رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ

جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 2 من صفر 1445هـ الموافق 18 من أغسطس2023م بعنوان: (الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ)، وقد أكدت الخطبة على أنَّ الْأُسْرَةَ الْمُسْلِمَةَ هِيَ نَوَاةُ الْمُجْتَمَعِ الصَّالِحِ، وَأَسَاسٌ مَتِينٌ فِي كُلِّ عَمَلٍ رَابِحٍ وَتَطَوُّرٍ نَاجِحٍ؛ فَصَلَاحُ الْمُجْتَمَعِ مِنْ صَلَاحِ الْأُسْرَةِ؛ وَلِذَا عُنِيَ الْإِسْلَامُ بِالْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ عِنَايَةً كَبِيرَةً، وَذَكَّرَ بِحُقُوقِهَا تَذْكِيرًا بَالِغاً، عِنَايَةً تَقْصُرُ عَنْهَا فُهُومُ الْبَشَرِ وَالْقَوَانِينُ الْوَضْعِيَّةُ.

      وَتَذْكِيرًا يُعَرِّفُ كُلَّ مُجْتَمَعٍ قِيمَةَ الْأُسْرَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ فَقَلَّمَا تَجِدُ نِظَاماً يُعْنَى بِشُؤُونِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، مِثْلَ شَرِيعَةِ اللهِ -تَعَالَى-، وَكُلُّ ذَلِكَ لِتَبْقَى قَوَائِمُهَا شَامِخَةً، وَتَظَلَّ جُذُورُ نُمُوِّهَا رَاسِخَةً، يَسُودُهَا الْوِئَامُ وَالْمَحَبَّةُ، وَتُرَفْرِفُ عَلَيْهَا مَشَاعِرُ الرَّحْمَةِ وَالْمَوَدَّةِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21).

رُكْنَيْن أَسَاسِيَّيْنِ

     وَمِنْ أَجْلِ تَكْوِينِ أُسْرَةٍ مُسْلِمَةٍ صَالِحَةٍ؛ أَكَّدَ الْإِسْلَامُ عَلَى رُكْنَيْهَا الْأَسَاسِيَّيْنِ: الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، فَأَمَرَ بِحُسْنِ الِاخْتِيَارِ لِكِلَيْهِمَا، وَالنَّظَرِ إِلَى جَانِبِ الدِّينِ فِيهِمَا؛ فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي شَأْنِ الْرَّجُلِ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه ).

مَسْؤُولِيَّة الوالدين

        فَإِذَا كَانَ عَمُودَا الْأُسْرَةِ صَالِحَيْنِ، كَانَ ذَلِكَ أَرْجَى أَنْ يُثْمِرَا مِنْ زَوَاجِهِمَا أَبْنَاءً صَالِحِينَ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (الأعراف:58)؛ وَلِذَلِكَ حَمَّلَ الشَّرْعُ كُلًّا مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ الْقِيَامَ بِمَسْؤُولِيَّتِهِمَا تِجَاهَ بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ وَتِجَاهَ أَوْلَادِهِمَا، فَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ عبداللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ).

أَوْلَوِيَّات الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ

       إِنَّ أَوْلَى أَوْلَوِيَّاتِ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَأَسْمَى رِسَالَةٍ تُقَدِّمُهَا لِدِينِهَا وَمُجْتَمَعِهَا: هُوَ تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ تَرْبِيَةً صَالِحَةً، وَتَكْوِينُ جِيلٍ مُؤْمِنٍ بِرَبِّهِ، مُتَمَسِّكٍ بِدِينِهِ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ -تَعَالَى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6)، وَإِحْسَانُ تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ يَجْعَلُهُمْ ذُخْرًا لِوَالِدِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ). وَالْأُسْرَةُ الَّتِي لَا تَغْرِسُ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِهَا الْإِيمَانَ، وَلَا تَسْتَقِيمُ عَلَى نَهْجِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ: لَنْ تَعِيشَ فِي أُلْفَةٍ وَوِئَامٍ وَلَا إِحْسَانٍ، بَلْ تُنْجِبُ عَنَاصِرَ تَعِيشُ التَّمَزُّقَ النَّفْسِيَّ، وَالضَّيَاعَ الْفِكْرِيَّ، وَالْفَسَادَ الْأَخْلَاقِيَّ.

اخْتِيَارُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ للأبناء

      وَمِنَ الْأُمُورِ الْمُعِينَةِ لِلْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي إِصْلَاحِ أَبْنَائِهَا: اخْتِيَارُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -)، إِنَّ الْأَبَ الْقَيِّمَ فِي الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ لَا يَتَهَرَّبُ مِنْ مَسْؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ بَيْتِهِ، فَهُوَ يَقُومُ بِمُجَالَسَةِ أَبْنَائِهِ، وَمُحَاوَرَتِهِمْ، وَمُشَاوَرَتِهِمْ، وَمُنَاصَحَتِهِمْ بِاللِّينِ وَالْحِكْمَةِ، كَمَا أَنَّ الْأُمَّ تَقُومُ بِوَاجِبِهَا فِي رِعَايَةِ زَوْجِهَا وَأَبْنَائِهَا، وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الْبَيْتِ، وَإِعْطَاءِ الْأَبْنَاءِ مِنْ حَنَانِهَا وَعَطْفِهَا وَوَقْتِهَا مَا يَكْفِي لِلْوَاجِبِ نَحْوَهُمْ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ: لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ

 هَــــمِّ الْحَيَاةِ فَخَلَّفاَهُ ذَلِيلا

                                                                                     إِنَّ الْيَتِيمَ هُــوَ الَّذِي تَلْقَــى لَــــــــهُ

 أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَباً مَشْغُــولا

                                                                      رَّكَائِز الْأُسْرَة الْمُسْلِمَة

       إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الرَّكَائِزِ الَّتِي تَرْتَكِزُ عَلَيْهَا الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ فِي مَسِيرَتِهَا: أَنَّهَا تَجْعَلُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَاجَهَا فِي الْحَيَاةِ، تَرْجِعُ إِلَيْهِمَا فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَفِي كُلِّ خِلَافٍ مَهْمَا كَانَ صَغِيرًا، وَكُلُّ مَنْ فِي هَذِهِ الْأُسْرَةِ يَرْضَى وَيُسَلِّمُ بِحُكْمِ اللهِ؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب:36).

ذِكْر اللهِ -تَعَالَى

       وَالْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ تَجْعَلُ حَيَاتَهَا وَأُنْسَهَا وَلَذَّتَهَا وَسَعَادَتَهَا فِي ذِكْرِ اللهِ -تَعَالَى-؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ: مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -[- قَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ). وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْأَزْوَاجَ عَلَى مُعَاوَنَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً فِي الْعِبَادَةِ، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ)، قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ: «قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ). وَقَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه:132).

التربية على الحياء

ومِنْ سِمَاتِ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ: أَنَّهَا تُرَبِّي أَفْرَادَهَا عَلَى الْحَيَاءِ؛ فَبِالْحَيَاءِ تَتَحَصَّنُ الْأُسْرَةُ مِنْ وَسَائِلِ الشَّرِّ؛ إِذْ إِنَّ الْحَيَاءَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَخَازِي وَالْآثَامِ.

أَسْرَارهَا مَحْفُوظَةٌ

      وَمِنْ سِمَاتِهَا كَذَلِكَ: أَنَّ أَسْرَارَهَا مَحْفُوظَةٌ، وَخِلَافَاتِهَا مَسْتُورَةٌ، لَا تُفْشَى وَلَا تُسْتَقْصَى؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

التَّعَاوُنُ فِي أُمُورِ الْبَيْتِ

        وَمِنْ سِمَاتِ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ: التَّعَاوُنُ فِيمَا بَيْنَهَا فِي أُمُورِ الْبَيْتِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ؛ فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فَأَجَابَتْ: «كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ (تَعْنِي: خِدْمَةَ أَهْلِهِ) فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

حَمْلَة شَرِسَة لِزَعْزَعَةِ أَرْكَانِ الْأُسْرَة

        لَقَدِ اسْتَطَاعَتِ الْأُسْرَةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي قَامَتْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالتَّمَسُّكِ بِأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ، وَتَعَلَّقَتْ بِالْمَسَاجِدِ: أَنْ تُخَرِّجَ لِلْحَيَاةِ أَبْطَالًا شُجْعَاناً، وَعُلَمَاءَ أَفْذَاذًا، وَعُبَّادًا وَزُهَّادًا، وَقَادَةً مُخْلِصِينَ، وَرِجَالًا صَالِحِينَ، وَنِسَاءً تَقِيَّاتٍ، كَتَبُوا صَفَحَاتٍ مُضِيئَةً فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ الْيَوْمَ تُوَاجِهُ حَمْلَةً شَرِسَةً، لِزَعْزَعَةِ أَرْكَانِهَا، وَإِلْغَاءِ كِيَانِهَا، بِفَكِّ رِبَاطِ الْأُسْرَةِ، وَنَبْذِ قِيَمِهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الِاخْتِلَاطِ وَالسُّفُورِ وَالْإِبَاحِيَّةِ، وَإِدْخَالِ عَادَاتٍ سَقِيمَةٍ، وَاتِّبَاعِ أَفْكَارٍ عَقِيمَةٍ، تَفْصِمُ عُرَى الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَتَجْلِبُ لَهَا حَيَاةً غَرِيبَةً مُؤْلِمَةً؛ نَتِيجَةَ السُّقُوطِ فِي حَمْأَةِ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى، وَاتِّبَاعِ كُلِّ صَادٍّ عَنِ الْهُدَى وَدَاعٍ إِلَى الْهَوَى، فَكَثُرَتْ حَالَاتُ الطَّلَاقِ، وَتَشَتَّتَ شَمْلُ الْكَثِيرِ مِنَ الْأُسَرِ، وَعَزَفَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ، وَتَبِعَ ذَلِكَ انْطِلَاقٌ مَحْمُومٌ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ؛ مِنَ الشُّذُوذِ الْجِنْسِيِّ وَالْإِبَاحِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللهِ عَنْ أُسَرِكُمْ، وَأَنَّهُ لَا نَجَاةَ لِلْأُمَّةِ وَلَا سَعَادَةَ وَلَا تَوْفِيقَ لَهَا وَلَا رِيَادَةَ: إِلَّا إِذَا سَارَتْ وَفْقَ مَا أَرَادَهُ لَهَا رَبُّهَا، وَحَثَّهَا عَلَيْهِ نَبِيُّهَا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك