رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 17 يناير، 2024 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – وجـوب طاعـة النبي صلى الله عليه وسلم  ومحبته

 

  • كَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رضوان الله عليهم يَقْتَدُونَ بالنبي صلى الله عليه وسلم  فِي سُنَّتِهِ وَيَتَعَبَّدُونَ بِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ للَّه سبحانه
  • سطر الصـحـابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وفـدائـه بالأموال والأولاد والأنفس في المنشط والمكره في العسر واليسر
 

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتاريخ: 23 من جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 5 /1 / 2024م، بعنوان: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}؛ حيث بينت الخطبة أنّ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- امْتَنَّ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ وَأَجْلَى النِّعَمِ: بِعْثَةُ الرَّسُولِ الْأَمِينِ، وَسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164)، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.

         أَعْلَى اللَّهُ مَكَانَتَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَوْجَبَ عَلَى الْعِبَادِ حُبَّهُ وَمُتَابَعَتَهُ، وَأَمَرَ بِتَقْدِيمِ سُنَّتِهِ وَالتَّحَاكُمِ لِشَرِيعَتِهِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات:1)، وَقَرَنَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِلْفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (آل عمران:132)، وَجَعَلَ طَاعَتَهُ - صلى الله عليه وسلم - شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ وَبُرْهَانًا عَلَى حُسْنِ الْإِسْلَامِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأنفال:1)، وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا طَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَاجْتِنَابَ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، وَحَذَّرَ سُبْحَانَهُ مِنْ تَرْكِ سُنَّتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ؛ فَقَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63)، وَرَبَطَ الْهُدَى بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ فِي دِينِهِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور:54)، فَمُتَابَعَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَانٌ، وَسُلُوكُ سَبِيلِهِ نَجَاةٌ وَبُرْهَانٌ، وَالتَّمَسُّكُ بِسُنَّتِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَلَامَةِ الْإِيمَانِ.

الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم 

         وَلَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ؛ يَقْتَدُونَ بِنَبِيِّهِمْ فِي سُنَّتِهِ، وَيَتَعَبَّدُونَ اللَّهَ بِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَشِرْعَتِهِ، فَكَانُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ - لِهَدْيِهِ مُتَّبِعِينَ وَلِآثَارِهِ مُقْتَفِينَ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ لِلرُّكْنِ (أَيِ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ): «أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ ‌حَجَرٌ، ‌لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ)، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: (فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ، إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ»، ثُمَّ قَالَ: «شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ (الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ)، مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا، فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ» (مُتَّفَق عَلَيْهِ).

اتِّبَاع سُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم -

         إِنَّ اتِّبَاعَ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - دَلِيلٌ عَلَى الْحُبِّ، وَسَبِيلٌ إِلَى غُفْرَانِ الذَّنْبِ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران:31)، فَمَحَبَّتُهُ -صلى الله عليه وسلم - لَا تَكُونُ بِالِادِّعَاءِ، بَلْ بِحُسْنِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ.

أَعْظَم الْأُمُورِ الْقَادِحَةِ في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم 

         وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الْقَادِحَةِ فِي اتِّبَاعِهِ، وَالْقَضَايَا الْفَاضِحِةِ لِمُدَّعِي مَحَبَّتِهِ وَامْتِدَاحِهِ: الْإِحْدَاثَ فِي دِينِهِ، وَمُخَالَفَةَ سُنَّتِهِ وَسَبِيلِهِ؛ قَالَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- : ( مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - خَانَ الرِّسَالَةَ)، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ -تَعَالَى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، فَالْبِدَعُ وَالْإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ مِنْ أَشَدِّ الْأُمُورِ خَطَرًا وَأَعْظَمِهَا ضَرَرًا؛ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ؛ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ يُتَابُ مِنْهَا، وَالْبِدْعَةُ لَا يُتَابُ مِنْهَا)، فَمَنْ أَحَبَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - أَحَبَّ سُنَّتَهُ وَكَرِهَ الِابْتِدَاعَ فِي دِينِهِ وَمِلَّتِهِ.

الْبِدَعُ شَأْنُهَا خَطِيرٌ

          فَالْبِدَعُ شَأْنُهَا خَطِيرٌ؛ إِذْ إِنَّهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ تَزْدَادُ وَتَنْتَشِرُ وَتَفْشُو بَيْنَ النَّاسِ؛ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «وَاللَّهِ لَتَفْشُوَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالُوا: تُرِكَتِ السُّنَّةُ»، فَطُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ انْتِشَارِ الْبِدْعَةِ، وَاعْتَنَى بِحُسْنِ الِاتِّبَاعِ عِنْدَ فُشُوِّ الِابْتِدَاعِ، وَدَافَعَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَنَشَرَ مَا صَحَّ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحَدِيثِهِ، وَأَحَبَّ أَهْلَ سُنَّتِهِ وَمِلَّتِهِ، وَجَفَا أَهْلَ مُخَالَفَتِهِ وَمُجَانَبَةِ شَرِيعَتِهِ.

تَعْظِيم سُنّة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

         إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَعْظِيمَ سُنَّتِهِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَلْسُنِ، وَالدِّفَاعَ عَنْهَا بِكُلِّ سَبِيلٍ وَوَسِيلَةٍ، وَعَدَمَ مُعَارَضَتِهَا بِرَأْيٍ أَوْ فِكْرٍ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «كَانَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهُمْ وَغَضَبُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَأْيٍ أَوِ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَهْجُرُونَ فَاعِلَ ذَلِكَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَلَا يُسَوِّغُونَ غَيْرَ الِانْقِيَادِ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّلَقِّي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ». عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ‌عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - فِي رَهْطٍ مِنَّا، وَفِينَا بُشِيرُ بْنُ كَعْبٍ، فَحَدَّثَنَا ‌عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ«، فَقَالَ بُشِيرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوِ الْحِكْمَةِ، أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ، وَمِنْهُ ضَعْفًا، فَغَضِبَ ‌عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، وَقَالَ: أَلَا أُرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - وَتُعَارِضُ فِيهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَعَنْ قَتَادَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا بِحَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ: (قَالَ فُلَانٌ: كَذَا وَكَذَا)، فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «أُحَدِّثُكُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - وَتَقُولُ: قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَذَا وَكَذَا، لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا». هَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُمْ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، فَيُوَالُونَ مَنْ أَحَبَّهَا وَنَصَرَهَا وَاعْتَنَى بِهَا، وَيُعَادُونَ مَنْ عَادَاهَا وَخَذَلَهَا وَحَرَّفَ فِيهَا، فَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ تَوْحِيدٌ وَاتِّبَاعٌ، وَالشَّرُّ كُلُّ الشَّرِّ فِي الشِّرْكِ وَالِابْتِدَاعِ؛ عَنْ أَبِي رَافِعٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ)، فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فِي التَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، اتَّبِعُوهَا وَاسْلُكُوا سَبِيلَهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدِثَةٍ بِدْعَةٌ.

مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحُسْنِ اتِّبَاعِه

         إِنَّ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحُسْنِ اتِّبَاعِهِ : مَحَبَّةَ دِينِهِ؛ وَالِافْتِخَارَ بِالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ، وَرَفْعَ الرَّأْسِ بِالتَّدَيُّنِ بِشَرِيعَتِهِ وَمِلَّتِهِ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ دِينٍ لَيْسَ مِنْ دِينِهِ، فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ دِينًا سِوَاهُ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

طَاعَة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أَمَر

         وَمِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ وَتَرَكُ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تُخَالِفُ هَدْيَهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِمَا أَبَاحَهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ؛ فَدِينُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ دِينُ فُسْحَةٍ وَسَمَاحَةٍ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

من آثـار محـبته صلى الله عليه وسلم 

          المحبة عمل قـلـبـي اعتقادي، تظهر آثاره ودلائله في سلوك الإنسان وأفعاله، ومن علامات ذلك الدفاع عنه وعن سنته؛ فإن الدفاع عــن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصرته، آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال، قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}( الحشر: 8)، ولقد سطر الصـحـابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفـدائـه بالأموال والأولاد والأنفس، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، وكتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم التي تدل على غاية المحبة والإيثار، وما أجمل ما قاله أنس بن النضر يـوم أحــد لـمـا انكشف المسلمون: «اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صـنــع هؤلاء يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النـضـر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. ومــن الدفاع عن سنته -صلى الله عليه وسلم -: حفظها وتنقيحها، وحمايتها من انتحال الـمـبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاعنين في سنته، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم، وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنضارة لمن حمل هــذا اللــواء بقوله: «نضر الله امرءا سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مُبلّغ أوعى من سامع»، والتهاون في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أو الذَبّ عن سنته وشريعته، من الـخـــذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته، فهو كاذب في دعواه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك