 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة الإحسان

  • ما فهمه السلف من الإحسان أن جزاءه يكتب عند الله تعالى سواء كان هذا الإحسان على البر أو الفاجر
  • ربط رسول صلى الله عليه وسلم  الإحسان بعبادة الله لِما لهذه من مكانة عظيمة في دين الله بحيث تعد أسمى غاية خُلِق الإنسان من أجلها
 

إخواني الكرام، بعض الناس يظنون أن الإحسان يقتصر على أهل البر والإحسان، يعني إذا رأيت إنسانا مستقيما وملتزما هذا الذي أقدم له الخدمات والمساعدة وأقدم له ما يحتاج إليها، وإذا كان على غير حالة الاستقامة فليس له نصيب عندي من البر والإحسان، فهل هذه النظرة صحيحة؟ وهي تقييم الناس قبل الإحسان إليهم.

       وإذا كنا نريد أن نفرق، فنقول هل التفريق يكون بناءً على أن الله -عزوجل- ما يعطيني الأجر إذا أنا أحسنت إلى غير أهل البر؟ إذا كان هذا الإنسان أمامي رجلا عاصيا أو عنده ذنوب ظاهرة أو باطنة أنا أعرفها، هل إذا أحسنت إليه هل الله -عزوجل- يكتب لي الأجر أم لا؟

الإحسان إلى أهل البر والفجور

       هذه المسألة دعونا نذهب فيها إلى من هم أعلم فيها بديننا وبشرعنا من معرفة أدلة الكتاب والسنة وفهمها وهم السلف الصالح، ابتداءً من جيل الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ثم بعد ذلك جيل التابعين ثم تابعي التابعين والذي قد أخبرنا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، محمد بن علي بن الحنفية وهو ابن سيدنا علي - رضي الله عنه - دعونا نرى كيف قال في فهم هذه الآية من كلام ربنا -سبحانه وتعالى- في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. يقول -رحمة الله تعالى عليه-: «وهذه مسجلة لكل بر وفاجر» يعني: إذا أحسنت وقدمت البر إلى أهل البر فهي مسجلة لك عند الله -عزوجل-، وإذا قدمت هذا البر والإحسان لأهل الفجور فهي مسجلة لك عند الله -عزوجل- أيضًا بسبب عطائك وبسبب برك وإحسانك، وعلى ذلك بوب الإمام البخاري في كتابه صحيح الأدب المفرد باب (الإحسان إلى أهل البر والفجور أو إلى البر والفاجر) فكذلك سمى هذا الباب على ما فهم من هذا النص الكريم.

ماذا أستفيد؟

وعلى هذا إخواني الكرام، ماذا أستفيد إذا قدمت إحساني إلى أهل البر؟ هل لأنه يستحق البر؟ وبناء عليه نصنف الناس، هذا من أولياء الله -عزوجل- ومن أهل الخير، وهذا من أهل التقوى، وهذا من أهل الاستقامة فهذا أولى بالبر من غيره، لكن إذا رأيت واحدا من المسلمين من أهل الفجور والعصيان هل هذا خرج من الولاية؟ هل هذا خرج من الإسلام؟ هل هذا خرج من الإيمان؟ الجواب لا، قال -عزوجل-: {ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فاطر: 32)، فمعناها القريب لك أن الإنسان إذا كان عنده شيئا من الفجور والعصيان والنقصان فليس معنى ذلك أن هذا الأمر يمنعك من أن تحسن إليه! فلا تبره ولا تعطيه ولا تساعده ولا تمشي في حاجته ولا تعينه، فهذا مفهوم خطأ؛ بدليل ما فهمه السلف من أن الإحسان يكتب لك عند الرحمن؛ بسبب إحسانك سواء كان لبر أو لفاجر.

حديث يؤكد هذا الفهم

        دعونا نذهب إلى حديث يؤكد هذا الفهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ على سارق! فقال: اللهم لك الحمد لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية؛ فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأَتَصَدَّقَنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ على غني؟ فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يَسْتَعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تَسْتَعِفُّ عن زناها، وأما الغني فلعله أن يَعْتَبِرَ فيُنْفِقَ مما أعطاه الله». وأنت كذلك إذا أقدمت على أفعال البر والإحسان فلتعلم إذا كان في أهل البر فاعلم أنك قدمت الإحسان بحق لمن يستحقه، وإذا كان لا يستحق فلتجعل في نيتك لعله أن يستقيم، لعله أن يهتدي، لعله أن يستعفف، لعله ولعله أن يتدين ولعله أن يترك واقعا إلى واقع أفضل، واعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيفما شاء، واسأل الله الثبات لنفسك ثم اسأله الثبات لغيرك.    

الإحسان في الإسلام

       فسّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.» أي أن تستحضر مراقبة الله لك في أثناء عبادتك له؛ فتؤديها على أحسن وجه، وكأن الله -تعالى- سيحاسبك في العاجل عليها. إن الإنسان إن لم يكن يرى الله، فإن الله -تعالى- معه أينما كان، لقد دلّ القرآنُ الكريم على هذه الحقيقة في مواضِعَ مختلفة كقوله -تعالى-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. لقد ربط رسول - صلى الله عليه وسلم - الإحسان بعبادة الله لِما لهذه من مكانة عظيمة في دين الله؛ بحيث تعد أسمى غاية خُلِق الإنسان من أجلها، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. وبما أن العبادة هي بهذه الأهمية فإنّ إعطاءها حقها اللازم من الإحسان والإجادة يُعد شرطا أساسيا لقبولها وتحصيل الأجر الأوفر عليها. يقول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}، ويقول أيضاً: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، إنّ الله -تعالى- اشترط للقيام بواجب عبادته أن يكون العبد ذا هِمّة عالية وأداء حسن. ولا تكون العبادة عبادة صحيحة حتى يتقلب صاحبها بين حب الله والخوف منه، بين رجاء رحمته وخشية عذابه؛ فالرجاء الذي لا يرافقه خشية قد يقود إلى طول الأمل والتجرؤ على الله بالمعصية. أما الخشية التي لا يرافقها رجاء فإنها قد تؤدي إلى القنوط واليأس اللذين يسقطان في الكفر؛ قال -تعالى-: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك