رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 4 مارس، 2024 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – وُجُــوبُ تَوْقِـيرِ وَلِــيِّ الْأَمْـرِ وَإِكْرَامِهِ

  • شَرْعنا يَسُدُّ كُلَّ بَابِ شَرٍّ يَفْتَحُ عَلَى الْأُمَّةِ الْوَيْلَاتِ وَالْمِحَنَ وَالْمَصَائِبَ وَالْفِتَنَ وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ
  • مِنْ حُقُوقِ وُلَاةِ الْأَمْرِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم  إِكْرَامِهِمْ وَإِبْرَازُ مَكَانَتهمْ وَوُجوبُ تَوْقِيرِهِمْ وَسَدُّ كُلِّ بَابٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ أوَ إِهَانَتِهِمْ
 

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 20 من شعبان 1445هـ الموافق: 1/3/2024م، بعنوان: (وُجُوبُ تَوْقِيرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِكْرَامِهِ)؛ حيث بينت الخطبة أنَّ الْمُتَدَبِّرَ لِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَمَقَاصِدِهِ الْعِظَامِ: يَجِدُ أَنَّ شَرْعَنَا يَسُدُّ كُلَّ بَابِ شَرٍّ يَفْتَحُ عَلَى الْأُمَّةِ الْوَيْلَاتِ وَالْمِحَنَ وَالْمَصَائِبَ وَالْفِتَنَ، وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ فَشَرْعُنَا شَرْعٌ كَامِلٌ رَاعَى جَمِيعَ الْمَصَالِحِ وَدَرَأَ عَنَّا كُلَّ الْمَفَاسِدِ؛ وَلِذَا امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِتَمَامِ هَذَا الدِّينِ وَكَمَالِهِ، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ نِعْمَةٍ! وَمَا أَجَلَّهَا مِنْ مِنَّةٍ، فَالسَّعِيدُ الَّذِي بِهَدْيِ الْإِسْلَامِ اقْتَدَى، وَجَعَلَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ التَّمَسُّكَ بِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى، وَالشَّقِيُّ مَنْ تَنَـكَبَّ طَرِيقَهُ وَاعْتَدَى.

       ومِنْ مُهِمَّاتِ الْأَبْوَابِ الَّتِي جَاءَ الْحَثُّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّوَجَلَّ- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي بِهَا وَيَحُثُّ أُمَّتَهُ عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَوَامِرِهِ فِيهَا: بَابُ مُعَامَلَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، فَكَانَ يُوصِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْأَئِمَّةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَحُثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ، وَيُرَغِّبُ فِي إِكْرَامِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ، وَالدُّعَاءِ لَهُمْ، وَتَوْجِيهِ النَّصِيحَةِ إِلَيْهِمْ بِالرِّفْقِ وَالسِّرِّ مَعَ جَمْعِ الْقُلُوبِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ يَدًا وَاحِدَةً، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْوَصَايَا سَلِمَ وَغَنِمَ، وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا خَابَ وَغَرِمَ.

تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ

      عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:»نَعَمْ«. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

سَدّ أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الْأُمَّةِ

      وَسَارَ عَلَى ذَلِكَ صَحَابَتُهُ الْكِرَامُ، وَأَوْصَوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ سَيِّدُ الْأَنَامِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَسَدُّوا أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الْأُمَّةِ، وَعَاشُوا عَلَى خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الْإِخْلَالَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ بَابُ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ، الَّذِي جَرَّ الْوَيْلَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَبْرَ الْعُصُورِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْوُلَاةِ: «فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ،... وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ، فَطَلَبَ إِزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ».

مِنْ حُقُوقِ وُلَاةِ الْأَمْرِ

       مِنْ حُقُوقِ وُلَاةِ الْأَمْرِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم -، وَتَوَاتَرَتْ فِيهَا وَصَايَا أَئِمَّتِنَا: حَقُّ إِكْرَامِهِمْ وَإِبْرَازُ مَكَانَتِهِمْ وَوُجُوبُ تَوْقِيرِهِمْ، وَسَدُّ كُلِّ بَابٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِسْقَاطِ مَكَانَتِهِمْ مِنْ قُلُوبِ رَعِيَّتِهِمْ، فَيَتَوَلَّدُ عَنْ ذَلِكَ عَدَمُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مِفْتَاحُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَنَزْعِ الْيَدِ مِنْ طَاعَتِهِمْ؛ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ؛ أَكْرَمَهُ اللهُ، وَمَنْ أَهَانَهُ؛ أَهَانَهُ اللهُ» (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَضْلَ مَنْ وَقَّرَ الْإِمَامَ وَعَظَّمَهُ؛ فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ يُرِيدُ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ» (رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).

عَدَمُ الطَّعْنِ عَلَيْهِ وَسَبِّهِ وَلَعْنِهِ

        وَمِنْ تَمَامِ تَوْقِيرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِعْزَازِهِ وَإِكْرَامِهِ: عَدَمُ الطَّعْنِ عَلَيْهِ وَسَبِّهِ وَلَعْنِهِ، وَذِكْرِ مَسَاوِئِهِ عَلَى الْمَنَابِرِ وَفِي الْمَحَافِلِ؛ فَالْخُرُوجُ بِالطَّعْنِ وَاللِّسَانِ سَبِيلٌ لِلْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَلِذَلِكَ كَثُرَتِ الْوَصَايَا عَنِ السَّلَفِ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ لِعِلْمِهِمْ بِخُطُورَتِهِ وَعَظِيمِ مَفْسَدَتِهِ، وَأَنَّهُ دَأْبُ الْخَوَارِجِ الْمُفْسِدِينَ وَلَيْسَ بِطَرِيقِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُتَّـبِعِينَ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «أَمَرَنَا أَكَابِرُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَن لَّا نَسُبَّ أُمَرَاءَنَا، وَلَا نَغُشَّهُمْ، وَلَا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللَّهَ وَنَصْبِرَ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ»، وَالطَّعْنُ فِي الْوُلَاةِ عَلَامَةٌ لِأَهْلِ النِّفَاقِ وَدُعَاةِ الْفِتَنِ وَالشِّقَاقِ؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ نِفَاقِ الْمَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إِمَامِهِ»، بَلْ هِيَ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِلشَّرْعِ وَسَبَبٌ لِفَسَادِ الدِّينِ وَسُلُوكُ طَرِيقِ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «سَبُّ الْإِمَامِ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ حَالِقَةَ الشَّعْرِ؛ وَلَكِنْ حَالِقَةُ الدِّينِ»، وَعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالطَّعْنَ عَلَى الْأَئِمَّةِ! فَإِنَّ الطَّعْنَ عَلَيْهِمْ هِيَ الْحَالِقَةُ، حَالِقَةُ الدِّينِ لَيْسَ حَالِقَةَ الشَّعْرِ، أَلَا إِنَّ الطَّاعِنِينَ هُمُ الْخَائِبُونَ وَشِرَارُ الْأَشْرَارِ».

مُخَالَفَة النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ

       إِنَّ النَّاظِرَ فِي التَّارِيخِ وَمَا يَحْمِلُهُ مِنْ أَحْدَاثٍ وَعِبَرٍ يَجِدُ أَنَّ مُخَالَفَةَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَابِ وُلَاةِ الْأَمْرِ يَجُرُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَثِيرًا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالْوَيْلَاتِ؛ لِذَلِكَ يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَلَعَلَّهُ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ طَائِفَةٌ خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ؛ إِلَّا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ»، فَاتَّبِعُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَصَايَا نَبِيِّكُمْ، وَاسْلُكُوا سَبِيلَ سَلَفِكُمْ؛ فَهُوَ السَّبِيلُ إِلَى إِعْزَازِكُمْ وَتَمَاسُكِ أُمَّتِكُمْ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْنَا وَأَصْلِـحْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ وَالْبِلَادِ.

حَقُّ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ

       مِنْ حُقُوقِ وُلَاةِ الْأَمْرِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَوْقِيرُهُمْ وَإِكْرَامُهُمْ: حَقُّ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشَّرِّ؛ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَهْتَمُّونَ بِهَذَا الْأَمْرِ غَايَةَ الِاهْتِمَامِ؛ يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ»، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرْ لَنَا هَذَا، قَالَ: «إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَعْدُنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلَحَ، فَصَلَحَ بِصَلَاحِهِ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ».

نَصِيحَتُهُ وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ

       وَمِنْ تَوْقِيرِ الْوُلَاةِ وَهَيْبَتِهِمْ: أَنْ تَكُونَ نَصِيحَتُهُ وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ نَصِيحَةً سِرِّيَّةً مُحْتَفَّةً بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ وَحُسْنِ الْخِطَابِ وَالْكَلَامِ، مِنْ غَيْرِ جَهْرٍ بِهَا؛ لِئَلَّا تُثِيرَ الرَّعِيَّةَ عَلَى الْوُلَاةِ وَتَمْتَلِئَ قُلُوبُهُمْ عَلَيْهِمْ؛ فَيَحْصُلَ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْفِتَنِ وَالْمِحَنِ؛ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ: «جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ صَاحِبَ دَارَا حِينَ فُتِحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ، ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ، فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا أَشَدَّهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ؟» فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ، وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ؟»، وَإِنَّكَ يَا هِشَامُ لَأَنْتَ الْجَرِيءُ، إِذْ تَجْتَرِئُ عَلَى سُلْطَانِ اللَّهِ، فَهَلَّا خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ السُّلْطَانُ فَتَكُونَ قَتِيلَ سُلْطَانِ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَصَايَا النبي - صلى الله عليه وسلم 

       هَذِهِ وَصَايَا نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، وَتَقْرَعُ أَسْمَاعَكُمْ، فَكُونُوا لَهَا مُتَّبِعِينَ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ وَيُبْعِدْكُمْ عَنْهَا الْمُفْسِدُونَ؛ فَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي الِاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْوَصَايَا عَاشَ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ وَإِيمَانٍ، وَمَنِ ابْتَعَدَ عَنْهَا سَلَكَ طَرَائِقَ الشَّيْطَانِ، وَفَتَحَ عَلَيْهِ الشُّرُورَ وَالْفَسَادَ وَالطُّغْيَانَ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك