رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد سلطان السلطان 1 أغسطس، 2023 0 تعليق

خواطر الكلمة الطيبة – الدفاع عن القرآن

روى ابن حبان في صحيحه والحديث أيضًا صححه البخاري وهو حديث يحكي أحداث غزوة أحد، هذه الغزوة المعروفة والمشهورة التي ذكر أطرافها في كتاب الله -عز وجل-، وجاءت السيرة بتفصيلها تفصيلا كبيرًا، ونتحدث عن المشهد الذي انتهي بهزيمة جيش المسلمين أمام جيش الكفار، عندما عصى بعض المسلمين أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحل عليهم بعد ذلك هذه الخسارة الكبيرة، فبعد أن انطفأت نار الحرب وأخذ كل جيش مكانه: «... فَقالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَصْحَابِهِ فَقالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فقَدْ قُتِلُوا، فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقالَ: كَذَبْتَ واللَّهِ يا عَدُوَّ اللَّهِ؛ إنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وقدْ بَقِيَ لكَ ما يَسُوؤُكَ، قالَ: يَوْمٌ بيَومِ بَدْرٍ، والحَرْبُ سِجَالٌ، إنَّكُمْ سَتَجِدُونَ في القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بهَا، ولَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ».

      فعمر - رضي الله عنه - لم يقصد مخالفة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يملك نفسه ولم ينكر عليه رسول الله، فهو يعلم أن عمر فعلها حمية لله ورسوله؛ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوته إقرار.

فائدة كبيرة

      الشاهد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرد عليه عندما كانت القضية قضية أشخاص، وعندما وصلت القضية للشرع والدين والرسالة لم يتحمل - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يعطينا تصورا عاما للقضية وفائدة كبيرة من هذا الموقف: «أنه إذا كانت الحروب حروب أشخاص فلا تدخل فيها، ولكن إذا كانت للدين وأحكامه وشرائعه فلابد من الكل أن يتصدر للدفاع عنه».

قضية حرق المصحف

      واليوم عندما عمد الملحد الكافر الفاسق الفاجر إلى حرق كتاب الله -تعالى-، فليست هذه قضية شخصية حتى نقول فيها: لا تجيبوه، ولكنها قضية شرع؛ فلابد من الجميع أن يجيبوه؛ فهي قضية تتعلق بـ(عظمة القرآن الكريم وقدسيته وأهميته والدفاع عنه)، فمن العقد والميثاق الذي بينك وبين الله -تعالى- أن تجاهد في سبيل الله -تعالى-، وأن تقوم بحماية المقدسات، وأعظم هذه المقدسات قضية القرآن الكريم؛ فديننا وإسلامنا وتشريعنا ومبادئنا كلها قائمه على هذا الكتاب، فكيف لا ندافع عنه؟

كلٌّ على قدر استطاعته

       وليس المقصود أن تخرج إلى الشارع وتتكلم وتضع لافتة، بل كلٌّ على قدر استطاعته، حتى الرجل في بيته عليه أن يجمع أهل بيته ويتحدث معهم عن فضل القرآن وأهميته، وأن ويستنكر هذا الفعل الشنيع أمامهم، كل شخصٍ على قدر استطاعته، علينا ألا نقف عند هذا الحدث فقط بالعواطف، وإنما رصد كل من يهاجم القرآن للرد عليه، وإعداد الردود المناسبة بالكتابة، وفي مواقع الإنترنت، وفي غيرها، والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للأولاد، ومساندة حلق التحفيظ، ونشر المصحف، وترجمة معانيه، والاعتناء بالتفسير، ودروس التفسير، وعلوم القرآن، ويجب أن نتخذ من هذا الحدث منبرًا للكلام عن فضل القرآن، وأحكام القرآن، وبلاغة القرآن، وإعجاز القرآن، وهيمنة القرآن على سائر الكتب.

مواقف السيرة

      ولذلك فإن المواقف التي نقرؤها في السيرة ليست مواقف عادية، ولكنها تعلمنا كي نتعامل مع الواقع ومع الناس الذين يهاجمون شريعتنا؛ فهذا ليس هجوما شخصيا ولكنه هجوم على الأمة والدين والشرع، وهجوم على محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، فكان لابد هنا من أن نظهر جهادنا في سبيل الله، قال -تعالى-: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}، وقال أيضا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، وآيات الجهاد في سبيل الله عظيمة وكثيرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}، والجهاد في الاسلام ليس بالسلاح فقط، مع شروطه وضوابطه، التي أكاد أجزم أنه لا أحد يعرف هذه الضوابط والشروط كما جاءت في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا السلفيون، وكل من خرج عن السلفية لا يعلم شيئا عن الجهاد الحق.

جهاد الحجة والبيان

       ومن أنواع الجهاد المشروع: جهاد الحجة والبيان، فبه ننافح عن ديننا الذي يتعرض للأخطار من قبل المشركين والمبتدعين؛ فإن حماية العقيدة وكف العدوان والمعتدين من أعظم المهمات؛ فبه يُري الإنسان ربه أنه مؤمن ثابت على إيمانه ومعتز به ويقوم بدوره في الذود عن هذا الدين على أكمل وجه.

 

 

دورنا في الدفاع عن القرآن الكريم

القرآن العظيم أنزله -تعالى-: {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (النمل:2)، وقد جاء للعالمين من الإنس والجن نذيرًا؛ ليحذِّر من عصى الله عقابه وناره، ومبشرًا من أطاعه جنته ورضوانه، فقال -تعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1)، ويستغرب بعضهم الآن ما حدث من إهانة للمصحف الشريف على يد بعض المنافقين والمشركين، فبدلًا من أن يؤمنوا بهذا الحق، ويتدبروا فيه ويسلموا به، تراهم يصدون عنه ويستهزئون به، بل -والعياذ بالله- وصل بهم الأمر إلى أن يدنسوه ويهينوه.

ونصرة كتاب الله تكون بأمور عدة:

(1)  العمل بالقرآن

       العمل بالقرآن هو أشد ما يغيظ أعداءنا، ويوهن كيدهم، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فقد (كان خُلقه القرآن)، قال النووي: «وَكَوْنُ خُلْقِهِ الْقُرْآنَ هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَمَحَاسِنه».

(2)  حفظه وتعلمه وتعلميه 

وحتى نصل إلى ذلك لابد لنا من حفظه وتعلمه وتعلميه؛ حتى نطبقه عن علم ودراية، راجين ثواب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعًا يوم القيامة»، وهو في السلسلة الصحيحة.

(3) نشر معاني القرآن الكريم

كذلك نشر معاني القرآن الكريم ولا سيما بين غير المسلمين، وإيجاد ترجمات صحيحة خالية من الأخطاء.

(4) إنشاء الأوقاف الإسلامية

       إنشاء الأوقاف الإسلامية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وطباعته، وطباعة سائر علوم القرآن، وتراجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ونشره عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الإنترنت.

(5) الردود العلمية

      وكذلك قيام طلبة العلم والباحثين بإعداد الردود العلمية على أولئك المنتقصين لكتاب الله -عز وجل-، أو المفترين الجدد والرد عليهم وإفحامهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك